الخرطوم | لم تلطف رياح الشمال الباردة حرارة أجواء الساحة السياسية السودانية، التي تشهد هذه الأيام حالة من الاستقطاب لا مثيل لها بعد الكشف عن محاولة انقلابية الأسبوع الماضي. وتؤدي الشائعات دوراً رئيسياً في تشكيل الرأي العام، ولا سيما مع غياب المعلومات الرسمية، باستثناء تلك التي تصدر عن بعض المتنسبين إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم. ويبدو أن الجهات الرسمية لم تع الدرس جيداً، إذ تمارس حالة من التعتيم الاعلامي بعد اعلان الحكومة إبطالها لـ«المحاولة التخريبية»، لتسود حالة من الصمت الحكومي عن أي تفاصيل جديدة للمحاولة الانقلابية. ورغم أن التصريحات الرسمية الأولية قد أبعدت التهمة عن أحزاب المعارضة الداخلية، إلا أن وزير الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أحمد بلال، عاد أمس للكشف عن بعض المعلومات الجديدة. وتحدث عن ضلوع بعض قوى المعارضة في المحاولة الانقلابية، بل ذهب أكثر من ذلك وهو يحدد الرقم بقوله إن اثنين من قادة المعارضة كان لهم دور يتعلق بعمل اتصالات لمصلحة الانقلابيين مع قادة حركة العدل والمساواة الدارفورية، بالرغم من أن قوى المعارضة سارعت صبيحة يوم المحاولة إلى إصدار بيان نفت فيه وجود أية صلة لها بالمحاولة.
القيادي في حزب البعث السوداني، محمد جادين، قلل من جدية تصريحات بلال، وشدد في حديثه لـ«الأخبار» على أن المحاولة الانقلابية هي في الأساس صراع داخل الحركة الإسلامية، وحزب المؤتمر الوطني الحاكم.
ورأى أنه صراع تحديداً في أهم مراكز الحكومة بل مركزها الأساسي، وهو القطاع العسكري والأمني، مؤكداً أن الصراع يتمحور وسط عناصر هذا القطاع. ورأى أن المطلوب من الحكومة الآن هو أن تقدم المعلومات للشعب، وتجيب عن سؤال: ماذا حدث؟ ومن هم المشاركون؟
ونبه إلى أن أي حديث عن اقحام المعارضة في المحاولة من عدمه، يبقى نوعاً من الزوائد لا قيمة له، لأن الجميع يعلم أن هذا صراع داخلي.
ومنذ إعلان المحاولة الانقلابية يوم الخميس الماضي، تواجه الحكومة الكثير من التحديات في كيفية إدارة أزمتها الداخلية، والتعامل مع مستجدات الأحداث، ولا سيما أن الشائعات وجدت لها مناخاً جيداً للتكاثر، ما صرف الحكومة عن متابعة عدد من الملفات المهمة، في مقدمتها ملف العلاقة مع الجنوب، وسير تنفيذ اتفاقية التعاون المشترك معها.
وبدا لافتاً طلب رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس السوداني عمر البشير، تقديم دعوة لوزير الدفاع في جنوب السودان ورئيس اللجنة السياسية الأمنية لزيارة الخرطوم لاستئناف اعمال اللجنة وفق ما هو مقرر لها، وهو ما وجد التنفيذ الفوري من جانب السودان. غير أن حيثيات المكالمة الهاتفية بين الرئيسين أمس لم تفلح في اقتلاع بذور الشك لدى الشارع العام السوداني في ما يتعلق بصحة البشير، حيث سارت شائعات بأن البشير اتصل بنظيره الجنوبي من الرياض التي قيل إنه توجه إليها للخضوع للعلاج للمرة الثانية بعد إجرائه جراحة قبل فترة وجيزة في الحلق. وما جعل دائرة الشك تتسع ابتعاث الرئيس البشير لأحد مساعديه لحضور الجلسة الافتتاحية لمؤتمر التعدين العربي الذي يلتئم هذه الأيام بالخرطوم، غير أن السكرتير الصحافي للرئيس عماد سيد أحمد، برر لـ«الأخبار» غياب الرئيس عن تلك الفعالية بذهابه إلى مقارّ القيادة العامة للقوات المسلحة التي يخاطب منسوبيها بصورة دائمة يوم الثلاثاء من كل أسبوع.
لكن يحذر متابعون من أن امتناع السلطات الرسمية عن الافصاح بالمعلومات حول حقيقة مرض البشير أو المحاولة الانقلابية قد يؤدي إلى احداث حالة من البلبلة وسط المواطنين.
وبدا لافتاً اهتمام الحكومة بنفي أو تكذيب بعض الأخبار. وركزت الحكومة على تبرئة بعض الأسماء من المشاركة في المحاولة.
ونفت استقالة القيادي البارز في الحركة الإسلامية والحزب الحاكم، غازي صلاح الدين، الذي اعتذر عن عدم الترشح لأمانة الحركة بعد أن فقد المنصب صلاحيته في ظل وجود هيئة قيادية بحسب قوله. فمستشار الرئيس السابق، الاصلاحي، خرج من مؤتمر الحركة غاضباً، وتردد اسمه ايضاً ضمن المشاركين في المحاولة الانقلابية، قبل أن ينفي الحزب ذلك بشدّة. لكن وفق مصادر موثوقة تحدثت لـ«الأخبار» فإن استقالة غازي صلاح الدين من الحزب صحيحة، والرجل يرتب لمسألة اختيار الوقت المناسب لإعلانها بعد أن يستقر به المقام في لندن نهائياً.