الخرطوم | مهما تغيرت المسميات لوصف ما حدث في ليلة الخميس من محاولة تخريبية أو انقلاب عسكري، فإن الهدف في الحالتين واحد؛ وهو إحداث التغيير. التغيير الذي يرى كثير من المراقبين أن توقيته كان مثالياً، بالنظر إلى العديد من الأحداث المتزامنة السابقة له، فإن الوصف الأقرب لتسميته هو «انقلاب داخلي»، وذلك استناداً إلى الأسماء التي شاركت في المحاولة، وكشفت عنها الحكومة نفسها، فضلاً عن التململ الذي طفا على سطح تنظيم المؤتمر الوطني الحاكم منذ وقت طويل، وكان لا بد أن يصل لنقطة «الانفجار». ورغم حرص السلطات السودانية على تسمية الحدث بأنه مجرد محاولة تخريبية وأنها لا ترقى لمستوى الانقلاب العسكري، يذهب متابعون الى أن هذا ديدن الحكومات العسكرية التي ترى في أي محاولة لإزاحتها من السلطة بأنها محاولة تخريبية الهدف منها زعزعة أمن واستقرار البلد، في مقابل صبغ صفة الانقلاب العسكري على أي محاولة ينجح فيها العسكر في الانقضاض على الحكومات الديموقراطية مثل ما فعلت حكومة الانقاذ.
وتمسّك الحكومة بمصطلح «المحاولة التخريبية» مرده إلى أن العسكر القابضين على مصالح العباد في السودان أحكموا السيطرة على هذه المحاولة، وتم القاء القبض على ثلاثة عشر شخصاً من الضالعين فيها. ومن أبرز المعتقلين مدير جهاز الأمن والاستخبارات السابق، الفريق صلاح عبدالله، الملقب بـ«قوش» و12 آخرين، بينهم عناصر عسكرية أبرزهم العميد محمد ابراهيم عبد الجليل «ود ابراهيم» واللواء عادل الطيب من الاستخبارات العسكرية بالإضافة الى عناصر مدنية. لكن لم تأتِ السلطات على ذكر أي من الأسماء المدنية.
وفيما نفى تحالف أحزاب المعارضة السودانية أي صلة له بمحاولة الانقلاب، أكدت تسريبات أن الاستجواب طال شخصيات اسلامية وقيادات في الحزب الحاكم بارزة كرئيس شعبة المؤتمر الوطني في البرلمان، غازي صلاح الدين، بالإضافة الى عناصر من مجموعة المجاهدين التي تطلق على نفسها اسم «السائحون». ويسود اعتقاد أن مخرجات مؤتمر الحركة الاسلامية، الذي عقد قبل فترة وجيزة، أدى الى تحريك الخلايا الجهادية النائمة وسط الحركة الاسلامية، التي ترى بأن الزمرة الحاكمة التهت بالسلطة وبعدت عن مبادئ الحركة الاسلامية، ولا سيما في العلاقة مع الجنوب لأنها تريد أن تقوم هذه العلاقة على الجهاد. وكانت ست مجموعات سارعت لإعلان رفضها الشديد لمخرجات، وأكدت انها ستواصل المطالبة بالإصلاح وإقصاء المفسدين من التنظيم.
وفيما أكد وزير الاعلام والمتحدث باسم الحكومة، أحمد بلال، أن التحقيقات مستمرة وربما تكشف الايام المقبلة عن أسماء جديدة، أوضح مصدر تحدث لـ«الأخبار» أن المجموعة التي سعت إلى تدبير الانقلاب كانت تحت المراقبة لفترة طويلة. وأضاف «ما لفت الانتباه الى مدير جهاز الأمن السابق قوش هو إخراج الرجل لـ 25 شخصاً من عائلته الى الولايات المتحدة الأميركية قبل عيد الأضحى لأسباب مختلفة». والأخير معروف بأن لديه علاقة وثيقة مع واشنطن منذ توليه لمنصبه في جهاز الأمن السوداني حتى العام 2009، ويعرف بأنه رجل أميركا في السودان. وأفاد المصدر ذاته بأن هناك افراداً من جهاز الأمن متورطون في العملية برتب مختلفة. ووصف المحاولة بأنها كبيرة تتصل بجهات خارجية. وقال «إسرائيل أبرز المشاركين بمحاولة الانقلاب». ووفقاً للمصدر، تبين للحكومة السودانية أن ضربة مصنع اليرموك للتصنيع الحربي كانت ضمن المخطط لإحداث حالة من التذمر وسط الشارع العام من سياسات الحكومة الدفاعية الفاشلة. كما أكد المصدر أن تحالف كاودا والحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة في دولة جنوب السودان من المشاركين في المحاولة، وأن هناك اتصالات بين المجموعة الداخلية والحركة الشعبية بواسطة قائد منطقة هجليج قبل سيطرة الجيش السوداني عليها. كما اعتبر أنه لا يمكن اغفال نقطة مهمة يمكن أن تبرر أي تحرك انقلابي في هذا الوقت بالذات؛ فحكومة الانقاذ الحالية ما فتئت تردد مراراً بأن تبريرها الوحيد للانقلاب على الحكومة الديموقراطية قبل 23 عاماً، كان هو إنقاذ البلاد من التدهور الاقتصادي والمعيشي الذي وصلت إليه. وواقع الحال الآن يقول إن الوضع الاقتصادي والمعيشي المنهار، لا مثيل له، بعدما تدهورت قيمة الجنيه السوداني إلى رقم غير مسبوق.
ويرى متابعون أن الشارع السوداني يعاني من حالة إحباط شديدة نتيجة الصدمات المتتالية التي هزت كيان السودان الدولة بدءاً بانفصال الجنوب وعطفاً على الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعاني منها الشعب وانتهاءً باتساع رقع الخلل الأمني الذي لن يكون تكرار اختراق اسرائيل للأجواء السودانية آخرها.
ورغم تشكيك البعض في صحة المعلومات حول المحاولة الانقلابية التي تحدثت عنها الحكومة للرأي العام، فهناك شبه إجماع على أن ما حدث عبارة عن صراع المصالح ومراكز القوة داخل الحزب الحاكم. وأن ما يجمع الاسمين البارزين في سلسلة المعتقلين (قوش، وود إبراهيم) هو سخطهما على الأوضاع العسكرية في البلاد وعلى وجه الخصوص اعتراضهما غير الخفي على سياسة وزير الدفاع عبدالرحيم محمد حسين. وربما تمثل هذه النقطة ارضية لإدارة عمل مشترك يصل الى درجة اقصاء الحكومة الحالية بإنقلاب عسكري على أن يحفظ لكل من الرجلين سلطتة في ما بعد. وبدا أن الاطراف المدبرة للمحاولة الانقلابية قد اختارت ساعة الصفر بعناية شديدة. وهو الشيء الوحيد الذي يبدو منطقياً لدى الخبير الأمني حسن بيومي، الذي تحدث لـ«الأخبار» طارحاً جملة من الاستفهامات التي تتطلب تفسير من الحكومة. وعاب عليها حال التعتيم الشديد لتفاصيل العملية، وهو ما اعتبره غير منطقي على اعتبار أن «الحكومة بسياستها التعتيمية تلك ستترك المجال مفتوحاً لمزيد من الشائعات والتأويل». ونبه الى أن المحاولة الانقلابية ستؤثر سلباً في مستقبل الاقتصاد السوداني.



أبرز المتّهمين

الفريق صلاح قوش (الصورة)، أحد أبرز المتهمين بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل، عمل مديراً لجهاز الامن والاستخبارات الوطني حتى 2009. وأقيل قوش من رئاسة جهاز الامن بعد شكوك حول تحركاته واتهامه بالسعى لقلب نظام الحكم بالتعاون مع قوى غربية، وانتقل بعدها إلى مستشارية الامن القومي التابعة لرئاسة الجمهورية واستمر فيها 3 سنوات، لكنه أعفي مرة أخرى بعد بروز خلافات بينه ونائب رئيس المؤتمر الوطني نافع علي نافع عندما قلل الأخير من أهمية الحوار الذي اطلقته المستشارية مع احزاب المعارضة السودانية.
أما العميد محمد إبراهيم عبد الجليل، فشغل منصب الملحق العسكري للسودان بنيروبي قبلها، وكان مسؤول أمن رئاسة الجمهورية. كما خدم في جنوب السودان فترة الحرب مدة اثني عشر عاماً. معروف بأنه من المجاهدين وأنه أمير ما يعرف بكتبة الدبابين. أما غازي صلاح الدين، فعرف بكونه المستشار المقرب من الرئيس السوداني عمر البشير، الذي أوكل إليه عدداً من الملفات الرئيسية بينها ملف إقليم دارفور قبل أن يعفيه من هذا المنصب. وأفادت معلومات مؤخراً أنه رفض ترشيح نفسه لمنصب الأمين العام للحركة الإسلامية لاعتباره أن المنصب أصبح بلا قيمة.