مع دخول وقف إطلاق النار في الأراضي السوريّة حيّز التنفيذ، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أمس، من جنيف، أن الجنرال النروجي روبرت مود سيكون في سوريا اليوم للإعداد لوصول المراقبين الدوليين الذين أعرب عن الأمل بنشرهم في الأراضي السورية «بأسرع وقت ممكن»، في وقت أكد فيه حلف شمالي الأطلسي أمس أنه «يأخذ على محمل الجد» مسألة حماية الدول الأعضاء فيه، بعد أن قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن تركيا يمكن أن تستند إلى المادة الخامسة من معاهدة الحلف لحماية حدودها مع سوريا. وصرّحت المتحدثة باسم الحلف، كارمن روميرو، بأن الحلف الأطلسي «قلق جداً للأحداث في سوريا، خصوصاً الحوادث الأخيرة على الحدود مع حليفنا التركي».
وقف إطلاق النار في سوريا لم يخل أمس من خروقات أعلنتها السلطات والمعارضة على حدّ سواء. وتحدثت مسؤولة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني السوري المعارض بسمة قضماني من جنيف عن معلومات بشأن مقتل ثلاثة مدنيين في سوريا بعد بدء تطبيق وقف النار، وعشرات الاعتقالات في حلب وحمص ودرعا. وقالت «نلاحظ بالأدلة أن الأسلحة الثقيلة ما زالت في المناطق السكنية، وبعضها جرت إعادة تموضعه» فقط، مشيرة إلى ظهور عدد كبير من نقاط المراقبة الإضافية «المدجّجة بالأسلحة».
وكان رئيس المجلس الوطني برهان غليون قد قال «يجب أن ننتظر لنرى، اليوم لم ينته بعد»، مضيفاً «نحن غير واثقين بتاتاً بالنظام». ودعا السوريين إلى التظاهر، مشيراً إلى أن «الحق بالتظاهر السلمي نقطة أساسية من نقاط خطة أنان». وأضاف «لا قيمة لخطة أنان إذا لم تنقل البلاد إلى حكومة ديموقراطية تعددية، وبداية هذه العملية الانتقالية الحرية وإطلاق حق الشعب في التظاهر والتعبير عن نفسه وحرية الصحافة».
إلا أن وزارة الداخلية السورية أعلنت أن أي تظاهرة يجب أن تحصل على «ترخيص من الجهات المختصة»، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء السورية (سانا) الرسمية. ونقلت الوكالة عن وزارة الداخلية «تأكيدها أن التظاهر السلمي حق كفله القانون». ودعت الوزارة «المواطنين إلى التقيد بالقانون الناظم له وعدم التظاهر إلا بعد الحصول على ترخيص من الجهات المختصة وفقاً لقانون التظاهر السلمي وحرصاً على ضمانة المواطنين وسلامتهم وممارسة هذا الحق بطريقة حضارية».
من جهتها، أعلنت القيادة المشتركة للجيش السوري الحر في الداخل، أمس، التزامها الكامل بوقف إطلاق النار، مطالبة بإرسال مراقبين دوليين إلى سوريا لمراقبة وقف إطلاق النار. وقال المتحدث باسم القيادة المشتركة العقيد الركن قاسم سعد الدين «نحن ملتزمون بوقف إطلاق النار مئة في المئة، ولن نرد على استفزازات النظام».
من جهته، أفاد المرصد السوري لحقوق الانسان عن مقتل مدني بنيران «قوات الأمن النظامية أو عناصر الشبيحة» على طريق محردة في ريف حماة.
وظهر جنود سوريون في لقطات فيديو قصيرة صوّرت خلسة من أدوار عليا في مبان مهدمة أو عبر فتحات أحدثتها الدبابات في الجدران وبدوا في حالة استرخاء كأنهم يستمتعون بالهدنة.
في المقابل، أعلن التلفزيون الرسمي السوري أن ضابطاً في الجيش السوري قتل وأصيب 24 شخصاً آخرين، بينهم ضباط وجنود ومدنيون، في تفجير عبوة ناسفة نفذته «مجموعة إرهابية مسلحة» في حلب في شمال البلاد. وقال التلفزيون إن «المجموعات الإرهابية المسلحة تصعد عملياتها الإجرامية في محاولة لضرب استقرار سوريا ونسف خطة» أنان.
رغم ذلك، بدا واضحاً أن أعمال العنف انحسرت بنحو واسع منذ بدء وقف إطلاق النار الساعة السادسة صباحاً، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الانسان وناشطون. لكنّ المرصد أشار إلى أن «القوات السورية النظامية وآلياتها لم تنسحب من المدن».
وأعرب الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، عن سروره لـ«التطورات الإيجابية»، مع أمله أن تكون هذه المستجدات «مؤشراً نحو حل سياسي للأزمة السورية».
في المقابل، قال رئيس الحكومة التركية رجب طيّب أردوغان، إنه لا يعتقد أن سوريا تطبّق خطة أنان. كلام انتقدته المعارضة التركية ممثلةً بزعيم حزب «الشعب الجمهوري» المعارض كمال كيليتش دار أوغلو، الذي هاجم محاولة «افتعال تركيا حرباً» في سوريا.
وأعلن وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو أن من المبكر جداً الحكم على الهدنة في سوريا. ونقلت وكالة الأناضول عن داوود أوغلو قوله للمراسلين في العاصمة التركية، أنقرة، «تلقينا تقارير عن بعض مستوى من الانسحاب، ويبدو أن هناك تراجعاً في العنف، ولكن من المبكر القفز إلى أي خلاصة».
أما وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، فشددت على أن وقف إطلاق النار في سوريا «خطوة مهمة» إذا نُفِّذ. وأوضحت كلينتون أنه «إذا جرى التقيد به، فإن وقف إطلاق النار هو خطوة مهمة، إلا أنه ليس سوى عنصر واحد في الخطة»، معربةً عن دعم بلادها «إرسال فريق مبكر إلى سوريا على الفور قبل إرسال الأمم المتحدة المحتمل لبعثة مراقبين».
وكان البيت الأبيض قد نقل عن الرئيسين باراك أوباما والفرنسي نيكولا ساركوزي اتفاقهما على أنّ الحكومة السورية «لم تنفِّذ بشكل تام خطة أنان»، وأن «المجتمع الدولي سيحكم على النظام من خلال أفعاله لا أقواله». وأوضح المتحدث الأميركي جاي كارني أن القوات السورية «تنفذ الآن وقفاً أولياً، وليس كاملاً لإطلاق النار».
ودعت وزارة الداخلية السورية أمس السوريين «الذين اضطروا رغماً عن إرادتهم إلى مغادرة بيوتهم، سواء داخل القطر أو إلى دول مجاورة إلى العودة إليها وعدم الالتفات إلى الدعايات والأخبار المضللة». ودعت وزارة الداخلية، بحسب ما أورد التلفزيون الرسمي السوري، «المسلحين الذين لم تتلطّخ أيديهم بالدماء إلى تسليم أنفسهم وأسلحتهم إلى أقرب مركز شرطة»، مشيرة إلى انه «سيتم الإفراج عنهم ووقف التبعات القانونية بحقهم».
(سانا، رويترز، أ ف ب، يو بي آي)