تونس | اعادت حركة النهضة انتخاب راشد الغنوشي رئيساً لسنتين قادمتين في نهاية أعمال مؤتمرها أول من أمس بعد تمديده لاسباب خلافية بين تياراته. الغنوشي استطاع الفوز على منافسيه، وبينهم وجوه تاريخية مثل الشيخ مورو والحبيب اللوز، بفارق كبير من الأصوات وصل الى اكثر من ستين بالمائة. المؤتمر شهد جدلاً حول انتخاب الرئيس وانقسم المؤتمرون بين من يريد أن ينتخب رئيس الحركة مباشرةً وبين من دعوا إلى اختياره من مجلس الشورى. ورغم أن المؤتمر لم تكن فيه مفاجآت كبيرة الا أن اغلب المتابعين والمحللين رأوا أن الحركة نجحت في تأجيل خلافاتها حول الفصل بين الجانب الدعوي الذي تمثله الحركة والجانب السياسي المدني الذي يمثله، إلى مؤتمر الحركة القادم سنة ٢٠١٤، لكن الثابت أيضاً أن الحركة لا تريد الآن فتح الملفات الخلافية الى ما بعد الانتخابات التي ستحدد مصيرها في الحكم.
وعلى عكس البرنامج المعلن، أضاف المؤتمرون ثلاث لوائح جديدة وهي متعلقة بالثقافة والاقتصاد والهجرة ليكون بذلك عدد اللوائح التي ناقشها المؤتمر سبع لوائح. وقد اجمع المؤتمرون على اختيار النظام البرلماني نظاماً سياسياً ستدفع عنه كتلة النهضة في المجلس التأسيسي.
وينتظر ألا تحمل انتخابات المكتب السياسي للحركة أية مفاجآت خاصة بعد اعادة انتخاب الغنوشي رئيساً، اضافة إلى رئاسته مجلس الشورى.
من جهة أخرى، مثّلت أزمة الماء التي اندلعت في اكثر من مدينة تونسية مع تنامي الحرائق في الغابات، تحدياً آخر للحكومة التي تسيطر عليها الحركة، في وقت ظهرت فيه تصريحات تؤكد اجراء تعديل حكومي قريب بهدف تمتينها.
وأكد زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي أن الحكومة تستعد لتعديل وزاري قادم بعد انتهاء مؤتمر الحركة الأخير، بعد تداوله في الشارع السياسي التونسي على شكل شائعات متضاربة حول توقيت التعديل وفحواه والوزارات التي سيشملها.. بدوره ،كشف رئيس المؤتمر، وزير الصحة عبد اللطيف المكي، أن الحركة ستسعى إلى توسيع دائرة تحالفاتها مع الاحزاب الوسطية من اجل تجاوز الاستقطاب الثنائي.
الاخبار التي تسربت من كواليس المؤتمر، الذي احيط بسرية تامة، إلى جانب التصريحات المعلنة لقادة الحركة، أكدت أن اغلبية المؤتمرين (١١٠٣ مؤتمرين) رأوا أن الحكومة فشلت إلى حد الآن في إقناع الشعب بأدائها، ما خلق حالة من العزلة للحركة في الشارع التونسي، وخاصة بعد الانشقاقات التي هزت حليفيها «المؤتمر من أجل الجمهورية»، الذي انشقت مجموعة كبيرة من قياداته وأسست «حركة وفاء»، و«التكتل من اجل العمل والحريات»، الذي انشق جناح من أعضائه بقيادة المناضل الحقوقي خميس قسيلة، وأسسوا «حركة تونس». المؤتمرون شددوا على ضرورة ضخ دماء جديدة من جهة وتوسيع دائرة التحالفات الحكومية من جهة أخرى.
وتداولت الشبكات الاجتماعية أخباراً عن مقترحات قدمتها النهضة لأحزاب «العمال» و«الجمهوري» و«نداء تونس» للانضمام إلى الحكومة. غير أن آخر المعلومات التي توصلت إليها «الأخبار» تشير إلى عكس ذلك. فقد أكد عضو في المكتب السياسي للحزب الجمهوري أن الحزب لم يصله أي اقتراح رسمي الى حد يوم أمس. وأضاف أنه حتى لو توصل الحزب إلى مقترح من هذا النوع، فإنه لن يتجاوب معه، «لأن دخول الحكومة أمر غير وارد بالنسبة لنا». من جهته، أكد عضو في الهيئة الوطنية لحزب «نداء تونس» أن القيادة لم يصلها أي اقتراح حكومي، وأنها تعتبر نفسها غير معنية بذلك، «لأننا نرفض أن نكون ديكوراً لتغطية فشل الحكومة وتبرير سياساتها». أما حزب العمال ذو التوجه اليساري الراديكالي، فقد نفت القيادية راضية النصراوي، أي نية له في الانضمام إلى الحكومة، وذلك «بالنظر إلى الاختلاف الجذري بين مشروعي النهضة والعمال».
حيال هذه التحفظات، يثار السؤال: بمن ستستنجد حكومة الترويكا للتخفيف من الاحتقان الشعبي؟ ويبدو أن النهضة تتجه للاستعانة ببعض الاحزاب الصغيرة التي ليس لها ثقل كبير في الشارع التونسي، مثل «الحزب الوطني الحر» بزعامة رجل الأعمال سليم الرياحي، أو بأحزاب منحدرة من الحركة الاسلامية، مثل «حزب الأمانة» و«الاصلاح والتنمية». وقد تنضم إلى ذلك بعض الأحزاب المعروفة، مثل «حركة الوحدة الشعبية» بزعامة احمد بن صالح. أما باقي التشكيلات الحزبية، فإن مواقفها لا تزال متصلبة في رفض الانضمام إلى الائتلاف الحكومي.
فهل تنجح حركة النهضة في إعادة ترتيب المشهد السياسي عبر نسج تحالفات جديدة؟ وأي مصير ينتظر حزبي «المؤتمر» و«التكتل» اذا تخلت النهضة عن تحالفها الحالي معهما، بعدما تبين لها أن تراجع حضورهما في الشارع التونسي المحتقن لم يعد يؤهلهما للعب دور الحليف الحداثي للتيار الإسلامي.