القاهرة | رغم انطلاق سباق الرئاسة المصرية فعلياً اليوم، ببدء تصويت المصريين في الخارج لخليفة المخلوع حسني مبارك، إلا أن شرعية الانتخابات الرئاسية في مصر أصبحت على المحك، وإمكانية تأجيلها أصبحت واجبة قانوناً في نظر البعض. فبموجب أحكام القضاء المتلاحقة، يجب وقف الانتخابات الرئاسية لحين قيام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإصدار قرار جديد بدعوة الناخبين إلى انتخاب رئيس الجمهورية، وتطبيق قانون العزل السياسي على المرشح الرئاسي أحمد شفيق وشطب اسمه من قائمة المرشحين للرئاسة. إلا أن المجلس العسكري واللجنة العليا للانتخابات الرئاسية ضربا بأحكام القضاء عرض الحائط.
فرفضت اللجنة تنفيذ حكم القضاء بسريان قانون العزل السياسي وتمسكت بإدراج شفيق ضمن كشوف المرشحين. ورفضت أيضاً الامتثال لحكم القضاء الصادر مساء أول من أمس بوقف الانتخابات الرئاسية. وتضامنت مع المجلس العسكري في الطعن بالحكمين أمام المحكمة الأعلى درجة، مبررةً بأن المادة 28 من الإعلان الدستور التي جرى الاستفتاء عليها في 19 آذار من العام الماضي تحصّن قرارات اللجنة من رقابة القضاء. وحاججت بأن قانون الانتخابات أناط بلجنة الانتخابات الرئاسية سلطة اتخاذ كل القرارات المتعلقة بانتخابات الرئاسة، بدءاً من الدعوة إليها وتحديد مواعيدها. ورغم أن المحكمة الإدارية العليا استجابت لطلب كل من اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية والمجلس العسكري، وحددت جلسة غداً السبت لحسم أمر تأجيل الانتخابات ومسألة إقصاء شفيق عنها من عدمها، إلا أن الأمر بالنسبة إلى اللجنة الرئاسية لا يخرج عن كونه تحصيل حاصل. فاللجنة على يقين بأن الانتخابات لن تؤجل مهما أصدرت المحاكم على اختلاف درجاتها أحكاماً ببطلان إجراءاتها وعدم قانونيتها. وهو ما عبرت عنه اللجنة بقرارها الذي أعلنت عنه أول من أمس برفض إبعاد شفيق عن السباق الرئاسي، رغم أن حكم سريان العزل واجب النفاذ إلى حين صدور حكم بوقفه.
أحكام القضاء وتداعياتها أربكت جميع الحسابات السياسية والقانونية. وانقسمت الآراء بين التأكيد على قانونية الأحكام وبين التشكيك في كونها إحدى حلقات تعمد المجلس العسكري تأجيل تسليم سلطاته لرئيس منتخب مدني. ووفقاً للنائب عصام سلطان، فإن حكم وقف الانتخابات الرئاسية هو أمر قانوني لأن قرار دعوة الناخبين يجب أن يصدر عن رئيس الجمهورية أو من يمثله «المجلس العسكري» وليس من لجنة الانتخابات. وتوقع سلطان لـ«الأخبار» أن يقوم المجلس العسكري بإصدار قرار جديد بدعوة الناخبين لانتخاب رئيس الجمهورية تنفيذاً للحكم، مع تجاهل أي حكم يقضي بإبعاد شفيق عن سباق الرئاسة. وأضاف «من الواضح أن شفيق هو مرشح المجلس العسكري الذي لا يثق إلا برجل عسكري لحكم مصر». من جهتها، أصدرت الجبهة الحرة للتغيير السلمي، بياناً، اعتبرت فيه أن حكم وقف الانتخابات يرمي الكرة في ملعب المجلس العسكري الذي سيكون مسؤولاً عن تأجيل الانتخابات في حال حدوثه. أما الحزب المصري الشيوعي فقد حذّر من دخول البلاد في فوضى عارمة وعنف في حال تأجيل الانتخابات.
في غضون ذلك، تباينت آراء خبراء القانون الدستوري تجاه الحكم بتأجيل الانتخابات. وشككت نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشارة تهاني الجبالي، في أحكام القضاء الإداري، لافتةً إلى عدم أحقية القضاء الإداري في إيقاف الانتخابات الرئاسية والتطرق لسريان قانون العزل السياسي من عدمه، لأن الأمر معروض على الدستورية العليا. أما نائب رئيس مجلس الدولة، المستشار أحمد وجدي، فأكد على قانونية الحكم، بالرغم من أنه «ليس له أثر واقعي، إذ إنه لا يلزم المجلس العسكري ولا اللجنة العليا للانتخابات بوقف الانتخابات، وإنما يوجههم إلى ضرورة تطبيق نص القانون وإصدار المجلس العسكري لقرار بدعوة الناخبين لانتخاب رئيس الجمهورية». ولفت وجدي إلى أن قرار دعوة الناخبين حسب القواعد المتعارف عليها دستورياً هو قرار سيادي لا يصدره إلا رئيس الجمهورية ومن يحل محله، شأنه شأن قرار إعلان الحرب.
مرشحو الرئاسة اختلفوا أيضاً حول تداعيات الحكم. فعبر المرشح اليساري خالد علي عن احترامه لحكم وقف الانتخابات وضرورة أن تتخذ الإجراءات القانونية مجراها، في الوقت الذي أكد فيه مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي، أن قرار وقف انتخابات الرئاسة قرار مبدئي. وتوقع أن تقوم بإلغائه المحكمة الأعلى، مشدداً على أن فرصه في الفوز بالرئاسة تتزايد وأنه لا يريد تأجيل الانتخابات الرئاسية.
أما المرشح أبو العز الحريري، فأكد على صحة حكم القضاء بوقف الانتخابات الرئاسية وطالب بضرورة إصدار المجلس العسكري قراراً جديداً يتضمن إقامة لجنة قضائية جديدة لا تعمل وفق المادة 28 من الإعلان الدستوري. من جهته، رجح المرشح حمدين صباحي، المحسوب على التيار الثوري، إلغاء الحكم في المحكمة الإدارية العليا، في حين اكتفى المرشح المحسوب على النظام السابق عمرو موسى بالصمت.
من جهته، استقبل المرشح عبد المنعم أبو الفتوح، الأوفر حظاً في سباق الرئاسة في مواجهة موسى، الحكم خلال مؤتمر جماهيري له بالتهديد «بالويل والثبور وعظائم الأمور في حال إيقاف الانتخابات عن طريق المجلس العسكري أو لجنة الانتخابات».
ويعزز الانقسام حول مدى قانونية الأحكام المخاوف من عرقلة مسيرة انتقال السلطة إلى رئيس منتخب مدني وإنهاء حالة التخبط السياسي والقانوني والدستوري التي تعيشها مصر في ظل حكم جنرالات العسكر الذين تقتصر خبرتهم على فض التظاهرات بالقوة.