تونس | عززت زلة لسان رئيس الحكومة، الأمين العام لحركة النهضة حمادي الجبالي، من مخاوف التونسيين من عودة ديكتاتورية الحزب الواحد التي عانوها طوال ستين عاماً، وذلك حين أخطأ التعبير بقوله: «إن ديكتاتوريتنا الناشئة» عوضاً عمّا قصده «ديموقراطيتنا» الناشئة. كلام رئيس الحكومة التونسية جاء خلال افتتاح مؤتمر حركة النهضة التاسع، الذي كان نجمه القيادي في حركة حماس خالد مشعل. ولوحظ خلال بدء مشعل بكلمته مغادرة السفراء الأوروبيين للمؤتمر الذي سيختتم أعماله مساء اليوم في قصر المعارض في العاصمة التونسية.
وفي قصر المعارض، الذي احتضن مؤتمرات الحزب الحاكم سابقاً، استعرضت حركة النهضة المتزعمة للائتلاف الحكومي في تونس، قوتها العددية وتماسكها التنظيمي وانضباط قواعدها، إذ حضر الآلاف من الأعضاء، وخُصّصت حافلات الشركات الجهوية للنقل، المملوكة من الدولة، لنقل المؤتمرين والأنصار والضيوف، وهو ما أدانته غالبية صفحات الشبكة الاجتماعية التي رأت في مؤتمر النهضة امتداداً لمؤتمرات الحزب الحاكم، وأن اللون الأزرق فقط هو ما تغير. لكن وزير النقل، القيادي في الحركة، عبد الكريم الهاروني، دافع عن شفافية تعامل الحركة مع الدولة، وقال في تصريح صحافي إن حركته استأجرت هذه الحافلات من الدولة مثل أي شركة أو منظمة، وليس في هذا ما يتناقض مع القانون.
وبعيداً عن الجوانب الاحتفالية، حمل المؤتمر مجموعة من الرسائل عنوانها الأبرز البقاء في الحكم لفترة طويلة وربح معركة الانتخابات المقبلة، وبدا خلال افتتاح المؤتمر أن الرجل القوي في «النهضة» الآن هو الجبالي، وليس رئيسها راشد الغنوشي، الذي يبدو أنه سيبقى رئيساً للحركة لدورة أخرى، حسبما أكد بعض وزراء الحركة الإسلامية وقيادييها، وذلك بعد انتخاب مجلس الشورى (أعلى سلطة في الحركة) الذي سيضم 150 عضواً.
ثمة أكثر من مؤشر يدلّ على أن «النهضة» كحزب مهيمن على الائتلاف الحاكم تسير في نفس الاتجاه وعلى نفس خطى الحزب السابق الذي استأثر بكل إمكانات الدولة وصفّى معارضيه وهيمن على الإدارة. فقد دعا الجبالي بوضوح كوادر الحركة إلى الاستعداد ليكونوا قادرين على تحمل أعباء الدولة والإدارة، وأشار في مداخلته التي دامت نصف ساعة، الى أن الهدف الأساسي الآن للحركة هو معركة الانتخابات ومعركة النخبة، إذ تسعى الحركة الى إقناع النخبة التونسية بمشروعها حتى تكون حزب الدولة، وهذا لن يحصل ما لم تربح النهضة معركة الانتخابات المقبلة بغالبية مريحة حسب تعبيره.
حركة النهضة حرصت أيضاً في مؤتمرها على دعوة عدد كبير من الأحزاب العربية والأوروبية لتثبت أنها حزب قادر على الحكم، وإقناع شركاء تونس الغربيين بقدرتها على الإمساك بزمام الدولة والحفاظ على مدنيتها، وهو ما يعزز حظوظها في الدعم الدولي.
ولعل من معارك الكواليس، التي تتكتم عليها النهضة، الخلاف بين جناحين فيها: المؤمنون بأن الحركة يجب أن تكون حركة مدنية سياسية، والمؤمنون بأن الحركة يجب ألّا تتخلى عن طبيعتها الدعوية. حسم هذا الخلاف سيحدد مستقبلها وحضورها في المشهد التونسي، بل العربي.
ومن الملاحظات اللافتة في المؤتمر التاسع، غياب غالبية الأحزاب التونسية عن حضور الافتتاح، بمن فيها التي وجهت إليها دعوة للحضور. وكان خطاب أحد قادة «النهضة» التاريخيين، عبد الفتاح مورو، إشارة واضحة إلى التغييرات الجوهرية التي طرأت على الحركة، حين قال: «إنني لا أكاد أعرف الحركة التي أسستها»، داعياً المؤتمرين الذين كانوا يرفعون شعارات من أجل إقصاء الدستوريين وتحرير فلسطين، إلى عدم الغرور بالسلطة لأنها مهلكة.
وناقشت حركة النهضة، في جلسة مغلقة استراتيجيتها السياسية المستقبلية وخاصة تحالفاتها في اليوم الثاني للمؤتمر.
وينتظر ان يصادق الف مندوب يوم غد الأحد، على لوائح تحدد الاستراتيجية الانتخابية للحزب وموقعه السياسي والاجتماعي.
ولم يتم اطلاع الصحافة على مشاريع النصوص التي يفترض ان توافق بين المعتدلين والجناح المتشدد في الحركة الاسلامية.