الخرطوم | منذ العام الماضي امتلأت الشوارع الرئيسية في العاصمة الخرطوم بصور للرئيس عمر البشير، ومعه وزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، ممهورة في أسفلها بعبارة «نفديكما بأرواحنا». انتشار صور وزير الدفاع إلى جانب الرئيس السوداني، على لوحات إعلانية ضخمة لم تأت لكون حسين من المقربين أو المفضلين لدى البشير، بل «لأن المصائب تجمع المصابين»، وذلك بعدما طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينيو أوكامبو، في كانون الأول الماضي، إصدار مذكرة للقبض على وزير الدفاع السوداني، قبل أن تتخذ الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة قرارها أول من أمس، وتصدر أمراً بالقبض على وزير الدفاع لارتكابه ما جملته 41 جريمة ضد الإنسانية. وأمر الاعتقال الصادر بحق حسين ليس له علاقة بمنصبه الحالي وزيراً للدفاع، بل يأتي بحكم منصبه السابق حين كان يتولى كرسي وزارة الداخلية ما بين 2001 ـــــ 2005. كذلك أُصدر أمر التوقيف لتوليه مهمة المبعوث الشخصي للرئيس البشير في دارفور عامي 2003 و2004 مع بداية تأزم الوضع في الإقليم، ليرتفع بذلك عدد الذين تلاحقهم المحكمة بتهمة ارتكاب جرائم في إقليم دارفور إلى ستة أشخاص، وأبرزهم إلى جانب الرئيس السوداني ووزير دفاعه، والي ولاية جنوب كردفان أحمد هارون، وقائد ميليشيات سابق يدعى أحمد كوشيب.
وقالت المحكمة الجنائية الدولية إنها «ترى أن هناك أسباباً معقولة، للاعتقاد بأن حسين يتحمل المسؤولية الجنائية عن 20 تهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بينها الاضطهاد والقتل والنقل القسري والاغتصاب، و21 تهمة بارتكاب جرائم حرب تتضمن القتل والهجوم على المدنيين وإتلاف الممتلكات والنهب والاعتداء».
أما ردّ الفعل الحكومي فجاء متوقعاً؛ إذ لم تغير الخرطوم من دفوعاتها الخاصة بمذكرات التوقيف الصادرة عن محكمة لاهاي منذ أن حررت في عام 2009 مذكرة لتوقيف الرئيس عمر البشير. وظلت تردد على الدوام أنها غير معنية بقرارات المحكمة، باعتبار أنها غير موقعة ميثاق إنشاء المحكمة، وبالتالي ليس من حق المحكمة التدخل وإصدار أحكام ضد مواطني دولة غير مصدّقة على قانونها الإنشائي.
وفي السياق، جدد وزير الدولة برئاسة الجمهورية، أمين حسن عمر، تأكيده ذلك في حديث مع «الأخبار»، قائلاً: «لا نحفل بما تصدر المحكمة من مذكرات ولا تستحق حتى التعليق عليها»، وسط تأكيد الحكومة السودانية أن الغرض الأساسي من توقيت إصدار مذكرة التوقيف الجديدة تقويض اتفاقية الدوحة لسلام دارفور التي بدأت السلطات بمحاولة تطبيقها على الأرض.
غير أن خبراء قانونيين يرون أن فشل الحكومة السودانية في التعامل مع قضية دارفور، وعدم تمكنها، بعد مرور تسعة أعوام من بدء الصراع في الإقليم، من إيجاد صيغة توافقية تحظى بمشاركة جميع الفصائل، أدى إلى إظهار الحكومة بمظهر يساعد على أن تسير إجراءات المحاكم الدولية ضدها.
ويتضح أيضاً أن المجتمع الدولي لم يغفر ما ارتكب من جرائم ضد إنسان الإقليم، على الرغم من التزام الحكومة المضي في خط العملية السلمية التي أشرف عليها المجتمع الدولي. ويُرجح متابعون أن يؤثر استمرار المحكمة الجنائية في استصدار مذكرات التوقيف في حق كل من شارك في مأساة الإقليم الإنسانية على مستقبل العملية السلمية فيه، وذلك بتشجيع الحركات الرافضة لمعاهدات السلام بعدم الدخول في حظيرة السلام الحكومية، وبالتالي الاستمرار في خوض الصراع المسلح مع الحكومة المركزية في الخرطوم. وهو ما أكدته حركة «العدل والمساواة»، كبرى الحركات الرافضة لاتفاقية الدوحة. ورحبت الحركة بصدور مذكرة التوقيف، ووصفتها بأنها اختراق حقيقي، وانتصار لمصلحة الضحايا ولكل السودانيين المحبين للعدالة.
وقال مستشار رئيس الحركة للشؤون الخارجية، أحمد حسين آدم، إن المذكرة تمثّل استحقاقاً قانونياً وعدلياً واجباً، لجهة أن وزير الدفاع يشارك البشير المسؤولية الجنائية في جرائم الإبادة، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، في دارفور والنيل الأزرق والنوبة. واستبعد حسين أن تؤثر المذكرة سلباً على مستقبل سلام دارفور، وترسل رسائل سالبة كما يردد البعض. وأوضح لـ«الأخبار» أن صدور المذكرة سيكون له أثر إيجابي؛ لأنها تمثّل تحذيراً للحكومة حتى لا تتمادى في جرائمها، ولجوئها للحلول الأمنية والعسكرية. وزاد حسين أنه لا يوجد سلام أصلاً الآن؛ لأن الحكومة تنتهج نهج الحرب لا السلام، مشدداً على مطالبة المجتمع الدولي، ومجلس الأمن بتنفيذ مذكرة الاعتقال في حق هؤلاء؛ لأن المحكمة الجنائية لا قوة لها، والمسؤولية تقع على عاتق مجلس الأمن.