مع نهايات الشهر الماضي، بدأت ورشة نقاش معمّق غير معلن داخل المجلس الوطني السوري المعارض، لتحديد آليات مستقبلية تسهم في تفعليه وتصحيح ثغر تشوب أداءه. وقد جاءت هذه الدعوة بعد بروز اتجاه بين مجموعات من أعضائه يطرح ضرورة تقديم محاكمة أو مراجعة لتجربته منذ تأسيسه حتى الآن، ليُحدد على أساسها ما يجب فعله على مستواه التنظيمي الداخلي، وأيضاً على مستوى استنباط صيغ عمل له، تواكب التطورات المقبلة، وتصوغ لائحة بالمهمات المطلوب من المجلس إنجازها على المستوى السياسي والدبلوماسي والعسكري. وبهدف تلخيص هذا النقاش، أُعدّت وثائق صاغها أعضاء في المجلس ينتمون إلى عدة اتجاهات، وهي مخصصة للتداول المحدود داخله، تلخّص مجرياته، وتمثّل أوراقاً صالحة للبناء على ملاحظاته قرارات ومواقف بشأن ما يجب فعله على مستوى إصلاح الوضع الداخلي للمجلس الوطني، وما يجب القيام به من مهمات في الفترة المنظورة المقبلة.
تعرض إحدى هذه الوثائق، المعنية بمراجعة تجربة المجلس الداخلية منذ تأسيسه، بنيته الداخلية ومراحل تطورها، وطبيعة النقاشات التي دارت وسبّبت تغييرات في الاصطفافات خلال الأشهر الماضية، كما تعرض لطريقته في إدارة أموره الداخلية واتخاذ القرارات.
تركيبة المجلس
وتشير الوثيقة إلى طبيعة التركيبة السياسية داخل المجلس، وتحدد القوى الرئيسية على الشكل الآتي:
1ـــ الإسلاميون وتمثّلهم كتلتان:
الأولى تتمثل في التنظيم الشرعي للإخوان ومراقبه العام المهندس رياض الشقفة ونائبه محمد فاروق طيفور، وقد اتسم دورهم بالإيجابية والتعاون، والرغبة في تطمين الاطراف الاخرى إلى أنه ليس في أجندة «الإخوان» أي رغبة في الاستئثار بالثورة السورية الجارية، خاصة أنه كان هناك هواجس بهذا المعنى عند الكثير من الاطراف الاخرى المستقلة والليبرالية وغير الاسلامية الموجودة في المجلس.
أما الكتلة الأخرى (مجموعة الـ74)، فتتألف من شخصيات غالبيتهم ينحدرون من أصول إخوانية، ويجمع بين معظمهم أنهم عملوا لفترة في حركة الإخوان المسلمين ثم هجروها. وتميّز هؤلاء بأنهم مارسوا نفوذاً قوياً داخل المجلس الوطني، وخاصة في بدايات إنشائه، نظراً إلى الاسباب الآتية:
ـــ لأنهم دخلوا المجلس ككتلة واحدة مؤلفة من 74 شخصية، ولذلك يسمّون اصطلاحاً مجموهة الـ74. وهم حافظوا على تماسكهم داخل المجلس رغم أنهم ليسوا في إطار تنظيمي.
ـــ يتّسم غالبية أفراد مجموعة الـ74 بأنهم من ذوي القدرات المالية الكبيرة جداً. فهم طبقة رأسمالية ولديهم علاقاتهم العربية الواسعة، إضافة إلى أن هذه المجموعة تضم طيفاً واسعاً من المجتمع السوري، بما فيه من هم غير إسلاميين، وبرز منهم داخل المجلس على نحو خاص ثلاثة أشخاص هم: أحمد رمضان الذي كان عمل لفترة طويلة في البيرو، والدكتور عماد الدين رشيد الذي كان حتى بدء الثورة عميداً لكلية الشريعة بدمشق، وبسمة قضماني العاملة مع منظمات تموّل من جهات دولية، وهي عضو في المكتب التنفيذي للمجلس.
وتقدم الوثيقة تعريفاً وتوصيفاً لمجموعة الـ74 يقول إنهم: «إسلامويون خرجوا من الإخوان المسلمين، واتصف تموضعهم في السنوات الماضية بأنهم كانوا «منفلشين» تنظيمياً عن الحركة، ولكن ظلوا محسوبين عليها، وظل الرأي العام يتعامل معهم على هذا الاساس. وأثناء المشاورات لإنشاء المجلس الوطني تمكن «هؤلاء المنفلشون»، عن الإخوان تنظيمياً، من تنظيم أنفسهم في كتلة، وضمّوا إليهم مجموعة من العلمانيين الميسورين أيضاً. وفي أول اجتماع فوجئ أعضاء المجلس الوطني بأنهم أمام كتلة متراصة لها موقف واحد ومنظّم، وأنهم رتّبوا أمورهم ككتلة منسجمة، ولكن في ما بعد انسحب أعضاء منها إلى كتل أخرى، وظهر بينهم تناقض في المواقف. وبقايا هذه الكتلة منقسمون الآن بين مؤيدين للحوار مع النظام ومعارضين لذلك».
2ـــ جماعة إعلان دمشق: وتظهر التطورات أنه ليس لها تأثير جدي، علماً بأن لهذه الجماعة قوة في التنسيقيات العاملة داخل سوريا، ويمثلها في المجلس سمير النشار. لكن الوثيقة تلفت إلى أن هذه الجماعة لها مستوى جيد في أدائها التنظيمي، سواء داخل سوريا أو في الخارج. ومن أبرز قياداتها رياض الترك، فداء حوراني، علي العبد الله، نواف البشير، منتهى الاطرش وآخرون. ولديها موقفها السياسي الصارم بخصوص إسقاط النظام.
3ـــ حزب الشعب الممثل في المجلس الوطني، ورئيسه جورج صبرا. وتذكر الوثيقة في تقويمها السياسي للحزب أنه، معنوياً، يعتبر جزءاً من تيار اليسار على الساحة السورية الذي يضم تجمع اليسار، حزب العمل الشيوعي. وتقول «إن موقف حزب الشعب وحلفائه واضح في دعمه للثورة والانخراط فيها، ولكن موقفهم من النظام مبهم، فهم أقرب إلى الحوار معه تحت ضغط خوفهم من تدخل عسكري خارجي في سوريا تكون له نتائج كارثية على مستقبل وحدة الأرض والشعب السوري».
4ـــ الطائفة العلوية، يمثّلها توفيق دنيا، وهو عضو المكتب التنفيذي للمجلس الوطني، وأيضاً هو عضو في الكتلة الوطنية الديموقراطية التي تألّفت داخل المجلس خلال الفترة ما بين (19/21كانون الثاني 2012).
5ـــ الحركة الكردية ويمثّلها في المجلس عبد الباسط سيدا. وتشير الوثيقة إلى أن «هذه الحركة منظمة في الداخل والخارج، ولكن يُنظر داخل المجلس إلى مواقفها بعين الالتباس، لأن قيادتها مرتبطة بقوى إقليمية صديقة لبشار الأسد، كجلال طالباني مثلاً».
6ـــ الحركة الآشورية السريانية، ويمثّلها عبد الأحد صطيفو عضو الأمانة العامة للائتلاف العلماني.
7ـــ هيثم المالح.
8ـــ برهان غليون.
الاصطفافات داخل المجلس
بحسب الوثيقة، فإنه بفعل تعاظم وتيرة الأحداث والمستجدات الداخلية والخارجية المتصلة بالحدث السوري، حصلت داخل المجلس نقاشات وعمليات فرز في المواقف من قضايا مهمة طرحتها التطورات. وقاد هذا الواقع إلى حصول عمليات اصطفاف جديدة داخل المجلس، وحتى داخل مركّبات كل قواه. وأدى هذا المخاض إلى بروز كتلتين:
الأولى، تضم شخصيات يسارية وقيادات من اليمين ومن الوسط ومن الليبراليين. وبدأت الكتلة بالتكوّن داخل المجلس نتيجة حوارات أخذت تجري بعد اندلاع الاحداث السورية، داخل سوريا وخارجها، واشترك فيها مثقفون وكتّاب وأصحاب تجارب سياسية مخضرمة، أعلنوا تصحيح مواقفهم باتجاه القطيعة مع النظام. وبلغت لحظة الذروة في تكوّن هذه الكتلة عندما تداعت إلى عقد ما يشبه جمعية عامة خاصة بها، انتخبت خلالها عقاب يحيى رئيساً لها، وهو يقيم في الجزائر، وأنشأت لها أمانة عامة مكوّنة من ثلاثين عضواً، وانتخبت أمين سرّ لها هو الدكتور نصر حسن.
أما الكتلة الثانية فقد تألّفت يوم 26/2/2012 باسم «مجموعة العمل الوطني السوري»، ومن قادتها هيثم المالح وكمال اللبواني ووليد البني والمحامية كاترين التللي وفواز تللو وآخرين. ويلاحظ أن تكوّن هذه المجموعة وجّه ضربة بنسبة معينة لمجموعة الـ74، لأن عدداً من أعضائها انسحب منها والتحق بمجموعة المالح.
أجندة عمل الفترة المقبلة
يبدو من مراجعة الوثائق الخاصة بالمجلس الوطني أنه يشهد منذ نهاية الشهر الماضي نقاشاً عميقاً يتركز حول سبل تفعيله، وتحديد مهمات نوعية له خلال الفترة المقبلة المنظورة، أكان داخل سوريا أم على الصعيد الدبلوماسي الذي بدأت تدور في نطاقه معركة لا تقل أهمية عن المعركة الداخلية. وتشير وثيقة داخلية تحت عنوان «مستقبل العمل» إلى «الاقتراحات الخاصة بتفعيل العمل الداخلي للمجلس» ومنها:
أولاً ـــ توسيع المكتب التنفيذي، وتأكيد صفته كأعلى هيئة قيادية.
ثانياً ـــ توسيع الأمانة العامة. وهنا تلحظ الوثيقة أنه جرى اتخاذ عدة خطوات لتفعيل المستوى التمثيلي للمجلس عن طريق إضافة مكوّنات أخرى جديدة من قوى المعارضة والحراك إليه.
ثالثاً ـــ توصي الوثيقة بأن على المجلس وضع «فيتو» على القبول بإضافة هيئة التنسيق إليه، أو أيّ شخصيات منها، سواء كانت تقيم في الخارج أو الداخل، أو حتى أي امتدادات لهذه الهيئة، وسواء كانت ظاهرة أو مستترة، وذلك بدعوى ما ثبت من أن هذه الهيئة وكل مناخها يصبّان في نهاية المطاف في خدمة النظام.
رابعاً ـــ وضع آلية لتنظيم عمل الجيش السوري الحر في إطار المجلس الوطني، بما يقود إلى جعله الذراع العسكرية للمجلس. لكن الوثيقة تشير بطريقة لافتة إلى أن الجيش الحر تعرض لاختراقات من قبل أجهزة الامن السورية، وفي كثير من الحالات جرى تطعيمه من قبل النظام بجنود وضباط فارين، هم في حقيقة الأمر مرسلون من الامن السوري لاختراقه. كذلك فإن الجيش الحر يعاني من عدم تجانس أفراده ميدانياً.
وتشير الوثيقة إلى أن المجلس الوطني أعدّ آلية معينة لتنظيم عمل الجيش الحر، تهدف إلى أمرين رئيسيين، الأول أن يكون عمل الجيش الحر في إطار المجلس الوطني. والثاني لتحصينه من احتمالات حصول انشقاقات داخله، أو تعرضه لاستقطابات من أجندات إقليمية وخارجية. وتعرض الوثيقة في هذا السياق موقفاً للمملكة العربية السعودية يرفض إنشاء المكتب الاستشاري التابع للمجلس الوطني لكي يشرف ويحصر به عملية استيراد السلاح لحساب الجيش الحر ونقله إلى الثوار داخل سوريا.
وقد جاء اعتراض الرياض مباشرة بعد إعلان برهان غليون عن العلاقة بين المجلس والجيش الحر، وأعلنت الرياض استعدادها لتزويد الجيش الحر بالسلاح مباشرة. وتلاحظ الوثيقة أن نائب الرئيس السوري السابق، عبد الحليم خدام، حاول اللعب على هذا التناقض بين المجلس والمملكة، فاقترح على السلطات السعودية تمويل حركة انشقاقات داخل الجيش السوري، ودعا إلى اعتماد الضابط المنشق مصطفى الشيخ، الموجود في تركيا، قائداً لهذا الجيش. وبذلك يريد خدام الانتقام من إهمال المجلس الوطني له، وتهميشه.

توصيات بمهمات مقبلة

بشأن المرحلة المقبلة، تشير الوثيقة إلى مجموعة من المقترحات بالنسبة إلى المرحلة المقبلة:
أولاً ـــ دعوة المواطنين السوريين إلى المقاطعة الاقتصادية للنظام ومنتجات القوى الداعمة له.
ثانياً ـــ إعلان عصيان مدني تدريجي.
ثالثاً ـــ تأسيس لجان تنسيقية، أو تطوير عمل التنسيقيات وتحويلها إلى هيئات يجري بناؤها وتأهليها لإدارة شؤون المدن والبلدات من دون الحاجة إلى التوجه لدوائر السلطة.
رابعاً ـــ اللجوء إلى طلب الحماية الدولية عن طريق مطالبة المجتمع الدولي بتنفيذ قانون التدخل الإنساني، خصوصاً أن الوثيقة ترى أن التفاصيل التي يتضمنها قانون التدخل الانساني ممتازة، وقراراته ملزمة، حتى لحلفاء النظام السوري، والمطالبة به من قبل المجلس يجنّبه الشقاق داخله بين أنصار التدخل العسكري الخارجي ورافضيه، ويحرم النظام من القول إن سوريا تتعرض لاستعمار غربي عسكري.



«وضع المجلس الآن»

تحت عنوان «وضع المجلس الآن» ورد في الوثيقة أن المجلس الوطني يضم الآن الأطراف السياسية الآتية:
- إعلان دمشق/ حزب الشعب (جورج صبرة)/ الإخوان المسلمون/ الحركة الكردية/ الحركة الآشورية السريانية السورية/ التيار العلماني الليبرالي/ المستقلون/ برهان غليون.
كذلك تشير الوثيقة إلى آلية الإدارة الداخلية للمجلس بالقول: «إن القرارات داخل المجلس تتم بآلية التوافق كي لا يطغى مكوّن سياسي على الآخرين، وتم الاتفاق على ذلك نظراً للخصوصية والسرعة التي تشكل بموجبها المجلس، وعليه فإن الثغرات التي توجد فيها على مستوى عمله الداخلي هي مبررة، نظراً للظروف التي أحاطت بنشأته واتسمت بأنها استثنائية وطارئة، والحاجة لإنشاء كيان سياسي ومعنوي جامع للمعارضة، بغية إثبات حضور الحد الأدنى السياسي والحراكي لها، لمواكبة التطور الداخلي المفاجئ في سوريا».