بعد ثمانية أسابيع من بدء التحركات الاحتجاجية في سوريا، بدأت قوى 14 آذار اللبنانية تعلن موقفها إزاء ما يجري في دمشق: «نحن نؤيّد الثورة ضد نظام بشار الأسد». وأول تعبير «شبه رسمي» عن هذا الموقف، سيظهر في لقاء سيشهده فندق البريستول يوم الثلاثاء المقبل. فمنذ أن انطلقت شرارة الاحتجاجات، عادت «اللمعة» إلى عيون مسؤولي قوى 14 آذار. هم لم «يبلعوا» يوماً فكرة التقارب السوري – السعودي، التي أدّت إلى فرض حالة من الصمت الآذاري تجاه النظام السوري منذ نهاية عام 2009، وهم الذين بنوا الجزء الأكبر من خطابهم السياسي على معاداته.ومنذ أن تدحرجت كرة الثورات العربية من تونس، أخفى الآذاريون خيبتهم. فالأنظمة التي لطالما وضعها خطاب الأمانة القامة لقوى الرابع عشر من آذار في فسطاط «قوى 14 آذار العربية» (بحسب التعبير الذي كان يكرّره منسّق الأمانة العامة فارس سعيد)، بدأت بالتهاوي. وفيما كانت وسائل إعلام قوى 14 آذار منقسمة بين متجاهل للانتفاضة المصرية ومكتفٍ بنقل وجهة نظر النظام، عاد «ثوار الأرز» ليلتحقوا بركب ميدان التحرير في القاهرة، قبيل سقوط النظام المصري أو بعده بلحظات. كان ذلك قبل أن يتولى بعضهم نسبة ما يجري بين المحيط والخليج إلى انتفاضة عام 2005 البيروتية.
وسرعان ما تبدّدت الآثار السلبية التي خلّفها سقوط حسني مبارك، أحد الحلفاء الكبار لقوى الأكثرية اللبنانية السابقة. فالاحتجاجات السورية أعادت إحياء الروح التي كانت سائدة في معسكر «ثوار الأرز» بعد عام 2005، عندما راهن كثيرون منهم على سقوط النظام السوري، بل ذهب بعضهم (كالرئيس سعد الحريري) إلى حد محاولة إقناع الأميركيين بالبديل («الإخوان المسلمون» وعبد الحليم خدام، بحسب ما ظهر في البرقيات الصادرة عن السفارة الأميركية في بيروت).
وخلال الأسابيع الماضية، عاد الخطاب ذاته، لكنه بقي أسير الجدران والغرف المغلقة. فقرار رئيس حكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري، الموحى به من المملكة العربية السعودية، يقضي بتجنّب إبراز أيّ مظهر من مظاهر الفرح والنشوة بما يدور خلف حدود الدولة السورية.
بعض مسؤولي تيّار المستقبل، من الذين تحسّنت علاقاتهم بالنظام السوري خلال العامين الماضيين، استعادوا قاموس ما قبل زيارة الرئيس سعد الحريري إلى دمشق. تخلوا عن اعتقادهم بأن النظام في سوريا سيقف إلى جانبهم لمواجهة حزب الله.
لكن الهدف ذاته لا يزال نصب أعينهم. فما يجري في سوريا اليوم، «سيؤدي حتماً إلى سقوط النظام، سواء بقي الرئيس بشار الأسد على رأس هذا النظام أو لم يبقَ»، على حد قول أحد المسؤولين المقربين من الرئيس سعد الحريري. وبناءً على ذلك، سيُعاد رسم معالم المنطقة، مع ما يعنيه ذلك من حشر لحزب الله وحلفائه في الزاوية بعد انقطاع خط الإمداد العسكري والسياسي – الاستراتيجي عنه.
هذا الكلام يبقى متداولاً في الخفاء. أما علناً، فلم يصدر أي موقف رسمي عن أحزاب الرابع عشر من آذار وتشكيلاته. لكن بياناً صدر قبل أسبوعين، «تضامناً مع الشعب السوري الذي يريد العبور إلى الديموقراطية»، حاملاً توقيع نحو 130 شخصية يدور معظمها في فلك قوى الرابع عشر من آذار، وبالتحديد في فلك الأمانة العامة، فيما لا يحمل بعضها أيّ صفة تنظيمية في قوى الأكثرية السابقة.
ومنذ صدور البيان، باشر ثلاثة من موقّعيه البحث في تحويله إلى لقاء يُعقَد تضامناً مع «انتفاضة الشعب السوري ودعماً لحريته وكرامته». وهؤلاء هم الناشط السياسي شارل جبور والإعلامي (في قناة «أخبار المستقبل») نديم قطيش والقيادي السابق في تيار المستقبل صالح المشنوق. وبعد التداول، تألفت لجنة تضم نحو عشرة أشخاص، اتفق أعضاؤها على عقد لقاء في فندق البريستول يوم الثلاثاء المقبل (17 أيار 2011). وستوجّه اللجنة الدعوة لحضور اللقاء إلى نحو 300 شخصية، معظمها مقرب من قوى الرابع عشر من آذار، على أن تشمل أشخاصاً غير منتمين إلى أي تيار سياسي. ويؤكد المشنوق أنهم لم ينسّقوا تحركهم مع أيّ من أحزاب قوى 14 آذار وتياراتها، علماً بأن معظم النواب الذين تلقوا الدعوة لا ينتمون إلى أيّ من الاحزاب الثلاثة الرئيسية (المستقبل والكتائب والقوات).
ويرفض المشنوق إمكان وضع اللقاء المزمع عقده ضمن خانة التدخل في الشؤون السورية، «فهو، بالحد الأدنى، أقل تدخلاً من الدعم الذي يعلنه البعض للنظام السوري». ويلفت إلى أن للتحرك دافعين رئيسيين، الأول «إنساني، للتعبير عن رفض القتل الذي يتعرّض له المتظاهرون في سوريا». أما الثاني فسياسي، وعنوانه أن «الديموقراطية في سوريا ضمانة لاستقلال لبنان».
في المقابل، يؤكد منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار، فارس سعيد، أن اللقاء عُقد بدعوة من الناشطين الثلاثة واللجنة التي تألفت، علماً بأن سعيد هو أحد الداعين إلى توقيع البيان السابق، وسيشارك في لقاء البريستول يوم الثلاثاء المقبل. ويبرر سعيد عدم تولي الأمانة العامة تنظيم اللقاء بالقول: «لو أن الأمانة العامة كانت عرابة اللقاء، لأمكَن (الرئيس السوري بشار) الأسد أن يضع التحرك في جيبه ليقول: انظروا، إنها المؤامرة».
وقال سعيد إن «اللقاء لن يأخذ طابع الديمومة، ولن يكون تحت طربوش 14 آذار»، ثم يضيف ممازحاً: «إذا أردت، تستطيع القول إننا البيئة الحاضة، لا أكثر».