نيويورك | اعتبرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا، التي شكلها مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، في تقرير امس ان اعمال العنف الطائفية تتزايد في هذا البلد، مؤكدة حصول انتهاكات فاضحة لحقوق الانسان فيه. وقالت اللجنة، في تقريرها الذي سلمته الى مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة في جنيف، إنها تعتقد بأن عدداً كبيراً من ضحايا مجزرة الحولة التي وقعت في ايار قتلوا بايدي القوات الموالية للنظام.
وتوصلت اللجنة في الفقرة 48 من التقرير إلى أن الفاعلين قد يكونون واحداً من ثلاثة: إما من الشبيحة وميليشيات محلية مقربة منها موالية، أو من المعارضة المسلحة في مسعى منها لتصعيد النزاع لجأت لمعاقبة السكان الذين رفضوا التعاون معها، أو الذين عارضوا التمرد بشكل فعال على الحكومة. وفي الاحتمال الثالث قالت إنه يمكن أن يكون الفاعلون من مجموعات أجنبية ذات ولاءات غير معروفة. واستناداً إلى الأدلة المتاحة، فإن اللجنة لا تستبعد أياً من هذه الاحتمالات.
وقال الخبراء، الذين يغطي تقريرهم الفترة الممتدة من شباط الى حزيران، «في وقت كان يجري فيه استهداف الضحايا سابقا على اساس انهم موالون او معارضون للحكومة، سجلت لجنة التحقيق عدداً متزايداً من الحوادث التي استهدف فيها الضحايا كما يبدو بسبب انتمائهم الديني». كذلك تضمن التقرير شرحاً لما جرى من تحريات في مجزرة الحولا التي وقعت في 25 أيار الماضي وراح ضحيتها العشرات من آل عبد الرزاق وآل السيد.
وكان مجلس حقوق الإنسان قد طلب في مطلع حزيران الجاري إجراء تحقيق عاجل في أحداث بلدة الحولة. وحسب التقرير، الذي قرأه أمس رئيس اللجنة باولو بينيرو، فإن اللجنة أجرت مقابلات مع 383 شخصاً، بينهم 50 امرأة و11 طفلاً. وقالت اللجنة إنها تقبلت إفادات من كافة الأطياف، بما في ذلك الحكومية والمعارضة. وجمعت مواد تشمل صوراً وأشرطة فيديو وصوراً بالأقمار الصناعية ومقابلات. ووضعت اللجنة قائمة بأسماء المرتكبين للمجزرة تنوي تسليمها للمفوضة السامية لحقوق الإنسان في نهاية ولاية لجنة التحقيق.
وإذ شكرت اللجنة السلطات السورية على السماح لها بزيارة دمشق في الفترة بين 23 و25 حزيران، حيث تسنى للجنة شرح عملها والأساليب التي تمكنها من أن تتكلل بالنجاح، وبعد لقاء كبار المسؤولين السوريين والشخصيات التي أجرت التحقيقات الحكومية، وأفراد من فريق المراقبة من بعثة «اليونسميس»، ومع عشرين من العائلات الدمشقية والحمصية ممن فقدوا أقارب قتلوا بسبب ولائهم للسلطة، قال رئيس المحققين إن الزيارة مكنته من مناقشة التحقيق في مجزرة الحولة مع السلطات، وانتهى بتكوين فهم لكيفية نشر اللجنة بشكل فعال في سوريا من أجل إجراء تحقيقها.
وأشار التقرير أيضاً إلى تقويض فرص الحل السياسي وتصاعد العنف وتعثر خطط السلام من بعثة المراقبين العرب إلى بعثة كوفي أنان وخطته السداسية. ونبه إلى أن الصراع بدأ يأخذ منحى طائفياً، بعدما كان في البداية بين معارض للحكومة ومؤيد لها. ورأى التقرير أن العوائق التي تواجهها «اليونسميس» تعكس غياب القواسم المشتركة بين أطراف النزاع، الأمر الذي جعل الخلافات بين الدول المعنية تتعاظم بشكل كبير.
وشرح التقرير الوضع الميداني بالتأكيد على أن النزاع اتخذ في الآونة الأخيرة منحى تصعيديا خطيرا غابت معه حدود السلاح المستخدم. وإذ تحدث عن القصف المدفعي والصاروخي والطائرات المروحية والدبابات من جانب الحكومة، قال إن عدد المنشقين عن القوات المسلحة تزايد، وفقدت الحكومة السيطرة على عدد من نقاط الحدود بحيث أصبح المسلحون واللاجئون يتنقلون بحرّية شبه تامة، ما جعل الأوضاع على الأرض تتدهور بسرعة.
وفي جانب المعارضة المسلحة، قال التقرير ان «هناك إلى جانب الجيش السوري الحرّ، مجموعات مسلحة أخرى تستخدم في صراعها مع القوات الرسمية عبوات ناسفة وتشتبك معها في معارك مباشرة، وتشن هجمات على مراكز عسكرية، الأمر الذي جعل أحياء بكاملها في حمص مثلا تتحول إلى ساحة قتال حقيقية». ومع أن رئيس اللجنة لم يلاحظ استخدام المعارضة المسلحة أسلحة متطورة غير عادية، فإنه قال إن «عملياتهم وكفاءاتهم تشهد تحسناً وتنظيماً».
وتحدث التقرير عن تنظيمات مسلحة ظهرت مثل «أحرار الشام» و«الألوية الإسلامية»، اللتين لم تعلنا ولاءهما للجيش السوري الحر. ورغم أن هاتين المجموعتين تزعمان أن غايتهما حماية المدنيين، فإن نشاطاتهما شملت، حسب توثيق اللجنة، تورطهما في نشاطات إجرامية انتهازية «شملت عمليات خطف طلباً للفدية».
ونقلت اللجنة في الفقرة 45 من التقرير، عن مصادر كتمتها، أن مرتكبي مجزرة الحولة جاؤوا من طريق جنوبي يقع في نواحي السدّ ويوصل إلى قرى فلّة المجاورة. وجاء في إفادة، أن اثنين من الفانات البيضاء وصلت ورحلت ناقلة من ذلك الاتجاه. ونظراً لخلو الطريق من نقاط التفتيش، زعم التقرير أنه دليل على «تواطؤ» حكومي. وفي الروايات الأخرى، هنالك وصف للفاعلين بأنهم يعملون إلى جانب قوات الجيش ويأتون من اتجاه نقاط التفتيش من المستشفى الوطني أو من شركة المياه في الجانب الجنوبي الشرقي من البلدة. لكن لدخول شارع سعد من ذلك الطريق كان لا بد للفاعلين من أن يمروا من الحولة نفسها بما في ذلك المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة للحكومة، أو بالمرور عبر القرى العلوية في الجانب الآخر من السدّ والعودة من نفس الطريق. وربما جاؤوا أيضاً سيراً على الأقدام بعبور النهر. ونفى التقرير أن يكون فريق التحقيق تمكن من بلوغ موقع الجريمة في الحولة بسبب منعه من الوصول، ما قوض فرص إجراء تحقيق كامل. واقتصر جمع الإفادات على الاتصالات الهاتفية وبواسطة نظام سكايب أو وجاهياً بناء على إفادات فارين من موقع المذبحة إلى الخارج. وجمعت اللجنة معلومات حكومية وغير حكومية، وراجعت صوراً بالأقمار الصناعية التُقطت قبل الحادث وبعده، فضلاً عن وثائق مصورة أخرى وإفادات.
وخلصت لجنة التحقيق الى أن الأسلوب الذي حدثت فيه هذه الجرائم يشبه أسلوب تلك التي وثقت في السابق والتي وثقت في التقرير الحالي، والتي ارتكبتها القوات الحكومية. فالبلدة بمجملها تميل إلى المعارضة أكثر منها للحكومة. ووجدت اللجنة أن الضحايا نقلوا إلى أماكن المعارضة التي وصلت أولاً إلى موقع الجريمة ونقلت الجرحى إلى مناطقها للمعالجة والقتلى لدفنهم. وكان رجال المعارضة حاضرين بأعداد غفيرة في التشييع. أما من فروا من المنطقة فقد لجأوا إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة، حسب الشهادات. وفي أحد أشرطة الفيديو كان طفل قتيل يلبس سواراً يحمل علم الاستقلال السوري. واستغربت اللجنة كيف أن القوات الحكومية المعززة استطاعت بلوغ موقع جريمة آل عبدالرزاق، وهو الأصعب بين المكانين، لكنها لم تستطع بلوغ موقع جريمة آل السيد الأسهل. وعليه استبعدت تورط قوات المعارضة بالجريمة.
وبالنسبة إلى تورط طرف ثالث أجنبي، قالت اللجنة إنها تلقت معلومات بأن قوات من مناطق أخرى وصلت إلى قوات المعارضة في ذلك اليوم ولم يعرف شيء عن انتماءاتها. وجاء في الإفادات عن أوصاف المرتكبين أنهم كانوا حليقي الرؤوس طويلي اللحى. وصفٌ رأت اللجنة أنه ينسحب على كل من المجموعات الأجنبية وعلى الشبيحة. لكن اللجنة لم تتمكن من التثبت من صحة هذه المزاعم. ولم تتمكن اللجنة أيضا من تحديد هوية الفاعلين بشكل نهائي، مع أنها قالت إن لديها أسماء ستكشفها في النهاية. لكنها ستبقى تراجع المعلومات حتى نهاية مهمتها.