«فرحةٌ كبرى»، هذه هي خلاصةُ المواقف التي صدَرَت عن المجموعات المسلّحة في سوريا تعليقاً على نتائج الانتخابات البرلمانيّة التركيّة. ردود الفعل جاءت في مجملها متطابقةً مع المعطيات التي عكسها الميدان السوري على امتداد السنوات الماضية. ومن المسلّم به أن كل المجموعات على اختلاف مشاربها وداعميها والجهات الإقليميّة المؤثرة فيها حظيت بدعم أساسي ومؤثر من «حزب العدالة والتنميّة» وزعيمه رجب طيب أردوغان.
وتأسيساً على هذه الحقيقة يُمكن القول إن أردوغان كان في نظر هذه المجموعات يخوض معركة هي معركتُها في الدرجة الأولى، لتعتبر فوزه بمثابة إشعار باستمرار «الحضن» التركي. ولعلّ أبرزَ ما يمكن استخلاصُه من «حفلة البيانات» المُهنّئة هو أنّ اللاعب التركي يكاد يكون الأكثر تأثيراً في مسارات الحرب، وعلى وجه الخصوص في مواقف المجموعات. كذلك، عكست الصورة التي ظُهّرت عبر البيانات إمكانية تقسيم المجموعات إلى «طبقات»، منها ما انضوى تحت راية «الجيش الحر»، ومنها ما حافظ على «العباءة الشرعيّة»، وأعلنت مكوّنات كلّ واحدة منها عن نفسها بلسانٍ مشترك. وليس من المبالغة القول إنّ الفوز الذي حققه «العدالة والتنمية» مثّل مناسبةً فريدة من نوعها لجهة انسجام بيانات المجموعات المسلّحة التي ندرَ أن تكلّمت بلهجةٍ شبه موحّدة كما حصل خلال اليومين الأخيرين. وعلى رأس المعطيات المشتركة بين بيانات الجميع جاءت الإشادة بدور «العدالة والتنمية» في «دعم الثورة السوريّة»، والأمل بانعكاس فوزه الأخير «إيجابيّاً» على الملف السوري. موقف «الائتلاف» المُعارض بدوره لم يشذّ عن السرب، وإن حاول الخروج ببيان تهنئة ذي صبغة سياسيّة. واختار افتتاح بيانه بتهنئة «تركيا؛ قيادة وشعباً وأحزاباً؛ بنجاح المسار الديمقراطي وإجراء الانتخابات البرلمانية بمشاركة شعبية واسعة». قبل أن يعرب عن «أمله في أن يُسهم اجتياز تركيا تلك المرحلة، في الاستقرار، وتعزيز دورها في دعم الشعب السوري وكفاحه من أجل الحرية والعدالة». بيانٌ مشابه صدر عن «تشكيلات الجيش الحر» حمل توقيع اثنتي عشرة مجموعةً مسلّحة أبرزُها «جيش المجاهدين». في المقابل، اختارت معظم المجموعات الأخرى أن تكون أكثرَ وضوحاً ومباشرةً، فقَصَرت التهنئة على الحزب الحاكم «الصديق». أبرز البيانات في هذا السياق كان واحداً مُشتركاً حمل توقيع كلّ من «حركة أحرار الشام الإسلاميّة»، «فيلق الرحمن»، «الجبهة الشاميّة»، الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام»، أنصار الشام»، «اللواء العاشر»، «أجناد الشام – حماه»، و«جيش الإسلام». وبدا لافتاً أنّ الأخير لم يكتفِ بالبيان المشترك وأصدر آخر منفرداً حمل المعطيات ذاتها، ويكتسب هذا التفصيل خصوصيّة تنبُع من أنّ «جيش الإسلام» يكاد يكون المجموعة السورية الوحيدة المحسوبةَ بشكل كامل على اللاعب السعودي. ولم تقتصر الحفاوة «المُعارضة» على البيانات والمواقف «الرسميّة»، بل وازتها حفاوةٌ مماثلة حفلت بها صفحاتُ مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بينها صفحات شخصيّات «جهاديّة» محسوبة على التيارين الإخواني، والسلفي القاعدي. بالمحصّلة، يمكن القول إنّ الصورة الكليّة لكواليس كل الأطياف المسلّحة المعارضة جاءت أشبه برسالة مفادُها: قرارُنا في أنقرة.