دمشق | منذ بداية الاحتجاجات الشعبية في سوريا وتطوراتها المتسارعة، تأثرت مجمل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الموزعة جغرافياً على غالبية المحافظات والمدن السورية، بتداعيات الأزمة السياسية والإنسانية. طاولت أحداث الأزمة السورية الدموية عدة مخيمات في الفترة القريبة الماضية، ما جعل فصائل المقاومة الفلسطينية في سوريا تعمل جاهدةً لـ«منع انجراف الشارع الفلسطيني في الحرب الدائرة على الأرض، وتأكيد مفهوم الحياد الإيجابي»، كما صرح لـ«الأخبار» مسؤول إعلامي في مكتب تابع لإحدى فصائل المقاومة، فضل عدم ذكر اسمه، أو التنظيم الذي يمثله.
ويوضح المسؤول الإعلامي أنه «مع اشتعال الشرارة الأولى للانتفاضة في مدينة درعا الحدودية الجنوبية، سرعان ما وجه الإعلام السوري الرسمي والخاص المحسوب عليه، أصابع الاتهام إلى شباب مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين، وسماهم مخربين وخارجين عن القانون». وأضاف: «اتضحت الصورة بعدها، وعُرفت حقيقة الأمر»، لافتاً إلى أن «هذا ما تكرر في مخيم الرمل الفلسطيني على شاطئ اللاذقية، واليوم في مخيم اليرموك أيضاً»، في إشارة واضحة منه إلى «الفتنة، والتعتيم على الحقيقة، واللعبة الرخيصة والمفضوحة التي تعمل عليها أطراف لاعبة في الصراع في سوريا، لزجّ الطرف الفلسطيني وإشراكه في اللعبة، وتحويله إلى طرف أساسي في الأزمة».
وصل التصعيد ذروته في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، الواقع جنوب العاصمة السورية دمشق، بعدما تحولت أطرافه إلى ساحات حرب حقيقية، لمجاورتها مناطق الميدان، التقدم، العروبة، الحجر الأسود، وحي التضامن، التي لا تزال بعضها يشهد حتى اليوم مواجهات مسلحة بين وحدات من الأمن والجيش السوري النظامي وعناصر مسلحين من الجيش الحر.
نتيجة القصف العنيف والرصاص المتبادل، الذي تعرضت له مناطقهم السكنية العشوائية الفقيرة، نزح الآلاف من المدنيين السوريين إلى بيوت المخيم ومدارسه وجوامعه، باعتبارها «مناطق حيادية آمنة، لم تدخل في دوامة الصراع الدائرة في سوريا»، كما أخبرنا نزار الحيفاوي، الناشط المدني في لجان استقبال النازحين السوريين إلى المخيم. ويوضح الحيفاوي أن «حالة من الفوضى والذعر سببت فوضى عارمة لدى النازحين». ويضيف: «حاولت مع أصدقائي تنظيم أنفسنا في مجموعات، لاستقبال النازحين في المدارس والجوامع التي فتحت أبوابها. وهناك بيوت في المخيم استضافت أسرة نازحة أو أكثر، وهناك من سارع في تقديم المساعدات من غذاء ودواء وحاجيات مختلفة، كل حسب استطاعته».
لكن حالة الهدوء النسبي في المخيم لم تدم طويلاً، نتيجة الاحتقان الشعبي العام الذي يعيشه الآن اللاجئون الفلسطينيون في شوارع مخيمهم، بعد تظاهرة تشييع رمزي لتسعة مجندين من جيش التحرير الفلسطيني، قتلوا بالقرب من مخيم النيرب في حلب. أيضاً لم يسلم أبناء المخيم من حرب الشائعات التي انتشرت بسرعة كبيرة. «تزامنت الفوضى والقصف والرصاص المتبادل على أرض المخيم، مع نقمة شعبية، وعدم الشعور بالمسؤولية لخطورة الظرف والموقف، ولدته وضخمته مجزرة مخيم النيرب، وتطوراتها المؤلمة هنا في مخيم اليرموك»، وفقاً لعضو قيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وتحدث المسؤول عن «طابور خامس من الشائعات، كان من المستحيل السيطرة عليه، أو توعية أبناء شعبنا الفلسطيني، أو أخوتنا من النازحين السوريين لخطورة تصديق هذا الكم الهائل من الشائعات». وتحدث عن «محاولات عديدة قمنا بها، للتدخل وإقناع أطراف الصراع الدائر الآن، بالمحافظة على أرض مخيم اليرموك، وجميع المخيمات الفلسطينية في سوريا، كمنطقة آمنة ومعزولة، بعيدة عن المواجهات المسلحة»، قبل أن يشير إلى أنه «الآن يستغل أحد أطراف القتال أرض المخيم وسكانه، وحولهم إلى نقطة انطلاق لعملياته العسكرية. أما الطرف الآخر، فعدّ أرض المخيم وسكانه ساتراً ترابياً يحميه من الهجمات المتصاعدة».
ولدى السؤال عن مطلق الشائعات وحقيقتها والمستفيد منها، يقول القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إن «سيناريوات كثيرة عرضت على محطات إخبارية مثل «العربية» و«الجزيرة» أكدت جميعها هجوم مجموعات من أحياء مجاورة للمخيم مثل التضامن والعروبة، وقيامها بعمليات ذبح وقتل على الهوية، على أساس طائفي. لكن حقيقة الأمر أنها كانت مواجهات مسلحة بين الجيش السوري النظامي وفلول الجيش الحر وعناصره الذين دخلوا المخيم لتنظيم صفوفهم، أو للاحتماء من القصف العنيف الذي تعرضوا له». وحمّل القيادي الفلسطيني المسؤولية كاملة للمحطات والوسائل الإعلامية المختلفة، التي ضخمت مثل هذه الشائعات والأخبار وسوقت لها، بهدف زيادة حالة الفوضى، وزج الشارع الفلسطيني في لعبة الحرب الدائرة في سوريا اليوم.
الأخبار المتضاربة والمتناقضة عن حقيقة أحداث المخيم، وتداعياتها وتطوراتها على الأرض، وصلت سريعاً إلى الشارع السوري سواء الموالي، أو المعارض لنظامه الحاكم. كل فئة فسرت وتعاملت مع تداعيات المشهد الفلسطيني على طريقتها، وحسب مواقفها وقناعاتها من الصراع الدائر، لكن القاسم المشترك بينها هو: ارتفاع وتيرة الكراهية والنقمة على اللاجئين الفلسطينيين! الفئة الموالية للنظام السوري، عدّت أحداث المخيم «تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي للأزمة، أما خروج شباب المخيم بتظاهرات مناهضة للنظام، ووجود عناصر مسلحين من الجيش الحر في الأزقة والشوارع، فقد فسر بأنه تجاوز لجميع الخطوط الحمراء المسموح بها». أما الشارع المعارض فقد اتهم شباب المخيم «بالتخاذل والتقاعس عن نصرة أخوتهم من أبناء الشعب السوري، في ثورته لنيل حقوقه وحريته».
النتيجة لهذه المواقف والتطورات على الأرض لخصتها حركة النزوح الجماعية الكبيرة، التي شهدها مخيم اليرموك، سواء من سكانه الفلسطينيين أو من النازحين السوريين، إلى مناطق أكثر أماناً، بما فيها مخيمات فلسطينية أخرى، مثل مخيمات خان الشيح، ودنون، والسبينة، وجرمانا التي استقبلت الآلاف من الأسر الفلسطينية والسورية في مدارسها وبيوتها.
في المقابل، يتمسك أبو محمد (73 عاماً)، الذي قضى عمره في العمل الفدائي مع منظمة التحرير الفلسطينية، وخاض حروبها ومعاركها جميعاً، حتى استقر به الأمر مع عائلته في مخيم اليرموك، بالبقاء في المخيم قائلاً: «لم ولن أغادر بيتي حتى ولو سقط سقفه على رأسي». ويضيف: «من فلسطين إلى لبنان في نكبة 1948، ومن لبنان إلى سوريا بعد حرب وحصار بيروت عام 1982، والآن إلى أين؟». ومضى يقول: «في المعارك الكثيرة التي خضتها، كان هناك عدو واضح، ومواجهات مع عدو معلن وواضح أيضاً. إن قتلت الآن في بيتي، فلن أعرف مصدر الرصاصة أو القذيفة، ولا جهتها ولا من أطلقها. يا له من زمن قذر وواقع محبط هذا الذي وصلنا له ونعيشه الآن». ويؤكد الفدائي الفلسطيني المسن أن مسلحين من مختلف أطراف الصراع، يطلقون النار كيفما اتفق لهم في شوارع المخيم «رحم الله أيام حرب المخيمات في لبنان، صبرا وشاتيلا، وبرج البراجنة... والآن مخيم اليرموك في وسط دمشق».