«يسقط يسقط حكم العسكر»، عبارة طالما رددها الآلاف من المصريين طوال المرحلة الانتقالية، ولا سيما مع بسط المجلس العسكري نفوذه على إدارة المرحلة الانتقالية، إلى أن جاءت قرارات محمد مرسي الأخيرة بشأن قيادات الجيش وإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، لتطرح سؤالاً ملحاً، هل انتهى دور العسكريين في السياسة المصرية، وبات لا يوجد حاجة إلى هتاف «يسقط يسقط حكم العسكر».
محمد صفار، مدير مركز حوار الثقافات والدراسات الحضارية في جامعة القاهرة، يرى أن قرار مرسي خطوة مهمة على طريق إنهاء الحكم العسكري، الذي بدأ في مصر عام 1952، لكنه يؤكد أن هذا لن يحول دون أن يمارس العسكر ضغوطاً في ما يتعلق بمصالحهم المنطقية كميزانية التسليح والمشاركة في اتخاذ قرارات الحرب، مثلما يحدث في كل الأنظمة الديموقراطية في العالم. إلا أنه في الحالة المصرية، لا يزال العسكر يطمح إلى تأمين المصالح والمؤسسات الاقتصادية التابعة لهم، مع السعي إلى عدم الملاحقة القضائية للضباط المتورطين في أعمال تعذيب وقتل.
ولفت صفار إلى أن المؤسسة العسكرية المصرية ليست من المؤسسات الطامعة في تولي الحكم، لأن هذا يضع أعباءً شديدة جداً على ضباطها غير المؤهلين لهذا الأمر، نتيجة فصل الجيش وضباطه في عصري أنور السادات وحسني مبارك عن الحياة السياسية وجعل مشروعات خاصة لهم. وهو ما ظهر بوضوح في تخبط المؤسسة العسكرية أثناء المرحلة الانتقالية، مختتماً حديثه لـ«الأخبار» بالتأكيد أن قرار مرسي ألغى فكرة ازدواجية السلطة وجعلها ممثلة في السلطة المدنية المنتخبة، كرئيس الدولة والجمعية التأسيسية، بشكل مؤقت حتى تؤول إلى السلطة المدنية المنتخبة، التي لا تزال في طور التشكل. وخلص إلى أنه على المستوى الحكم فقد انتهى دور المجلس العسكري، لكن على مستوى الدفاع عن المصالح ما يزال هناك مساومات ستحدث.
أما أحمد عبد ربه، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، فرأى أن قرارات مرسي خطوة هامة، لكنها ليست كافية، «فهي إن أخرجت المجلس العسكري خارج المعادلة السياسية الكبرى أو وضعت حداً لتدخله في السياسات الكلية واتخاذ القرار السياسي ونالت من بعض القادة، فإنها لم تنل من المستويات الأقل والأجهزة التنفيذية، سواء على مستوى المحافظين أو الإدارات المحلية، ومن ثم فإن القول إن المؤسسة العسكرية والعسكريين لم يعد لهم تدخل في الحياة السياسية بالمعنى الشامل لا يزال منقوصاً». وأضاف «عندما يتركز دور الجيش في الدفاع عن الدولة، ويتم استبعاد العسكريين من المحافظين والموجودين بالمحليات والاتحادات الرياضية، وتتم مراجعة النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية داخل منظومة الدولة وليس بمعزل عنها، عندئذٍ يمكن القول إن العسكريين ابتعدوا تماماً عن الحياة السياسية بكلياتها وجزئياتها. وهو أمر سيتحدد بشكل كبير من خلال وضع المؤسسة في الدستور المقبل، وتشكيل مجلس الدفاع الوطني، واختصاصاته، ومن ثم يصبح القول بسقوط حكم العسكر سابقاً لأوانه».
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإسكندرية، الدكتور عبد الفتاح ماضي، فيرى أن الطريق لا يزال طويلاً. وإن كانت قرارات مرسي أنهت دور المؤسسة العسكرية تاريخياً، فإن قضايا التعيينات والترقيات والأنشطة الاقتصادية للجيش تحتاج إلى معالجة. هذه الأمور تجعل للجيش سلطة شبه مستقلة بعيدة عن المؤسسات المنتخبة كالبرلمان والرئاسة، تمكنها من المساومة والتدخل في الحياة السياسية من طرف خفي، ومن ثم فإن هذه أمور يجب معالجتها بحلول وسط متدرجة وغير صدامية. وشدد على أهمية المحافظة على الجيش وتماسكه خلال هذه المراحل، دون إخلال بمدنية الدولة، معتبراً أن خطوات تحويل الجيش إلى مؤسسة تحافظ على الأمن القومي وتحترم الإرادة المنتخبة هي أبرز تحديات التحول الديموقراطي المنشود في مصر.
قانونياً، رأى المستشار فكري خروب، رئيس نادي قضاة الإسكندرية السابق، أن الإعلان الدستوري المكمل بحكم القانون كان منعدماً، لأنه كان توسعاً في الاستثناء الذي هو الإعلان الدستوري الأصلي الذي صدر عقب الثورة، كأمر حتمي بعد الثورات. ونبّه إلى أنه «لا يجوز التوسع في الاستثناء ليصبح قاعدة»، والإعلان الدستوري الأصلي كان لمدة محددة، فضلاً عن أنه بعد انتخابات مجلس الشعب، أصبح البرلمان صاحب السلطة الدستورية في التشريع، لذا فإن مرسي أعاد المجلس العسكري لينحصر دوره في وضعه الطبيعي وهو حماية حدود الوطن.
من جهته، يرى الباحث في وحدة الدراسات المستقبلية في مكتبة الإسكندرية، محمد العربي، أن العبرة ليست فقط بنصوص القانون، «فالمؤسسة العسكرية لم يكن لها وضع استثنائي في دستور 71، آخر الدساتير قبل الثورة، إلا أنها كانت تتميز بوضعية خاصة غير مكتوبة، ممثلة في مكافآت ما بعد الخدمة من التعيينات في مفاصل الدولة، فضلاً عن ميزانيات غير محددة، وأنشطة مستقلة وإعفاءات ضريبية، بما جعلها قوة شبه مستقلة». ويرى أن العديد من النشطاء، إن رحبوا بقرارات مرسي، إلا أنهم لن يتوقفوا عن الهتاف «بسقوط العسكر».