يخطئ من يفصل حدث القمة المقرر في بغداد يوم الخميس المقبل عن الوضع الداخلي العراقي. صحيح أن لها حيثياتها الإقليمية، لكن انعقادها في بغداد بعد الخروج الأميركي له دلالاته، وخاصة أن جهات عربية كبيرة حاصرت العراق منذ سقوط صدام حسين لاعتقادها أن الشيعة المتحالفين مع إيران صاروا يحكمون البلاد. من هنا يمكن فهم الحراك الداخلي لنوري المالكي على مدى الأسابيع القليلة الماضية، الذي رمى من خلاله إلى تحصين الجبهة الداخلية لضمان إمرار قطوع القمة بأقل خسائر ممكنة. ومن هنا أيضاً، يمكن فهم الحراك المضاد الذي قاده نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي والذي انضم إليه أخيراً الزعيم الكردي مسعود البرزاني. حراك أفرز في نهاية المطاف جبهتين: تضم الأولى المالكي، ومعه الرئيس جلال الطالباني ورئيس البرلمان أسامة النجيفي، ولهؤلاء علاقة خاصة بإيران. في مقابل جبهة تضم الهاشمي والبرزاني و«رجل الخليج» إياد علاوي هي أقرب للفضاء السعودي التركي، وتقول أوساط المالكي إنها تحظى بتأييد ضمني من المجلس الأعلى بزعامة السيد عمّار الحكيم. وقد يكون الدليل الأبرز على ترابط القمة بالوضع الداخلي العراقي، ذاك الاجتماع الثلاثي الذي عقد أول من أمس وضم الطالباني والمالكي والنجيفي. جدول الأعمال كان عبارة عن نقطتين: القمة والمصالحة الداخلية التي تقرر الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني لإنجازها في الخامس من الشهر المقبل.
ولعل آخر صدام في هذا الإطار كان ذاك الهجوم الفجائي والعنيف الذي شنه البرزاني على المالكي قبل أيام، ناعياً التحالف الحكومي الذي جمعهما عقب انتخابات 2010، ومدعياً أنه يحظى بدعم المجلس الأعلى والتيار الصدري. صحيح أن مشاكل المالكي مع الأكراد ليست جديدة، بل كانت على الدوام بسبب رفضه لفكرة الأقلمة أو الانفصال، ولا سيما الاستقلالية عن بغداد في المجال النفطي، فضلاً عن معارضته ضم كركوك أو أياً من الأراضي المتنازع عليها إلى الإقليم الكردي. مشاكل عبّرت عن نفسها في استضافة البرزاني للهاشمي الهارب من بغداد حيث وجهت إليه تهم بالإرهاب. لكنها تفاقمت بلا شك خلال الفترة الماضية، أولاً مع عدم ظهور بوادر إلى اتجاه لانفراط عقد القمة، التي يزعج انعقادها في بغداد البرزاني، الذي لم يقبل بغير صيغة «الشعب العربي في العراق جزء من الأمة العربية» في الدستور العراقي العتيد، فضلاً عن مؤشرات التفاهم بين خصمه الكردي، أي الطالباني، وبين المالكي، بعدما اتفقا على أن يرأس الأول القمة، على أن يرأس الثاني وفد العراق إليها.
لكن يبدو، بحسب أوساط المالكي، أن هناك مشكلة أكبر، تتلخص في خطأ ارتكبه أحد المسؤولين الأكراد فضح مشكلة في توريد النفط من هذا الأقليم الذي يحاسب الدولة المركزية على أساس أنه يصدّر بين 50 و70 ألف برميل يومياً، فيما مندوبه طالب نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني بحصة الإقليم من البترودولار على أساس أنه يصدّر بين 160 و175 ألف برميل يومياً، ما طرح تساؤلات عن مصير القيمة النقدية للفارق بين الكميتين. ومفهوم «البترودلار» يعني تعويض بقيمة دولار عن كل برميل يعطى للمحافظات النفطية كبدل عما تعانيه من سلبيات انتشار حقول النفط فيها.
وكان المالكي، على ما تفيد المعلومات، قد بادر إلى إبرام سلسلة تفاهمات على التعاون على جميع الصعد مع رئيس البرلمان أسامة النجيفي، وذلك في خلال زيارة قام بها رئيس الوزراء لمنزل هذا الأخير بترتيب من نائب رئيس البرلمان قصي السهيل المحسوب على التيار الصدري، علماً بأن عنوان هذا اللقاء الذي استمر لساعات كان ملف الهاشمي. وأكد الطرفان أن يأخذ القضاء مجراه وأن يحظى نائب رئيس الجمهورية بمحاكمة عادلة. وتضيف المعلومات أن المالكي بعث برسالة عبر النائب حسن علوي إلى البرزاني ينصحه فيها بتسليم الهاشمي أو بإخراجه من العراق كمدخل لتسوية هذه القضية، لكن الزعيم الكردي رفض، بحجة أن الهاشمي «ضيف شخصي عليه». كذلك، تفيد المعلومات بأن المالكي أبرم تسوية أولية، لم ترق إلى حدود المصالحة الكاملة، مع وزير المالية رافع العيساوي، الذي شاعت أنباء عن وجود ملفات ضده في قضايا إرهاب، لكنها تتضمن أدلة ظرفية، لا أدلة قاطعة على غرار تلك الموجودة في ملفات الهاشمي.
غير أن الملف الأبرز قد يكون بعودة مشعان الجبوري إلى بغداد في إطار صفقة، تقول مصادر مطلعة إن السلطات السورية أدت دوراً فيها، في جزء من رد الجميل للمالكي على موقفه من نظام الرئيس بشار الأسد. ومعروف أن الجبوري من أشد الرافضين للأقلمة وأبرز المؤيدين لوحدة التراب العراقي. وجرت تسوية القضية على قاعدة أن «لا موقف شخصياً» من الجبوري الذي يمكن أن يؤدي دوراً مساعداً كبيراً للمالكي على الساحة السنية. وقد جرت تسوية جزء من مشاكله القضائية حيث هو متهم بالتحريض على العنف، وبتقاضي أموال لحماية أنابيب النفط العراقي من دون وجه حق، ذلك أنه كان يتقاضى مبالغ بحجة أن لديه عدداً كبيراً من المقاتلين ممن يقومون بهذه المهمة، وهو ما ثبت بطلانه.
كل ذلك في ظل إعادة اصطفاف في البيت الشيعي حيث تبدو الخريطة السياسية في طريقها لإعادة التشكل على أكثر من مستوى، وإن كانت ملامحها لم تتضح بعد، بل تنتظر تطورات الأسابيع المقبلة وخلاصة المحادثات في ما بين أكثر من طرف داخلي وإقليمي.
أما على المستوى الخارجي، فلعل الغائبين الأبرز هما سوريا وإيران، شريكا المالكي الإقليميين. ومع ذلك بات محسوماً أن الملف السوري سيتصدر جدول أعمال القمة، التي يتوقع أن تصدّق على مقترحات المبعوث الأمم العربي كوفي أنان، فيما سيكون شبح الجمهورية الإسلامية يطوف في فضاء قاعة المؤتمرات حيث الحضور في غالبيته يأتي إلى العراق لاختبار المدى الذي بلغه نفوذ طهران في هذا البلد.



زيباري: سنبحث أزمة سوريا لا البحرين

أكد وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أمس أن الأزمة السورية «مطروحة على جدول القمة»، إلا أن «الوضع في البحرين ليس على جدول الأعمال». وأوضح أن «في سوريا الوضع مختلف، لأن الموضوع السوري أكثر إلحاحاً... وله تشعبات دولية وإقليمية، وهناك اختلافات كثيرة أخرى» مع البحرين. وأكد زيباري أن هذا الأمر لا يعني أن «ليس هناك قلق حيال الوضع، ليس في البحرين فقط، بل في ليبيا وتونس ومصر واليمن. ولهذا السبب ستجري بالتأكيد مناقشة الوضع بنحو عام». وقال إن الهدف من طرح الموضوع السوري هو البحث في «كيفية مساعدة الشعب السوري ومعالجة الأزمة المستفحلة، ولذلك نعرب عن كل تقديرنا للمعارضة السورية التي عليها أن تتوحد وتلملم أمورها ويكون لها موقف وراية واحدة». وتابع: «نحن لدينا اتصالات معهم ودعوناهم أكثر من مرة إلى العراق قبل هذا الموضوع، وبعد القمة هم أهلاً وسهلاً».
من جهة أخرى، قال الوزير العراقي إن بلاده «ترحب بمستوى تمثيل السعودية، ومهما كان هذا المستوى، فإنه يمثل المملكة السعودية بقياداتها ومكانتها ونفوذها، ولذلك نحن سعداء بالمشاركة». وستشارك السعودية على مستوى مندوبها في جامعة الدول العربية، فيما تأكد حضور رؤساء السودان والصومال وجزر القمر.
(أ ف ب)