الجزائر | تمرّ جميع الأحزاب الجزائرية، بلا استثناء، بمرحلة عصيبة، مع انطلاق حملات الترشيح للانتخابات البرلمانية والمحلية، إذ تشهد غالبية الأحزاب نزيفاً حاداً بفعل خلافات وانشقاقات يقودها طامحون في الترشح خذلهم قادتهم، فغضبوا وثاروا وأعلنوا العصيان من خلال تأليف قوائم انتخابية مستقلة منافسة لقوائم أحزابهم.
آخر فصول هذه الظاهرة، التي تذكّر بما يسمى في موريتانيا «الترحال السياسي»، ما شهده «حزب العمال» في ولاية أم البواقي، حيث استقال معظم كوادره، وشمّعوا مقارّ الحزب في مركز الولاية وفي عدد كبير من البلديات التابعة لها. وقبل ذلك، كان «حزب الحرية والعدالة» الإسلامي، الذي تأسس حديثاً بقيادة الإعلامي السابق محمد السعيد، قد شهد هجرات جماعية لقطاع واسع من أتباعه، الذين انضموا إلى أحزاب صغيرة أغرتهم بمنحهم حق الترشّح في مراتب متقدمة على قوائمها. وما زاد المشكلة تعقيداً، هذه المرّة، تخصيص 20 في المئة على الأقل من الأماكن على القوائم الانتخابية للنساء، بفعل قانون الانتخاب الجديد. وهذا المعطى الجديد قلّص من المساحة التي كانت تجري عليها معارك الترشّح في الدورات الانتخابية السابقة. وهو ما يفسر رفض النواب قانوناً أطلقه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لمنح حصة لا تقل عن 30 في المئة من المقاعد النيابية للنساء. فاضطر الرئيس إلى رفع العدد الإجمالي لأعضاء البرلمان من 389 الى 462، لتأمين الحصة النسائية التي وعد بها. ورغم ذلك اصطدم مسعاه بمعارضة شديدة انتهت به إلى تقليص الحصة النسائية من 30 إلى 20 في المئة.
وعلمت «الأخبار» من مصادر في حزب «جبهة التحرير الوطني» أنّ المئات من كوادر الحزب سيؤلّفون قوائم مستقلة، لأن قوائم حزبهم لم تمنحهم فرصاً متكافئة في الترشّح. وتجدر الإشارة الى أن المنافسة على الترشّح تجري على مستويين، أولهما لضمان مكان في القوائم الانتخابية، وحين يتحقق ذلك، تبرز منافسة أخرى بين المدرجين على القوائم بخصوص الترتيب، لأنّ أصحاب المراتب الأولى في القوائم الانتخابية هم الأوفر حظاً في الفوز بمقاعد نيابية.
وبموجب قانون الانتخاب الجزائري، كل قائمة انتخابية تحقق 20 في المئة من أصوات الناخبين تُمنح خمسة مقاعد برلمانية. وتخصص هذه المقاعد للأسماء الخمسة المدرجة في المراتب الأولى على القائمة. ولا يفوز بقية أعضاء القائمة ذاتها بمقاعد برلمانية، إلا إذا نالت القائمة نسباً أكبر من أصوات الناخبين. وجاءت قاعدة «الحصة النسائية» لتعقد الأمور أكثر، لأنّ القانون يشترط أن يكون أحد النواب الخمسة الفائزين من كل قائمة امرأة. وقد أدى ذلك لنشوب أزمات حادة في صفوف الكثير من الأحزاب، خلال فترة الترشيحات، وصلت أحياناً إلى العراك بالأيدي وإشهار السلاح.
وشهدت مقار «جبهة التحرير»، حزب الغالبية الحالي، في العديد من الولايات مواجهات عامرة امتدت إلى الشوارع المحيطة بالمقارّ، بين أنصار الأمين العام للحزب، عبد العزيز بلخادم، الذي أراد أن يفرض أنصاره والمقربين منه على قوائم الحزب، وبين بقية أجنحة الحزب.
الأساليب غير الديموقراطية التي تدار بها هذه الخلافات الداخلية في صفوف أحزاب تنادي بالديموقراطية سلّطت الضوء على ظاهرة غريبة تفاقمت خلال العشرين سنة الأخيرة، إذ لم تعد معارك الانتخابات في الجزائر تدار على أساس الأفكار السياسية واختلافات الرؤى والبرامج، بقدر ما يؤججها السعي إلى المناصب والمكاسب المادية؛ فأقل راتب لنائب في البرلمان هو 400 ألف دينار، أي ما يعادل راتب أربعة أساتذة جامعيين بشهادة دكتوراه. هذا فضلاً عن كون النواب سنّوا، قبل أربع سنوات، قانوناً غريباً ينص على أن البرلماني يحتفظ براتبه كاملاً طوال حياته، إضافة الى ذلك، فإن عضوية الهيئة التشريعية توفر للنواب مزايا أخرى، عبر تقريبهم من شبكات توزيع الريع النفطي، حيث يحصلون على قروض ميسرة وشروط تحفيزية في مجال الاستثمار وشراء العقارات واستيراد السيارات.