جنيف| من المعروف أنّ الأسواق تتفاعل مع الاضطرابات. فهي إما أن تكون على ارتفاع بحسب مبدأ «اشترِ عندما تسمع صوت المدفع»، وإما على هبوط وفق مبدأ «خبّئ قرشك الأبيض ليومك الأسود». إلا أنّ الأسواق تواجه هذه المرة ظاهرة جديدة لم يشهدها التاريخ؛ فللمرة الأولى تنطلق عدة ثورات متزامنة في عدد من البلدان تجمعها روابط متشابهة، إن كان من ناحية الأسباب أو من ناحية تأثيرها على السوق العالمية، وخصوصاً سوق الطاقة، إضافة إلى تأثيرها على الاستقرار في المنطقة وقلبها لموازين القوى.بالطبع، منذ انطلاق الثورة التونسية وبعدها المصرية، توجّهت الأنظار إلى مراقبة مؤشرات أسعار النفط، وخصوصاً بسبب المخاطر التي حامت فوق قناة السويس ومصير معاهدة السلام المصرية ـــــ الإسرائيلية. ومع تنقُّل نار الثورات شرقاً وغرباً، ازداد هلع الأسواق، وامتد تذبذب الأسعار إلى مؤشرات المحافظ المالية، بعدما بدأت أصوات الثورة تزمجر في البحرين، «بلد الـ٤٠٠ مصرف»، الذي يشير إليه الخبراء في سويسرا بأنه «خزنة الخليج».
وفي عطلة نهاية الأسبوع، مع انطلاق شرارة التمرد على حكم معمر القذافي، وانزلاق تصدّي النظام لها بطريقة إجراميّة، لم يتردد المتحدث باسم الحكومة الفرنسية فرنسوا باروا من وصفه بأنه «حرب أهلية»، وباتت أصداء الثورات تصل إلى عقر دار أوروبا، وهو ما ذكّر به الكلام التهديدي لسيف الإسلام القذافي بأن الحرب اليوم «على بعد ساعة من أوروبا».
ولم تتأخّر الأسواق عن تظهير قلق المستثمرين والشركات الكبرى، وخصوصاً النفطية منها، بما أن وزن الإنتاج النفطي الليبي الذي يبلغ ١.٥٨ مليون برميل في اليوم، يمثّل ٥ في المئة من إنتاج منظمة «الأوبك» التي توفّر ٤٠ في المئة من الاستهلاك العالمي لهذه الطاقة الحيوية. غير أنّ جميع الخبراء يتفقون على أن أي بلبلة في تصدير النفط الليبي يمكن أن تنعكس سلباً على الأسواق الأوروبية، وهو ما يفسر ارتفاع أسعار خام البرنت أكثر من دولارين، ليصل إلى ١٠٤.60 دولارات للبرميل، وهو أعلى مستوى له منذ عامين ونصف عام. في المقابل، ارتفعت العقود الآجلة للنفط الأميركي أيضاً دولارين، لتصل إلى ٨٨.٤٢ دولاراً للبرميل، في ردّ فعل على إعلان شركة «بريتش بيتروليوم» تعليق التجهيزات لأعمال تنقيب كانت تزمع البدء بها في الغرب الليبي، وخصوصاً بعد تهديد زعيم قبيلة «الزوية» بقطع صادرات النفط ما لم تتوقف السلطات عن قمع المتظاهرين.
وفي الوقت الذي توقف فيه ضخّ النفط من حقل النافورة في الجنوب، بسبب إضراب عمالي، أعلنت شركة «إيني» الإيطالية أن الإنتاج كان مستمراً على نحو طبيعي في حقولها خلال الـ٢٤ ساعة الأخيرة.
كذلك سجلت بورصات أوروبا، أمس، ردود فعل على «الحالة الليبية»، انعكست تراجعات في المعاملات، مع توقّع تراجع أيضاً في بورصتي نيويورك وشيكاغو بسبب الوضع «الدامي للثورة الليبية».
ويتفق المراقبون على تضافر عدة عناصر أسهمت في قلق الأوساط المالية في العالم، أبرزها تأخُّر الغرب عن إدانة عنف السلطات الليبية، وهو ما قد يكون شجّع النظام الليبي على «الذهاب حتى النهاية»، ما قد يقود إلى حرب أهلية ـــــ قبلية. وثانيها تنامي قوة المرتزقة الذين جلبهم القذافي لحماية نظامه، وإمكان خروج الأمور عن أي سيطرة، واحتمال اندفاع هذه المجموعات الأجنبية في سيناريو مشابه لما يحصل في
الكونغو.