القاهرة | قضاة مصر غاضبون، والمجلس الأعلى للقضاء مضطرّ إلى الاستجابة لغضبهم، أو هكذا بدا الأمر على الأقل بعدما أصدر المجلس بياناً رسمياً أمس، تلى اجتماعه الأسبوعي، وأعلن عن فحواه أمينه العام محمد عيد سالم. وجاء في البيان أنّ «المجلس قرّر إجراء تحقيق حول ما أحاط بقضية التمويل الأجنبي من ملابسات»، مع التحذير من أنّ القضاء سيتّخذ «الاجراءات القانونية ضد كل من يثبت في حقه انتهاك استقلال القضاء أو التدخل في أحكامه أياً كان موقعه».
كل ذلك قبل يومين من استئناف النظر بقضية التمويل الأجنبي أمام دائرة قضائية جديدة. واللافت أن الاجتماع القضائي عُقد في ظل غياب «بطل» قضية التمويل الأجنبي، رئيس محكمة الاستئناف، رئيس لجنة الاشراف على الانتخابات البرلمانية وعضو لجنة الاشراف على الانتخابات الرئاسية عبد المعز ابراهيم، بداعي السفر إلى كينيا في صحبة وفد قضائي من المحكمة التي يُنتظر أن يعود طاقمها يوم السبت.
وكان مجلس ادارة نادي القضاة قد تقدّم بطلب رسمي إلى المجلس الأعلى للقضاء لإجراء «تحقيق فوري وعاجل لاستجلاء حقيقة التدخلات الحكومية في قضية التمويل الأجنبي غير المشروع لبعض منظمات المجتمع المدني من عدمه، وملابسات تنحّي القاضي (محمد شكري) وكيفية السماح للمتهمين بالسفر»، على حد تعبير رئيسه أحمد الزند لـ«الأخبار»، وهو الذي رفض أن يصبح القضاء «جزءاً من المساومات والتوازنات السياسية» في هذه القضية. وكانت حملة لجمع التواقيع بين قضاة محكمة الاستئناف قد بدأت يوم الجمعة الماضي لعقد جمعية عمومية طارئة في 11 آذار الجاري لسحب اختصاصات عبد المعز ابراهيم، وفي مقدمتها صلاحيات توزيع القضايا بين قضاة المحكمة.
وقد تعيد قضية التمويل الأجنبي للمنظمات تسليط الضوء على معركة استقلال القضاء التي كانت قد توارت ولو نسبياً خلال الأشهر الماضية، في ظل ما كشفه خطاب تنحّي القاضي محمد شكري بعد كمّ الضغوط التي تمارَس عليه من قبل عبد المعز ابراهيم، لرفع حظر السفر عن المتهمين الأميركيين في قضية التمويل الأجنبي التي تم تأجيل النظر فيها إلى نيسان المقبل. وإذا عاد تحريك ملف استقلال القضاء، فقد يعود النقاش حول مشروع قانون السلطة القضائية، الذي انتهى من صياغته أحمد مكي ولجنة ألّفها لهذا الغرض رئيس المجلس الاعلى للقضاة، حسام الغرياني. مشروع يتضمّن عدم جواز تفويض رؤساء المحاكم في توزيع العمل، وتوسيع اختصاصات مجلس القضاء الأعلى في الدفاع عن استقلال القضاء، وضمان مثول المواطنين أمام قاضيهم الطبيعي، ونقل تبعية التفتيش القضائي إلى المجلس الأعلى للقضاة بدلاً من وزارة العدل. إضافة إلى ذلك، يشدد المشروع «الاصلاحي» على أهمية تعديل آلية اختيار النائب العام ليصبح تعيينه من خلال ترشيح من المجلس الأعلى للقضاء، ومن خلال الاقتراع السري، بدلاً من تعيينه من قبل رئيس الجمهورية. أكثر من ذلك، ينص مشروع مكّي، أحد رموز حركة استقلال القضاء منتصف العقد الماضي، على منع تولّي النائب العام ولاية من أكثر من أربع سنوات، مع عدم جواز إنشاء نيابات متخصصة من دون موافقة المجلس الأعلى للقضاء، (مثل نيابة أمن الدولة)، والمساواة المالية بين القضاة في جميع الهيئات.
لكنّ الغضب الشعبي على خلفية مجريات قضية تمويل المنظمات الأجنبية انصبّ أساساً ضد كل من المجلس الاعلى للقوات المسلحة والحكومة، بعد تصريحات شديدة اللهجة من مسؤولين حكوميين، في مقدمتهم رئيس الحكومة كمال الجنزوري. وفي السياق، يرى رئيس «المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة»، الذي جرت مداهمته نهاية العام الماضي، المحامي ناصر أمين، أنّ «المجلس العسكري» يكمل مسيرة الرئيس المخلوع حسني مبارك في استخدام القضاء «لتصفية خصومه السياسيين»، تماماً مثلما حصل في قضية المعارِض أيمن نور، وقضية رئيس مركز ابن خلدون سعد الدين إبراهيم التي تشبه قصته قضية التمويل الحالية (بعد توقيفه في عام 2000 مع عدد من موظفي المركز وإحالتهم جميعاً إلى محكمة أمن الدولة العليا بتهمة تلقّي أموال من الخارج).