إسطنبول | وسط ازدياد الحديث عن احتمال إقامة تركيا منطقة عازلة أو «آمنة» داخل الأراضي السورية، جاء بيان القائد الفعلي لحزب العمال الكردستاني، مراد كرايلان، الذي حذّر فيه تركيا من تحويلها إلى ساحة حرب في حال إقدامها على خطوة المنطقة العازلة، لتؤكد، بالنسبة إلى حكام أنقرة على الأقل، صحة التقارير التي كانت ولا تزال تفيد بأن «شهر العسل» عاد بين دمشق وحزب العمال الكردستاني.
غير أنّ المحلل التركي الاستراتيجي في جامعة توب، نهاد علي أوزكان، رأى في حديث مع «الأخبار»، أن بيان كرايلان «لا يعني بالضرورة أن حزبه يدعم النظام السوري فقط لأن تركيا لا ترغب في ذلك. القضية السورية ليست أولوية اليوم، وحزب العمال الكردستاني يدرك ذلك جيداً، وبالتالي فإنهم يتابعون التطورات، ومن خلال عدم انخراطهم في الحركة الساعية إلى إسقط نظام الرئيس بشار الأسد، فإنهم يحافظون على قواهم لأنهم يدركون أن النظام السوري سيسقط عاجلاً أو آجلاً، وبالتالي فهم يستعدون لمرحلة ما بعد الأسد».
وبحسب وثائق حصلت عليها قناة «الجزيرة»، قالت إنها عبارة عن مراسلات رسمية داخلية عائدة لحزب البعث السوري حول السيطرة على مدينة حلب، فإنّ دمشق تتعاون اليوم مع حزب العمال الكردستاني. وجاء في إحدى هذه المراسلات، تشديدٌ على ضرورة «وضع المناطق الكردية (السورية) تحت الرقابة، مع تنسيق العمل مع حزب العمال الكردستاني سراً لإخماد التظاهرات وعدم تدخل (الأمن السوري) في المناطق الكردية». إضافة إلى ذلك، تحدّثت تقارير تركية غير مؤكدة عن أن أحد أقرباء الرئيس الراحل لتيار المستقبل الكردي، مشعل تمو، الذي قُتل في الخريف الماضي في مدينة القامشلي، خُطف الأسبوع الماضي على أيدي ملثمين، وتم العثور على جثته بعد 3 ساعات من خطفه. وأوضحت التقارير أنّ الأخير «قُتل، مثل مشعل تمو، من قبل حزب العمال الكردستاني».
أحداث وتطورات تُضاف إلى معلومات تركية استخبارية، مفادها بأنّ حركة تُسجَّل لمقاتلي «العمال الكردستاني» إياباً وذهاباً من تركيا إلى سوريا وبالعكس. انطلاقاً من كل ذلك، يرى محلّلون ومتابعون أتراك للشأن السوري والكردي خصوصاً، أن القاعدة لا تزال نفسها بالنسبة إلى تركيا في ما يتعلق بقرارها اتخاذ خطوة عسكرية أو شبه عسكرية (منطقة عازلة أو آمنة قد تتحول إلى عازلة بحماية عسكرية تركية) من عدمه؛ أنقرة غير مستعدة للخوض في أي مغامرة عسكرية ما لم يتعلق الخطر بأمنها القومي الداخلي، وهو كلام لا يعني اليوم إلا الخوف من الخطر الكردي المتصاعد بدليل ازدياد المعارك بين الأمن التركي ومقاتلي «الكردستاني» في الأيام والأسابيع والأشهر الماضية. قاعدة يعرب محللون عن اقتناعهم بأن حكام الدول المعنية بالملف السوري اليوم يدركونها جيداً، وبناءً عليه، فإنّ القوى التي تريد من تركيا إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، تعرف أن أنقرة لن تقدم على ذلك ما لم تشعر بخطر كردي حقيقي مدعوم من الأراضي السورية. هكذا، يتوقع كثيرون في الصالونات السياسية التركية أن تشهد الأيام المقبلة «استفزازاً حقيقياً» من الطرف الكردي ضد السلطات التركية، بتحريض من دول خارجية تملك مصلحة بأن تتّخذ تركيا بمفردها قراراً بإنشاء منطقة عازلة. وفي السياق، فإنّ البعض وضع بالفعل بيان كرايلان «المستغرَب» في إطار التحريض من المصادر الخارجية، بما أنّ مضمون البيان أكّد بالنسبة إلى حكام أنقرة صحة التقارير الاستخبارية التي كانت تفيد، منذ أشهر، بأن حزب عبد الله أوجلان، و«فرعه السوري»، أي «حزب الاتحاد الديموقراطي» قررا الانحياز إلى جانب النظام السوري، وبالتالي لن يكون من الصعب أن تقول تركيا للعالم، حين تقرّر إقامة منطقة عازلة أو «آمنة» داخل سوريا، إن هجمات كثيرة تعرضت لها تركيا ولا تزال من مقاتلي «العمال الكردستاني»، مصدرها سوريا.