مع انتهاء الانتخابات الأميركية وتصاعد دموية الحرب السورية واتساعها، عمدت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى إعادة النظر في خياراتها للتعامل مع الصراع. ويتوخى الرئيس أوباما ومستشاروه حذراً بالغاً، حسبما يقول مسؤولون حاليون وسابقون يشاركون في المشاورات حول الاستراتيجيات الجديدة تجاه سوريا.
ولكن الذين يؤيدون تدخلاً أميركياً أكبر، وبينهم زعماء المعارضة السوريون، يعتقدون أن الوقت قد حان. وهم يقولون إن ما على واشنطن التفكير فيه هو دعم أكبر لمقاتلي المعارضة، وربما عمل عسكري محدود.
وحتى مع تلاشي الضغط الذي كانت تمثله الانتخابات، فإن نشر عدد كبير من القوات الأميركية ما زال أمراً غير وارد، كما ليس مطروحاً على الأقل في الفترة الحالية شنّ ذلك النوع من حملات القصف الجوي المحدودة لكن المستمرة، والتي ساعدت على إطاحة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.
وتقول إدارة أوباما إن تسليح مقاتلي المعارضة قد يزيد الأمور تدهوراً، لا سيما في ظل مزيد من الأدلة على وجود الإسلاميين المتزايد وتصاعد العنف الطائفي واتهام مقاتلي المعارضة بارتكاب جرائم حرب.
ومع تزايد أعداد القتلى في سوريا، أصبحت هناك أيضاً إشارات متزايدة على أن الحرب هناك تزعزع استقرار دول مجاورة، خصوصاً في لبنان، وكذلك العراق وتركيا والأردن.
من ناحيته، قال جوزيف هوليداي، وهو ضابط سابق في الاستخبارات العسكرية الأميركية وخبير في شؤون المعارضة السورية في معهد دراسة الحرب، والذي كثيراً ما يطلع المسؤولين الأميركيين على أحدث المعلومات «أنا مدهوش من سرعة حديث الناس عن سوريا» بعد الانتخابات. وأضاف «أعتقد أن هناك شعوراً بأن عدم اتخاذ أي خطوة هو في حدّ ذاته اختيار. وإنه كلما طال وقت عدم اتخاذنا أي خطوة تدهورت الأوضاع».
ومع اعتماد الرئيس السوري بشار الأسد على المروحيات والطائرات ضد أهداف مدنية، أصبح هناك حديث متزايد عن فرض منطقة «حظر طيران»، أو ربما القيام بسلسلة من الضربات المستهدفة إلحاق الضرر بقواته الجوية.
وتقول مصادر مطلعة إن المشاورات التي تجري داخل وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الدفاع (البنتاغون) وجهات أخرى هي ليست جزءاً من إعادة النظر في السياسة بناءً على أوامر من الحكومة المركزية.
وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية: «نعيد النظر باستمرار في الخيارات»، لكنه قال إنه ليس هناك تغيّر في معارضة البيت الأبيض لتسليح مقاتلي المعارضة مباشرة. لكنّ مسؤولاً أميركياً آخر مطّلعاً على سياسة واشنطن تجاه سوريا، أكد أن مراجعة السياسة في فترة ما بعد الانتخابات تسير حالياً، قائلاً «السؤال هو... ما الذي سنفعله؟».
وهناك تقارير تفيد بأن عدداً محدوداً من شخصيات أميركية رفيعة المستوى، مثل المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس (التي تردد أنها وزيرة الخارجية الأميركية المقبلة خلفاً لهيلاري كلينتون)، هم أكثر تأييداً لاتخاذ إجراء قوي. ويقول أطراف مطلعون على هذه القضية إن الجيش الأميركي وأجهزة الاستخبارات أكثر عزوفاً. وحتى إذا رحل الأسد فإنهم قلقون من احتمال أن تتمزق البلاد بسبب صراع عرقي قد يستمر سنوات. لكن البعض يرى أن تغيّر الواقع داخل سوريا قد يفتح المجال لخيارات جديدة.
ويشكو مسؤولون غربيون منذ فترة طويلة من أنه من أكبر المعوقات لمشاركة أكبر في الصراع هو ما يتسم به مقاتلو المعارضة من فوضى وتشرذم إلى جانب عدم قدرتهم الدائمة على الأداء الفعال في ساحة المعركة.
لكن هذا الوضع قد يتغيّر الآن، إذ إن عناصر مختلفة من الجيش السوري الحر أصبحت تسيطر على أجزاء متزايدة من الأرض. ويتعين على الائتلاف الوطني السوري للقوى المعارضة والثورية تحت رئاسة رجل الدين الإصلاحي معاذ الخطيب الاستفادة من هذه الانتصارات.
ويرى بعض الخبراء أن روسيا التي تدعم الأسد ربما بدأ صبرها ينفد من الزعيم السوري. وقد لا يكون لدى موسكو رغبة كبيرة في إطاحة الأسد بدعم من الغرب، لكنها ترغب أيضاً في التأكد من استمرار نفوذها لدى أي حكومة تحل محله.
وتقول مصادر بريطانية إن مسؤولين بريطانيين يعيدون النظر أيضاً في خيارات الشأن السوري، لكنهم تراجعوا هذا الأسبوع عن تلميحات بخصوص احتمال تسليح مقاتلي المعارضة أو التخفيف من حظر الأسلحة الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على سوريا. ولم تنفذ بعد فرنسا ما صرحت به من حيث احتمال تقديم أسلحة مضادة للطائرات.
لكن المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا، وهي الدول التي تزود مقاتلي المعارضة بالسلاح، قد تراهن على تحول في السياسة الأميركية من شأنه إشراك القوى الأوروبية ومساعدتها ليس فقط في سوريا بل أيضاً في خصومتها في المنطقة مع إيران حليفة الأسد.
(رويترز)