الدار البيضاء | لم يفاجئ المقرر الخاص للامم المتحدة حول التعذيب، خوان منديز، المنظمات الحقوقية المغربية والدولية بتأكيده أخيراً في الرباط أن «أعمال التعذيب» في المغرب لم تتوقف رغم تراجعها. فبعد اسبوع من مهمة استقصائية التقى فيها مئات الضحايا، وزار خلالها عدة سجون مغربية، خرج المبعوث الأممي بخلاصة أولية عن استمرار أنواع مختلفة من التعذيب تمارس ضد نشطاء سياسيين وحقوقيين ومعارضين، او فقط ضد معتقلين عاديين. وخلال زيارته، التي استغرقت أسبوعاً كاملاً، التقى خوان منديز المئات من ضحايا التعذيب، أغلبهم إسلاميون، اعتقلوا على خلفية اتهامهم بما يسمى «الإرهاب»، وصحراويون من أنصار استقلال الصحراء الغربية، وناشطون شباب، ينتمون إلى حركة 20 فبراير، التي تطالب بإصلاحات سياسية حقيقية.
ومع هبوب رياح التغيير في المنطقة، شعر المغرب بالحاجة إلى تلميع صورته الخارجية، وتقديم نفسه كنموذج يُحتذى به، ومن هنا دعوته المقرر الأممي حول التعذيب لمنحه شهادة براءة تلمّع سجله، الذي يلاحقه كتاريخ أسود يصعب التخلص منه. وفي انتظار أن يصدر المبعوث الأممي تقريره في شهر تشرين الثاني المقبل، تستمر ممارسات الماضي، مثل واقع يأبى أن يرتفع.
فمنذ تقديم «هيئة الإنصاف والمصالحة» تقريرها سنة 1999 عن انتهاك الدولة لحقوق الإنسان، وتعرض الكثيرين لانتهاكات واعمال تعذيب، خلال ما عرف في المغرب بـ «سنوات الرصاص» حتى اليوم، شهد المغرب تكرار العديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما فيها التعذيب.
وعلى الرغم من وجود قانون يجرم التعذيب، ومن مضي ست سنوات على دخوله حيز التنفيذ، لم يستطع هذا القانون أن يوقف استمرار تلك الممارسات من قبل السلطات المغربية.
كذلك، حثت منظمة «هيومن رايتس ووتش» المعنية بحقوق الانسان، في آخر بيان صادر عنها حول المغرب، الرباط على التحقيق في مزاعم لجوء الشرطة إلى تعذيب ناشطين مطالبين بالديموقراطية، لإرغامهم على الإدلاء باعترافات كاذبة. وأكد نائب المدير التنفيذي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «هيومن رايتس ووتش»، اريك جولدستاين، أن محكمة مغربية سجنت «المحتجين استناداً إلى اعترافات زعم أنها انتُزعت تحت وطأة التعذيب، فيما رفضت استدعاء الشاكين للاستماع اليهم أمام المحكمة».
كذلك كشفت 18 هيئة حقوقية مغربية استمرار تعرض السجناء لـ «التعذيب والممارسات المهينة والمحتقرة للكرامة الانسانية». وأثار هذا الائتلاف المكون من منظمات حقوقية مغربية ذات صدقية، مخاوف من حصول تراجع بات يتهدد عدداً من الحقوق والحريات، كما سبق أن أكدت «اللجنة المغربية لمناهضة التعذيب» و«المنظمة المغربية لمناهضة التعذيب»، أن ظاهرة التعذيب لا تزال قائمة في المغرب «ببشاعة ومرارة». وأضافت المنظمتان إن المسؤولين الأمنيين يمارسون التعذيب بعيداً عن كل مساءلة ومحاسبة حقيقيتين، ودون شعور السلطات الإدارية والأمنية والقضائية بأن للدولة المغربية التزامات سياسية ودبلوماسية أمام الرأي العام المغربي والدولي. وقالت المنظمتان الحقوقيتان، في ندوة حقوقية عقدتاها في كانون الثاني الماضي إن التعذيب لا يزال يمارس على المواطنين في الشارع، وداخل مصالح الأمن، وفي طليعتها مركز تمارة التابع لـ (لدّيستِي)، أي (استخبارات الأمن)، وبعض المؤسسات السجنية. وتأتي هذه الشهادات بعد مرور اقل من سنة على تصديق المغرب على دستور جديد خصص فصلاً كاملاً، وصريحاً يجرم التعذيب بمختلف أشكاله.
وجاء في الباب الثاني المخصص للحريات والحقوق الأساسية، على أنه «لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة، ولا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية»، مؤكداً أن «ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون».
كذلك تأتي هذه الشهادات، ومثلها كثير، بعد تصديق الدولة المغربية أخيراً على بروتوكولَي الاتفاقيتين الدوليتين المناهضتين للتعذيب والتمييز بين الجنسين، لكن إلى أي حد أسهمت كل هذه الترسانة القانونية في تجاوز ماضي الدولة المغربية في مجال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؟