القاهرة | رغم أنها تصدت للاحتلال البريطاني عام 1882 وللعدوان الثلاثي على مصر في 1956، لم تستطع مدينة بورسعيد، العاصمة الثالثة بعد القاهرة والإسكندرية، أن تصدّ هجمات نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك ومن بعده المجلس العسكري عليها، وهو ما دفعها إلى المطالبة بالاستقلال التام أو الموت الزؤام، ليس عن الاحتلال بل عن النظام الذي تعمد عزلها عن جميع محافظات مصر، وفرض حصاراً اقتصادياً مشدّداً على أهلها.
محافظة بورسعيد المطلّة على البحر المتوسط اعتبرت قرار اتحاد الكرة المصري، الصادر يوم السبت الماضي بتجميد فريق «المصري» لمدّة موسمين، وحظر إقامة مباريات على ملعبه لمدّة 3 سنوات، على خلفية الأحداث الدامية التي شهدها استاد بورسعيد في الأول من شباط الماضي، عقب مباراة كرة القدم بين النادي «المصري» البورسعيدي والنادي «الأهلي» التي أدت إلى مقتل 75 شخصاً، حلقة في سلسلة التهميش والعزلة التي فرضها مبارك على المحافظة منذ عام 1999، عندما ألغى المنطقة الحرّة في المحافظة التي تشتهر بتجارة الملابس المستوردة من الخارج، على خلفية زيارته للمحافظة وادّعائه أنه تعرض لمحاولة اغتيال من قبل أحد سكانها.
وكان المواطن الذي اتهم بمحاولة الاغتيال يحاول أن يصل إلى مبارك ليعطيه شكوى خاصة به، فأطلق حرّاس الرئيس الرصاص عليه وأردوه قتيلاً، زاعمين أنه كان يحاول اغتياله.
غضب أهالي المحافظة من قرار اتحاد كرة القدم تفجر عبر منع دخول آلاف العاملين القادمين إلى قناة السويس من المحافظات المجاورة من خلال المنافذ الجمركية للمدينة، وهو ما أدى إلى وقف العمل في المنطقة الحرة العامة وأدى إلى وقوع اشتباكات بين قوات من الجيش احتشدت داخل قناة السويس وبين المحتجين، أدت إلى مقتل طفل بطلق ناري وإصابة 65 آخرين.
غضب البورسعيديين لم يقف عند هذا الحد، بل وصل مداه إلى تدشين عدد من سكان المحافظة لمجموعة على شبكة التواصل الاجتماعي لإعلان مدينة «بورسعيد» دولة مستقلة، واختيار أول رئيس جمهورية لبورسعيد المستقلة. مؤسسو الموقع برّروا دعوتهم هذه بأن الظلم الذي يتعرض له أهالي بورسعيد من الإعلام واتهام المدينة الباسلة بالعمالة، بالإضافة إلى الحصار المفروض عليها في أعقاب أحداث استاد بورسعيد، دفعتهم إلى المطالبة بالاستقلال واختيار رئيس للمحافظة «يعمل على عودة العلاقات الطيبة مع جمهورية مصر الشقيقة واحترام جميع الالتراسات في نطاق الجمهورية». أهالي بورسعيد لم يكتفوا بذلك، بل قاموا صمموا أول علم لدولة بورسعيد.
«حركة التمرد داخل المدينة الباسلة يقودها طلاب مدارس أعمارهم تراوح ما بين 16 و17 عاماً، ولن يستطيع أحد إيقافها»، بهذه الكلمات حذّر النائب عن محافظة بورسعيد داخل مجلس الشعب، البدري فرغلي، من تداعيات قرار اتحاد الكرة، واصفاً الأخير بأنه «جماعة مفترسة تريد تقسيم مصر».
في مقابل ذلك، خرج أعضاء رابطة «ألتراس» أهلاوي، وأهالي شهداء بورسعيد، في مسيرات حاشدة من أمام مقر اتحاد الكرة المصري إلى مقر مجلس الشعب، ودخلوا في اعتصام مفتوح أمام البرلمان إلى حين تحقيق مطالبهم المتمثلة في محاكمة عادلة للجناة وعدم التهاون في حق شهداء «الألتراس»، وتجميد نشاط النادي «المصري» لمدّة 3 سنوات ووقف النشاط الكروي في مصر، وهو ما اعتبره البورسعيديون مؤامرة من المجلس العسكري ومجلس الشعب ووزارة الداخلية عليهم.
الحكومة، بدورها، حاولت امتصاص غضب أهالي بورسعيد، فأصدر رئيس الوزراء كمال الجنزوري قراراً بعودة اللواء أحمد عبد الله لمباشرة عمله محافظاً لبورسعيد، وهو ما ساهم في إعادة الهدوء النسبي للمحافظة.
من جهتها، شكلت الأحزاب والقوى السياسية في بورسعيد لجنة تضم ممثلين عن جميع الأحزاب والقوى في المحافظة للتصدي لدعاوى الانفصال ولفك الحصار الاقتصادي عن المحافظة. وأطلق حزب «الحرية والعدالة» مبادرة «بنحبك يا بورسعيد» عبر تنظيم زيارات للمدينة والتجول في أبرز المناطق السياحية بها، كذلك أطلق ائتلاف شباب الثورة مبادرة مشابهة.