القاهرة | مهما كان تعريف دولة سيادة القانون الحديثة، التي تحدّث عنها الرئيس المصري، محمد مرسي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فالمرجح أنها لا تضم سيناء، على الأقل كما يبدو من حادثة تهجير مسيحيين من بلدتي رفح والشيخ زويد إلى مدينة العريش. البداية كانت تلقي ممدوح نصيف، وهو واحد من اثنين فقط من التجار المسيحيين في رفح، رسالة تهديد من مجهول تأمره بمغادرة البلدة مع جمال عياد، التاجر المسيحي الآخر. وانتهى الأمر باطلاق الرصاص عليه لاحقاً بعد أيام، حسبما روى نصيف نفسه لـ «الأخبار». نصيف أوضح أن «جمال عياد غادر رفح إلى العريش ليعيش هناك في كنف أبنائه. لكنني قررت البقاء، لأنه لا سكن ولا مورد رزق لي هناك».
إلا أن جمال عياد لم يغادر رفح وحده إلى العريش، إذ اضطرت ستّ أسر مسيحية أخرى إلى أن تغادر أيضاً، فضلاً عن أسرتين أخريين من الشيخ زويد، بفعل التهديدات التي نسبت إلى جماعات إسلامية متشددة، ونصيحة الأجهزة الأمنية نفسها للعائلات بالرحيل. هذه الأسر يعمل معيلوها موظفين في جهاز الدولة. وتلقوا وعوداً من السلطات المحلية بنقل أعمالهم إلى العريش، حسبما روى لـ«الأخبار»، صحافي في سيناء، طلب عدم ذكر اسمه. وقدر الأخير عدد المسيحيين في سيناء كلها بما يراوح بين خمسة إلى ستة آلاف شخص فقط، وذلك نقلاً عن تصريحات من شخصيات كنسية هناك.
أما القمص كيرلس فيكتور، وكيل مطرانية شمال سيناء، فقد بدا متشائماً لدرجة أنه رأى في حديث مع «الأخبار» أن الحادث «قد يكون مقدمة لتهجير مسيحيي مصر كلهم».
في المقابل، عدّ حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، الحادث بسيطاً. عضو مجلس الشورى عن شمال سيناء، أحمد يوسف، قال لـ«الأخبار»، «لقد تحرينا الأمر واتصلنا بمعارفنا في رفح والشيخ زويد، واكتشفنا أن الأمر برمته هو محض مزاعم غير صحيحة، أثارتها مشاجرة عادية بين مسلم ومسيحي، ما يمكن أن يتكرر عشرات المرات بين الناس يومياً، دون أي خلفية طائفية». وأضاف «أما استخدام السلاح، فهو بدوره أمر منتشر في سيناء، على خلفية الانفلات الأمني بعد الثورة، الذي دفع الكثيرين إلى شرائه بغرض الدفاع عن النفس في مواجهة العصابات». وشدد يوسف على أن «الحدث جرى تضخيمه بشدة، ولا نعرف لمصلحة من هذا التدليس، فواقع الأمر أن سيناء استعادت بدرجة كبيرة أمنها بعد انتخاب الرئيس مرسي».
إلا أن الناشط السيناوي، مسعد أبو فجر، الذي اعتُقل فترة طويلة قبل الثورة على خلفية نشاطه في حركة ضمت عدداً من قبائل سيناء في مواجهة الانتهاكات بحق أهالي المنطقة، كان اول من نشر القصة على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «الفيسبوك». ولفت أبو فجر إلى أن «الدولة استعانت بالجماعات التكفيرية والجهادية بعد الثورة، ونظمتهم في ما يسمى اللجان الشعبية في مواجهة الانفلات الأمني»، موضحاً أن «نفوذ هؤلاء أخذ في التنامي بشدة، وخاصة بعدما وعدتهم الدولة بقطعة من الكعكة ـــــ اذا جاز التعبير ـــــ عبر مشروعات يتعيشون منها». وأضاف «إلا أن الدولة بدأت تخل بوعودها على ما يبدو، وأخذت تلك الجماعات في المقابل تنظم عمليات مسلحة، الهدف الأول منها هو لفت الأنظار إلى نفوذها، كأنما لسان حالها يقول نحن هنا والساحة لا تقتصر على الإخوان والسلفيين فقظ، ويحق لنا الحصول على قطعة من الكعكة». ونبه أبو فجر إلى أن «الأمر أصبح أسوأ الآن، بعدما ارتفع سقف مطالبات هذه الجماعات على ما يبدو إلى اقامة إمارة إسلامية في سيناء، بعدما بدا لهم أنهم استطاعوا هزم الجيش المصري في سيناء (بعد الهجوم على كتيبة تابعة للجيش المصري على الحدود مع اسرائيل قبل ما يقرب من شهرين)». ويرى أبو فجر أن الجيش بالفعل انهزم وانسحب في مواجهة الجماعات المسلحة، بالرغم من أنه يصنف عاشر جيش في العالم.