تنتاب السلطات العراقية، على ما يبدو، مخاوف من حركة فجائية خلال جلسات القمة العربية اليوم تستهدف، لغاية في نفس يعقوب، إثارة الملف السوري بسقف مرتفع عن ذاك الذي جرى التوافق عليه في خلال اجتماع وزراء الخارجية، ما جعلها تلوّح بمعادلة المنامة مقابل دمشق، التي جددت التأكيد أنها غير معنية بأي شيء يصدر عن جامعة الدول العربية، ما دامت عضويتها فيها معلقة. وكان اجتماع وزراء الخارجية قد شهد خلافاً حول سوريا حسمه وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري على قاعدة أن العرب ما عادت لهم علاقة بهذا الملف الذي أصبح دولياً. وقالت مصادر مطلعة على كواليس جلسة وزراء الخارجية، الذين «فوجئوا بالموقف السوري»، إن دول الاعتدال العربي، تتقدمها السعودية وقطر، حاولت طرح أفكار لمبادرة عربية تتضمن آليات تستهدف تشديد الخناق على الرئيس بشار الأسد. وقالت: «بدا واضحاً أنهم كانوا يريدون قتل الناطور لا قطف العنب. حاولوا عرقلة النقاش حول سوريا، حتى كاد المراقب يتوقع أنهم سيطرحون موضوع تسليح المعارضة السورية». في المقابل، تضيف المصادر: «بدا واضحاً أن العراقيين يريدون القفز على الموضوع السوري المثير للخلاف. لذلك، تدخل زيباري متحدثاً بما معناه: لماذا علينا أن نبحث عن أفكار جديدة ما دامت هناك مبادرة تتقدم. أصلاً، السوريون أكدوا أنهم لا يهتمون بأي أفكار تصدر عن جامعة الدول العربية. لننتظر ونرى ماذا سينتج من اقتراحات (المبعوث الدولي كوفي) أنان، وفي النهاية نحن موجودون، لن نذهب لأي مكان». وعلى الأثر، خرج زيباري ليوضح في مؤتمر صحافي مشترك مع نائب الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي، أن القمة العربية التي تستضيفها العاصمة العراقية اليوم «لن تطالب الأسد بالتنحي»، وستكتفي بتبني خطة أنان، مشيراً إلى أن «موضوع سوريا لم يعد موضوعاً إقليمياً أو عربياً أو محلياً أو وطنياً أو قومياً. أصبح موضوعاً دولياً وخرج حتى من الحالة العربية إلى الحالة الدولية». وأضاف: «لكي نكون صادقين، حاولنا أن نحل الموضوع عربياً ولم نفلح وأصبح لا بد من العودة إلى مجلس الأمن لاتخاذ مواقف جديدة. نأمل أن تخرج سوريا من محنتها وأن تقرر مصيرها بنفسها. لقد خرج الملف السوري من الإطار العربي وأصبح بيد مجلس الأمن».
ورأى زيباري أن قبول سوريا بخطة أنان «خطوة مهمة جداً»، مشدداً على أن «هذه هي الفرصة الأخيرة لسوريا، ولا بد من تنفيذها على الأرض». كذلك أكد أن وزراء الخارجية العرب لم يناقشوا مسألة تسليح المعارضة السورية بقوله: «لم نطرح إطلاقاً هذا الموضوع».
وكانت الحكومة العراقية قد استبقت انعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب بالتأكيد على لسان المتحدث باسمها علي الدباغ، أن بغداد «ستقدم أفكاراً لإيجاد آليات مهمة وفاعلة لتطبيق المبادرة العربية (حول سوريا) التي هي ليست جامدة ويمكن تطويرها». وأضاف: «أولاً، يجب إيقاف العنف من كل الأطراف وتشكيل حكومة انتقالية يرتضيها كل الأطراف وأن تنتقل السلطات إلى من يُعتقد من المعارضة ومن الحكم في سوريا أنه يستطيع الحوار ويستطيع أن يدير حواراً ناضجاً»، متابعاً شرح وجهة نظر الحكومة العراقية بالقول: «نتحدث عن صلاحيات التفاوض من أجل الانتخابات وإطلاق الحريات السياسية والإعلامية والحزبية، كلها هذه تحتاج إلى عمل، تحتاج إلى جهود».
وكان المتحدث باسم الخارجية السورية، جهاد مقدسي، قد شدد في بيان صحافي في وقت سابق أمس، على أن سوريا «منذ تعليق عضويتها في الجامعة العربية تنطلق بعلاقاتها مع الدول العربية بشكل ثنائي فقط، وبالتالي فإننا لن نتعامل مع أي مبادرة تصدر عن جامعة الدول العربية على أي مستوى كان».
وأكد مصدر رسمي سوري أن «القمم العربية كلها، منذ قمة الخرطوم إلى اليوم، لا طعم لها ولا رائحة. لكن مجرد انعقاد هذه القمة في العراق فأمر له خصوصية». وأضاف أن «سوريا تتفهم موقف العراق خلال الأسابيع الماضية. تعرضت بغداد لضغوط ضخمة واضطرت، من أجل ضمان انعقاد القمة، لمراعاة الخليجيين بعض الشيء. كل شيء يهون من أجل إخراج قطر من رئاسة الجامعة. لكن اللون العراقي الحقيقي سيظهر بعد القمة. كلها ساعات ثلاث غداً (الخميس) وسيتكشف كل شيء. في النهاية، العراق هو الشقيق الأكبر لسوريا، الشقيق الأكثر تفهماً، لأنهم يشبهوننا». وأشار المصدر إلى أن دمشق تتعامل مع أنان بصفته مبعوثاً دولياً، لا موفداً من الجامعة العربية، وإن كانت صفته الرسمية تشمل الاثنين.
وعلى هامش لقاء الوزراء العرب، كان لافتاً لقاء المالكي بوزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، الذي أكد في خلاله رئيس الوزراء أن «العراق لديه ثقة كبيرة بقدرة الأشقاء في البحرين على حل المشاكل داخل البيت البحريني».
ويقول معنيون إن المالكي تعهد عدم إثارة ملف البحرين خلال القمة استجابة لشرط وضعته دول مجلس التعاون الخليجي للمشاركة في القمة.
مصادر اطلعت على كواليس لقاء المالكي ـــ آل خليفة، أكدت أنه كان اجتماعاً بروتوكولياً، لكنها أكدت أن رئيس الحكومة نوري المالكي قرر إثارة موضوع البحرين في القمة إذا سعى أي من الرؤساء الضيوف إلى إثارة الموضوع السوري بما يتجاوز السقف الذي اتفق عليه الوزراء العرب.
ويفترض أن تتضمن جلسة القمة اليوم، قراءة تقرير الأمين العام للجامعة العربية حول نشاطات الأمانة العامة للأعوام المقبلة وما أنجزته في المرحلة الماضية والقضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي، إضافة إلى القضية اليمنية والوضع في الصومال، وسبل جعل المنطقة العربية خالية من أسلحة الدمار الشامل وجهود مكافحة الإرهاب الدولي ومناقشة مشروع النظام الأساسي للبرلمان العربي. كذلك تطالب مشاريع القرارات المقدمة للقمة الولايات المتحدة «بعدم استخدام حق النقض في مجلس الأمن ضد القرار العربي لمطالبة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالاعتراف وبقبول انضمام دولة فلسطين إلى الأسرة الدولية».
وتتوقع سلطات بغداد أن يشارك في القمة، إلى الأمين العام للأمم المتحدة، 10 قادة وصل منهم إلى بغداد كل من الرؤساء التونسي المنصف المرزوقي والسوداني عمر البشير وجزر القمر اكليل ظنين ورئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل، على أن يلتحق بهم اليوم أمير الكويت ورؤساء لبنان وفلسطين واليمن.
إلى ذلك، أعلن مندوب مصر الدائم لدى جامعة الدول العربية السفير عفيفي عبد الوهاب، أن قطر ستستضيف القمة العربية عام 2013 بدل سلطنة عمان التي تنازلت للدوحة عن هذا الحق، علماً بأن قطر سبق وأن استضافت القمة العربية عام 2009.
أخيراً، لا بد من الإشارة إلى وضع مزرٍ يعيشه الصحافيون الموفدون إلى بغداد لتغطية أعمال القمة، حيث عزلوا في المركز الصحافي، وقطعت عنهم كل الإمدادات التي تساعدهم في أداء مهماتهم، تحت عنوان أنها تبث موجات كهرومغناطيسية تؤثر على الوضع الأمني للقمة.
(الأخبار)