باريس | نواكشوط | عشية انعقاد قمة مصغرة، دعت إليها فرنسا، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، للبحث «في الأوضاع الأمنية والسياسية في شمال مالي»، أعلن وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لو دريان، أن بلاده تدعم تدخلًا عسكرياً وشيكاً ضد الجماعات الجهادية المتطرفة في شمال مالي، فيما اعتبر الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، خلال كلمته أمس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الوضع في شمال البلاد «غير محتمل، وغير مقبول». وقال «لا وقت لإضاعته (..) ينبغي ان تستعيد مالي وحدة اراضيها واخراج الارهاب من منطقة الساحل». والتزم بدعم قرار في مجلس الامن الدولي لـ«السماح لمالي باستعادة وحدة اراضيها»، واكد ان فرنسا ستدعم مبادرات الافارقة. وتزامنت هذه التصريحات، التي عدّها المحللون إيذاناً ببدء دق طبول الحرب في الأزواد، مع تحول مفاجئ في موقف الرئيس المالي المؤقت، ديوكوندا تراوري، الذي أعلن قبول بلاده بتدخل عسكري لقوات منظومة دول أفريقيا الغربية. وكان تراوري قد عارض نشر أي قوات أفريقية خارج المناطق الشمالية التي استحوذت عليها الجماعات الجهادية والطوارق منذ آذار الماضي. لكن الضغوط الفرنسية نجحت في ثني الرئيس المالي عن موقفه. ووافق الأخير، بعد تردد، على أن تتخذ القوات الأفريقية من باماكو قاعدة خلفية لعملياتها المرتقبة ضد الجهاديين والمتمردين الأزواديين.
وأعلن رئيس بوركينا فاسو، بليز كومباوري، الذي تشرف بلاده على تنسيق جهود منظومة غرب أفريقيا الهادفة لحل الأزمة في المالي، أن كل الشروط باتت جاهزة لنشر قوات أفريقية قوامها 4 آلاف جندي في شمال مالي. ولفت إلى أن منظومة غرب أفريقيا، «لم تعد تنتظر سوى الضوء الأخضر من مجلس الأمن».
أما فرنسا، فأكدت على لسان وزير خارجيتها، لوران فابيوس، أن استكمال التحضيرات لتشكيل القوات الأفريقية وموافقة الرئيس تراوري على بدء نشرها في شمال مالي، «تشكل خطوات هامة وحاسمة في الاتجاه الصحيح». وشدد الأخير على أن مشاركة بلاده «ستقتصر فقط على الدعم اللوجيستي».
كلام أكّده وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لو دريان، قائلاً إن بلاده لن تنشر أي قوات في شمال مالي. لكنه نبه إلى أن «ذلك لا يمنع أننا سنوفر كل الدعم السياسي واللوجيستي للتدخل العسكري من قبل القوات الأفريقية». وأضاف «الوضع الحالي في منطقة الساحل غير مقبول، ولا يمكن أن ندعه هكذا أو أن نترك الأمور لتتفاقم لتتحول المنطقة إلى أفغانستان جديدة، توفر ملاذاً آمناً وقاعدة خلفية للجماعات الإرهابية والعصابات المتطرفة المنضوية في تنظيم القاعدة».
واعتبر الوزير الفرنسي أن «عملية التدخل قد بدأت، بعد أن وجّه الرئيس المالي دعوة إلى جيرانه في منظومة دول غرب أفريقيا لمساعدة بلاده على استعادة الشمال». وأضاف «هذه المبادرة تعود أولا إلى الأفارقة، لكن فرنسا ستقدّم مؤازرتها ودعمها لإنجاح تدخل القوات الأفريقية».
ويُعتقد أن تأكيد فرنسا على اقتصار دورها فقط على المساعدات التقنية واللوجيستية، سببه مخاوف الحكومة الفرنسية من ردود فعل الرأي العام الفرنسي في حال تنفيذ تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» التهديدات التي أطلقها الأسبوع الماضي بإعدام أربع رهائن فرنسيين محتجزين لديه منذ قرابة عامين، وذلك في حال اقدام فرنسا على التدخل عسكرياً في شمال مالي.
وفي السياق، أعلن وزير الدفاع المالي، يوموسا كامارا، أن نشر قوات تابعة لمنظومة غرب أفريقيا في العاصمة باماكو، أمر ممكن، شرط أن يتم برويّة، كي لا يصدم السكان». وجاء تصريح الوزير المالي في أعقاب لقائه في أبيدجان بالرئيس الإيفواري، الحسن وتارا، الذي يتولى حالياً الرئاسة الدورية لمنظومة دول غرب أفريقيا. وقد سلم كامارا وتارا رسالة من الرئيس المالي المؤقت، ديونكوندا تراوري.
في المقابل، سارعت الحركة الوطنية لتحرير الأزواد، إلى الإعلان عن استعدادها للحوار والتفاوض مع سلطات باماكو «من أجل تحقيق مصلحة الشعبين الأزوادي والمالي، ووضع حد لمعاناتهما الطويلة»، وذلك في محاولة لقطع الطريق أمام مشاريع التدخل التي ترعاها فرنسا.
وقالت الحركة، التي كانت قد أعلنت الانفصال وقيام دولة الأزواد في آذار الماضي، إنها ترفض محاولات حكومة باماكو التفاوض مع الجماعات الإرهابية، التي قالت الحركة الأزوادية إنها «تنظيمات دخيلة على الأزواد تحركها أجندات خفية وغامضة».