القاهرة | شبح آذار 1954، تاريخ الانقلاب الذي تركزت السلطات على أثره في يد جمال عبد الناصر، وهي الأحداث التي انتهت لاحقاً باعتقالات واسعة في صفوف «الإخوان المسلمين»، هو المهيمن على الجدل السياسي في مصر على خلفية «معركة البيانات» بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم، وتنظيم «الإخوان المسلمين». معركة انطلقت، أول من أمس، بعدما طالب بيان المجلس العسكري «الجميع بأن يعوا دروس التاريخ لتجنُّب تكرار أخطاء ماضٍ لا نريد له أن يعود». وقد أصدر المكتب التنفيذي لحزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لـ«الإخوان»، قبل يومين، بياناً مقابلاً جدّد فيه المطالبة بإسقاط حكومة كمال الجنزوري، وحمّل فيه المجلس العسكري المسؤولية الكاملة عن الآثار السلبية المتزايدة جراء بقاء هذه الحكومة، ملوحاً بـ«ثقة الشعب» في البرلمان لمواجهة «الابتزاز السياسي الهادف إلى إمرار مواقف سياسية واقتصادية لا تلبي طموحات الشعب المصري». كلام فسره كثر بأنه إشارة إلى ما تسرب عن ضغوط مارسها رئيس المجلس العسكري، محمد حسين طنطاوي، على رئيس مجلس الشعب، القيادي «الإخواني»، محمد سعد الكتاتني، لثني حزبه عن سحب الثقة من الحكومة. وكان «الحرية والعدالة» قد هدّد مراراً بسحب الثقة من الحكومة بواسطة غالبيته البرلمانية، لكنه لم يقدم حتى اليوم على تنفيذ تهديده، وهو ما قد يعيد تسليط الضوء على تصريحات رئيس اللجنة التشريعية في مجلس الشعب عن الحزب نفسه، صبحي صالح، التي أوضح فيها لـ«الأخبار» أن حزبه يحاول تجنب الصدام المتوقع مع المجلس العسكري في حال سحب الثقة من الحكومة. هي حكومة قال المجلس العسكري في بيانه أول من أمس، إنه يتفهم صعوبة المناخ العام الذي تعمل فيه كغيرها من الحكومات منذ الثورة.
لكنّ ما حذّر منه بيان حزب «الحرية والعدالة» من احتمال تزوير الانتخابات الرئاسية «لمصلحة مرشح بعينه يريد البعض فرضه على الشعب» في ظلّ «السلبيات المرصودة في مسيرة تلك الانتخابات إلى الآن»، ربما كان هو ما استفز المجلس العسكري لإصدار بيانه اللاحق، الذي ردّ في الفقرة الأولى منه قائلاً إن «ما يجري من محاولات بغرض التشكيك في النيات إزاء نزاهة الانتخابات الرئاسية المقبلة، والاستفتاء الشعبي على الدستور، هو محض افتراء لا أساس له من الصحة». وذكّر عسكر مصر «إخوانها» بأن «هذا الموقف يتناسى أن القوات المسلحة ومجلسها الأعلى هم من خططوا ونفذوا الانتخابات التشريعية السابقة بشفافية ونزاهة شهد بها الجميع وأفرزت القوى السياسية الحالية في مجلسي الشعب والشورى»، في اشارة إلى استحواذ الذراع السياسي لـ«الإخوان» على غالبية مقاعد المجلسين.
إلا أن مواجهة بهذا الوضوح في وسائل الإعلام لا تعني أبداً مواجهة واقعية؛ فعضو مكتب الإرشاد في «الإخوان»، مصطفى الغنيمي، لفت في حديث مع «الأخبار» إلى أن بيان الحزب حُرِّف عن مقصده، بما أن «الحزب في حقيقة الأمر كان يحذر من احتمالات تزوير ناجمة عن الفساد والفوضى الناجمين عن استمرار حكومة الجنزوري، وخصوصاً وزارة الداخلية المهترئة التي ستسهم في إتمام إجراءات الانتخابات». وأضاف الغنيمي أن العلاقات بين جماعته والمجلس العسكري الحاكم «جيدة وخطوط التواصل بينهما قائمة ومساحات التفاهم ليست قليلة ولا تفسدها بيانات»، مستبعداً في الوقت نفسه تكرار سيناريو عام 1954 التي هي مجرد «مبالغات التيارات الليبرالية»، على حد تعبيره.
في المقابل، كشف الغنيمي أن اجتماعَي مجلس شورى «الإخوان» من جهة، والهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة المتوقعين اليوم من جهة أخرى، سيناقشان، إضافة إلى إسقاط الحكومة، احتمالات دعم أي من المرشحين لانتخابات الرئاسة أو الدفع بمرشح جديد من صفوف الجماعة نفسها، «فالجماعة التقت بالفعل عدداً من الشخصيات التي حاولنا إقناعها بالترشح مدعومين بتأييدنا، إلا أنهم رفضوا، وبكل صراحة منصور حسن ليس واحداً منهم»، في إشارة إلى انسحاب حسن من سباق الرئاسة الذي فُسر كانفصام عروة وثقى بين «الإخوان» والجيش.
وكان منصور حسن قد انسحب، أول من أمس، بحجة أن «القوى السياسية التي تكرمت بإعلان تزكيتها لي قد تقسمت من داخلها، وكذلك أبلغتني بعض القوى الأخرى أنها لن تتمكن من إعلان تزكيتها نظراً إلى ظروف خلافات داخلية خاصه بها»، بحسب بيان حسن. وفيما شكر حسن حزب «الوفد»، الوحيد الذي أعلن تأييده رسمياً لترشحه، أكد عضو الهيئة العليا لـ«الوفد» حسام الخولي لـ«الأخبار» أن اجتماعاً سيعقد اليوم «للنظر في مرشح بديل بين دعم عمرو موسى أو عدم تأييد أي مرشح أو الاتفاق مع القوى المدنية على دعم مرشح واحد».