عاد مقتدى الصدر وعادت معه الاستعراضات الجماهيرية، المدنية هذه المرة، في توقيت عدّه البعض بالغ الحساسية، مع بقاء أشهر فقط على انسحاب آخر القوات الأميركية، مع تلميح إلى أنها عودة جرت بطلب إيراني، أو رغبة إيرانية، كأنّ وجود زعيم التيار الصدري في بلاد الرافدين وإمساكه مباشرةً بالأرض، باتا مطلوبين لضمان حسن أداء نوري المالكي. ولعل الرسائل الثلاث التي حملها، من دعم للحكومة وللوحدة الوطنية ورفض للمحتل، تعبّر عن حال كهذه.
غير أن المقرّبين من السيد الصدر يؤكّدون أنْ «لا شيء غير عادي» في هذه العودة، التي «لم يحسم بعد إن كانت ستكون دائمة أو لا». يضيفون «هو يريد أن يعود منذ البداية، أصلاً ما كان ليغادر لولا الظروف الأمنية ومشاكله مع الحكومة التي لم تكن تسمح له بالعودة».
وتتابع المصادر نفسها أن الصدر «أصبح الآن شريكاً في الحكومة، بل الشريك الأساس لنوري المالكي، وقد تلقى تطمينات (أمنية) هي التي جعلت العودة ممكنة»، مؤكدة أن «العلاقة إيجابية جداً بينه وبين الإيرانيين، بل في أحسن أحوالها». أما في ما يتعلق بالدعوة المقامة من جانب آل الخوئي بحقه، فتشير المصادر إلى أن «حلها سيجري في البيت الداخلي الشيعي، بعيداً عن الأنظار، وتمليه موازين القوى السياسية. هناك ضمانات بعدم تحريكها».
أما أوساط السيد الصدر، التي تؤكد أن «لا نية لإحياء جيش المهدي»، فترى أنّ «العودة (إلى النجف) دائمة إن شاء الله»، مشيرةً إلى أن «توقيتها ليس مرتبطاً بشيء. ربما بقرب ذكرى 40 الإمام الحسين، وفي أعقاب تأليف الحكومة. في النهاية، هي عودة طبيعية». وتضيف الأوساط نفسها، في ما يتعلق بالمشكلة مع آل الخوئي، إن «هناك جهوداً لحلها. أصلاً هذا الملف انتهى. أغلق من زمان. وليس هناك إجراء قانوني في هذا الإطار ليُلغى. حتى مذكّرة التوقيف التي صدرت قبل أعوام بحق السيد جاءت بضغط سياسي من المحتل. مذكّرة سياسية لا قضائية».
في المقابل، فإن أوساط المالكي تؤكد أن «عودة الصدر مؤقتة. لم يترك إيران نهائياً. لم يصفِّ أموره فيها بعد»، مضيفةً إنّ «مشكلته مشكلة. لا بد أن يسوّي وضعه مع آل الخوئي؟ صحيح أن أحداً لم يحرك الدعوة ضده، لكنها دعوة جنائية شخصية مرتبطة بالشخص المدعي وستبقى موجودة ما دام هذا الشخص لم يتنازل عنها».
وكانت عائلة الخوئي قد هددت الخميس، على لسان حيدر الخوئي، المقيم في لندن، بـ «تفعيل قضية اغتيال عبد المجيد الخوئي دولياً إذا لم يتخذ القضاء العراقي إجراءات بحق مقتدى الصدر» المتهم بتحريض أنصاره على قتل الخوئي في نيسان 2003.
وتوارى الصدر عن الأنظار في حزيران 2007، ولم يعرف مكانه إلا في نيسان 2008 عندما ظهر أنه يتابع دروسه الحوزوية في قم.
وقال الصدر، في كلمة ألقاها أول من أمس أمام عشرات الألوف من أنصاره في منطقة الحنانة في النجف، «أدعو الى فسح المجال أمام الحكومة الجديدة لخدمة الشعب بأسرع وقت ممكن، وخاصةً في ملف الأمن والخدمات وإنهاء ملف الفقر»، مشدّداً على أنه «إذا كانت الحكومة في خدمة الشعب وتوفير الخدمات والأمن له، فنحن معها لا عليها، وإذا لم تخدم الشعب، فهناك طرق سنتّبعها سياسياً لا غير، لإصلاحها».
وأضاف الصدر، الذي اختار موقع بيت والده، المرجع محمد صادق الصدر، الذي قتله نظام الرئيس صدام حسين في 1999 مع اثنين من أبنائه في النجف، إنّ «الاغتيالات التي تحدث هنا وهناك مرفوضة ولا يمكن أن نقبلها ولا بد أن نطوي صفحة الماضي لنعيش متكاتفين بأمن وأمان»، مشيراً إلى أن «الشعب العراقي لا يحتاج إلى أعداء بل إلى أصدقاء».
وأكد الصدر، الذي عاد إلى النجف الأربعاء الماضي بعد غياب دام أكثر من ثلاث سنوات ونصف سنة قضاها في قم الإيرانية لغرض الدراسة، «نحن ملتزمون بمقاومة المحتل بكل أنواع المقاومة، ولن تمتد أيادينا إلا على المحتل»، مضيفاً «لن نستهدف أيّ عراقي، بل سيبقى المستهدف الوحيد هو المحتل ليس إلّا». وشدد على عدم إتاحة حمل السلاح أمام الجميع «وإنما لأهل السلاح فقط»، في إشارة بدت دعماً للجيش والشرطة ولتهدئة المخاوف من إحياء «جيش المهدي». وتابع أن «رفض المحتل في القلوب أيضاً هو مقاومة»، مطالباً الحكومة بـ «الإيفاء بوعودها بإخراج المحتل بالطريقة التي تجدها مناسبة»، وداعياً إياها إلى «الإفراج عن المعتقلين والمقاومين الأبرياء».

عصائب أهل الحق

وبالحديث عن جيش المهدي، يبدو أن المشكلة الرئيسة التي أدت إلى تجميده، والتي لا تزال تؤرق الصدر، هي عصائب أهل الحق، التي حمّلها زعيم التيار الصدري في 18 كانون الأول الماضي، في رد على استفسار من أحد أتباعه، مسؤولية الحرب الأهلية والفتنة المذهبية في العراق.
وتقول مصادر قيادية في التيار الصدري إن «عصائب أهل الحق كانت النواة الرئيسة والمقاتلة في جيش المهدي بقيادة قيس الخزعلي، بمعنى أنها كانت الوحدات الجهادية داخل هذا الجيش». وتضيف إن «هذه العناصر مع الوقت بدأت ترى في نفسها أنها العمود الفقري لجيش المهدي، وبدأت تسعى إلى نوع من الاستقلال الذاتي والإحساس بأن قرارها يجب أن يكون بيدها، ما عدّه السيد مقتدى تمرداً على سلطته». وأوضحت المصادر نفسها أن «قادة الكتائب كانوا يرون أنهم يستطيعون أن يتدبروا أمرهم من غير السيد ومن غير جيش المهدي. أمّا قيادة التيار، فكانت تعرف خير معرفة أن جيش المهدي كان حاضن هذه الكتائب وحاميها، بمعنى أنها كانت قادرة على الذوبان داخله. عندما كان جيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات، كان يقبض على العناصر الطرفية بينما كوادر العصائب تبقى سليمة». وتابعت «لذلك حل السيد مقتدى جيش المهدي. قال لهم باختصار: أروني كيف ستتدبرون أمركم من دوني ومن دون جيش المهدي».
مصادر على علاقة وثيقة بهذا الملف تؤكد أن «المشكلة كانت عند الصدر نفسه. يريد أن يمسك بكل الأمور، وأن يكون المرجع الرئيس والوحيد لبتّ كل كبيرة وصغيرة. والأخطر أنه، من دون معرفة عسكرية، كان يريد أن يسمي قادة الوحدات والتقرير في أمور، ميزتها الرئيسة أنها يجب أن تبقى سرية».
وتضيف المصادر نفسها إنّ «هذا الوضع وضع الإيرانيين في حيرة من أمرهم. لا يستطيعون إغضاب الصدر ولا يستطيعون التخلي عن العصائب»، مشيرةً إلى أن «الصدر لا أحد يمكنه تحمّله. عمد طوال فترة إقامته في طهران إلى تهديد الإيرانيين بمغادرتها إلى بيروت. يرفض أيّ إملاء من جانبهم عليه. حتى مرافقوه الإيرانيّون، كثيراً ما سجنهم في غرفة وأغلق الباب، أو أنه حاول دهسهم بالسيارة. الإيرانيون يراعون خواطره. يدركون أنهم لا يستطيعون شيئاً حياله».
المصادر نفسها تؤكد أن الصدر «نضج كثيراً مذ تسلّم الساحة مع سقوط صدام. بات مستمعاً جيداً، يسأل ويشاور، لكنه في النهاية يعمل ما يريده، ولا يمكن توقّع تصرفاته».
مصادر عليمة بما يجري خلف الكواليس تؤكّد أن «الأجهزة المعنية الإيرانية تعمل على تجهيز وإعداد وتدريب الكوادر الصدرية من القاعدة صعوداً إلى القمة بشكل أنه مع الوقت تتساقط الشخصيات غير المؤهلة في الصفوف العليا لصالح جيل جديد من المعَدّين إعداداً ممتازاً».


المالكي لا يستعجل استكمال التشكيلة الوزارية: الأمن لي




الأمن في العراق لا يزال خطاً أحمر بالنسبة إلى نوري المالكي، المتمسك بإبقاء هذا الملف بين يديه ولو أدى ذلك إلى تأخير اكتمال نصاب حكومته، التي تواجه استحقاقاً ضخماً باستضافتها القمة العربية في آذار المقبل

يبدو أن جهود استكمال التعيينات الوزارية تجري على نار هادئة في بلاد الرافدين، حيث عادت الدبلوماسية الإيرانية لتطل برأسها، ومعها الدبلوماسية العربية ممثلة بعمرو موسى، الذي زار على مدى اليومين الماضيين بغداد، التي أجمع قادتها على رفض عقد القمة العربية المقبلة إلّا في عاصمة الرشيد وبرئاسة العراق.
وتؤكد أوساط المالكي أنه «لا تزال هناك مشكلة مع الكيانات السياسية لملء الشواغر في المناصب الوزارية. صحيح أن الأفق غير مسدود، لكنّ الاتفاق لم يصبح بعد في متناول اليد». وتوضح هذه الأوساط أن «رئيس الوزراء لا يستطيع أن يترك الأمن خارج يديه، ما يؤدي إلى قيام كيانات أمنية غير منسجمة»، موضحةً أنّ «الأصل في الوزارات الأمنيّة أن يعرض المالكي مرشّحين لها تقبل بهم الكيانات السياسية أو ترفضهم، لا العكس على ما تحاول هذه الأخيرة أن تفعل»، ومشيرةً إلى أنّ «المالكي رفض مرشح إياد علاوي لوزارة الدفاع، فلاح النقيب».
أما بالنسبة إلى الوزارات الأخرى، فتضيف المصادر إنّ «القوائم السياسية ليست متفقة في ما بينها على مرشحيها لشغلها»، مشيرةً إلى أن «القاعدة في هذه الحال أن تقدم القوائم مرشّحيها على أن يقبل المالكي بهم أو يرفضهم». وتتابع، في ما يتعلّق بإياد علاوي، «يعملون على حل ملف مجلس السياسات الذي يفترض أن يرأسه. لا مشكلة في هذا الموضوع، وها هو علّاوي موجود في بغداد ويشارك في الحياة السياسة. أنهى اعتكافه منذ وقت طويل».
شركاء السر في مفاوضات تأليف الحكومة يقولون إن «المالكي يعتزم إرجاء تسمية الوزراء الأمنيين. يريد تأخير هذا الملف إلى أن تهدأ الأمور»، مشيرين إلى أن «المالكي لن يعطي، على الأغلب، وزارة الدفاع لأيّ من جماعة علاوي. بل ربما لن يعطيها لأيّ من شخصيات القائمة العراقية». ويضيفون، في ما يتعلق بعلاوي، «حتى أقرب المقربين منه يتآمرون عليه. سلوكه غير مفهوم. هل يعقل أن يكلف أكرم زنكنة، المعروف بعلاقاته بالموساد والسي أي إيه، إدارة حركة الوفاق التي يتزعمها؟ هل بات يلعب على المكشوف إلى هذا الحد؟».

موسى والقمة

في هذا الوقت، أعادت زيارة الأمين العام للجامعه العربية، عمرو موسى، إلى بغداد، آمال العراقيين باستضافة دولتهم الدورة الثالثة والعشرين للقمة العربية المقرّرة في نهاية شهر آذار المقبل. هذا على الأقل ملخَّص الأجواء التي أشاعها موسى والمسؤولين العراقيين الذين التقاهم خلال اليومين الماضيين. آمال عزّزتها مواقف سريعة من نوع ذلك الذي صدر عن العاصمة اليمنية صنعاء ومفاده أن اليمن سيشارك في قمة بغداد بوفد يتقدمه الرئيس علي عبد الله صالح، المعروف بعدائه لرئيس الحكومة العراقية نوري المالكي.
ولا يزال كثير من الدول العربية مصرّة على رفض التطبيع الكامل مع أيّ حكومة عراقية يرأسها المالكي. وأكّد موسى، في كلمة له أمام البرلمان العراقي، أنّ القمة المقبلة في بغداد ستكون «منطلقاً لصفحات جديدة تكتب في حاضر المنطقة ومستقبلها، لأن العراق سيعود لأداء دوره القيادي في الوسط العربي».
بدوره، رأى المالكي أنّ انعقاد القمة في العراق يُعَدّ «رسالة إلى العالم بأنه ملتزم بمحيطه العربي»، مثمّناً موقف الجامعة الداعم لعقد القمة المقبلة في بغداد.
وكشف المالكي أن موسى «وعدنا بإرسال مقترحات للموضوعات التي ستطرح في القمة».
وأوحى المالكي بأن القمة ستُعقَد لا محال في بغداد، وهو ما جاراه فيه موسى، الذي ذكّر مراراً أنّ زيارته تهدف «إلى الاطّلاع على استعدادات العراق لاستضافة القمة، وبحث البنود الأساسية التي ستعرض عليها»، واصفاً الاستعدادات الجارية لاستضافة القمة بأنها «على درجة عالية من الكفاءة».
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية هوشيار زيباري، بشّر موسى بأن «جميع الدول العربية ستشارك في قمة بغداد مع اختلاف نسب التمثيل لكل دولة». وكان لافتاً إجماع جميع المسؤولين العراقيين على رفض أيّ اقتراح بنقل مكان القمة العربية من بغداد إلى عاصمة عربية أخرى، حتى لو كانت دولة المقر وبقيت برئاسة العراق، على قاعدة أنّ الهاجس الأمني لهذه القمة «يحتل الأولوية المطلقة في برنامج الحكومة العراقية».

صالحي و«اللعب على المكشوف»

أما في ما يتعلق بزيارة وزير الخارجية الإيرانية علي أكبر صالحي الأسبوع الماضي إلى العراق، فتؤكد أوساط المالكي أنها «استهدفت التهنئة بالحكومة الجديدة، إضافةً إلى تقريب وجهات النظر بين البلدين، اللذين لا تخلو العلاقة بينهما من المشاكل، وإن كانت غير مستعصية. هناك مثلاً مشكلة المياه المالحة في البصرة، وملف تجهيز الكهرباء اللذان تكفّل بهما الإيرانيون، وهي مشاكل وصفها صالحي بأنها فنية نعمل على إزالتها. لسان حاله كان على طول الخط: فليكن ما تريدون».
مصادر قريبة من أروقة صناعة القرار في طهران تؤكد أن «هذه الزيارة كانت عادية جداً في توقيتها وسياقها. الدبلوماسية الإيرانية كانت مغيَّبة عن العراق طوال العام الماضي، مخلية المكان لأجهزة أخرى للتعامل مع هذا الملف. لم يحصل في زيارة صالحي شيء غير الذي جرى الإعلان عنه. هذه دبلوماسية، والدبلوماسية الإيرانية تعمل على المكشوف، خلافاً للأجهزة الأخرى».