كرّس الرئيس الأميركي باراك أوباما القسط الأكبر من خطابه للربيع العربي الذي هبّت رياحه من تونس. ورغم أنه ذهب إلى حدّ التغزّل بتوق الشعوب العربية إلى الكرامة والحرية، فإنه لم يمر على ذكر المملكة العربية السعودية ذات الانتهاكات الموصوفة لكرامة مواطنيها، وخصوصاً الأقليات والنساء، الأمر الذي أثار الكثير من الأسئلة بشأن الموقف الأميركي الفعلي من حدود جغرافية التغيير الآخذة في الاتساع.ولم يعد سراً أن جانباً رئيسياً من إغفال أوباما للسعودية وإسقاطها من أجندة التغيير يعود إلى خلافات أميركية سعودية بشأن ملف الثورات العربية. وقد بدأ التباين بين الطرفين منذ أن طالبت واشنطن الرئيس التونسي زيد العابدين بن علي بالتنحّي. وحسب مصادر سعودية، فإن الملك عبد الله اتصل بالرئيس الأميركي من مقرّ استراحته العلاجية في المغرب، وطلب منه تخفيف الضغط على بن علي. وتقوم حجّة العاهل السعودي على أن مسايرة واشنطن للتحركات الشعبية من شأنها أن تجرّ إلى الفوضى، وتقود إلى خريطة سياسية جديدة يصعب التحكم فيها.
ويؤكد المصدر السعودي أن أوباما اعتذر من الملك السعودي، وبرّر له موقف واشنطن الذي لا يستطيع أن يتجاهل الهبّة الشعبية، وأن الولايات المتحدة محرجة من تأييد الأنظمة الديكتاتورية لزمن طويل، وتشعر أنها مضطرة إلى اختيار صف المتظاهرين وفق نظرة تقوم على ضبط إيقاع المدّ الشعب. ولذا، فإن أكثر ما يمكن أن تدافع عنه في هذه المرحلة هو أجندة إصلاح تقوم بها الحكومات قبل أن يتطور الموقف نحو الانفجار، ولا تعود هناك إمكانية للتهدئة أو البحث عن حل وسط.
وقال المصدر إن الرئيس الأميركي نصح الملك عبد الله بأن يستخدم نفوذه لدى أصدقائه من الحكام العرب من أجل المسارعة إلى الإصلاح، واقترح عليه أن تتولى السعودية الدعوة إلى مؤتمر قمة عربي يناقش مسألة الإصلاح، وأن تتقدم بمبادرة في هذا الشأن. ولكن العاهل السعودي اعتذر عن ذلك، لأن عرضاً من هذا القبيل لن يكون له صدى خارج بعض الدوائر الخليجية. وأشار المصدر إلى أن الملك عبد الله فهم من الاقتراح الأميركي أن تتبنّى السعودية استراتيجية تنمية عربية، وتموّلها هي ودول الخليج، وهو أمر لم يتحمّس له السعوديون في صورة عربية شاملة، واكتفوا فقط بأن يباشروه في الخليج من خلال تقديم مساعدات إلى البحرين وسلطنة عمان. عشرة مليارات دولار لكل بلد، على مدى عشر سنوات، وهو أمر لم يثر ردود فعل إيجابية، نظراً إلى تواضع المبلغ المكرّس للبلدين، مقارنة بحجم الصعوبات الاقتصادية الراهنة في كل من سلطنة عمان والبحرين.
تطور التباين الأميركي السعودي وصار خلافاً حاداً، حينما بدأت الولايات المتحدة تطالب الرئيس المصري حسني مبارك بالتنحّي. وهنا عاود الملك عبد الله الاتصال بأوباما من جديد، وكرر على مسامعه ما كان قد طلبه بصدد حالة بن علي، بل أبلغ أوباما أن السعودية تعتبر رحيل مبارك خطاً أحمر، وهي لن تسكت على ذلك، وساند الموقف السعودي دولة الإمارات العربية. وانعكس ذلك لاحقاً في ممارسة ضغوط اقتصادية على الحكم المصري الجديد، من أجل منع محاكمة مبارك وأفراد عائلته.
ونقطة الخلاف الأخرى هي قرار المملكة إرسال قوات عسكرية إلى البحرين لدعم نظام الأقلية الحاكم هناك ضد حركة الاحتجاجات. ويؤكد مصدر سعودي أن الرياض لم تستشر واشنطن في الأمر حينما قررت إرسال قوات «درع الجزيرة» إلى البحرين. كذلك فإن السعودية امتنعت عن الأخذ بنصيحة أميركية بشأن التعامل مع أزمة البحرين، وأوضحت عوضاً عن ذلك أنها لن تتسامح مع أي تحديات ديموقراطية على حدودها، بل هي مستعدة أيضاً لتجاهل ورفض أي ضغط أميركي. وقال المصدر إن الجانب السعودي تصرّف من موقع قوة في اللقاءات التي أعقبت اجتياح البحرين، ورفض طلباً أميركياً بتقديم مساعدات اقتصادية عاجلة إلى مصر لمساعدة اقتصادها الذي تضرر في الأشهر الأخيرة، واشترط ربطها بوضع مبارك. ويرى المصدر السعودي أن هذا التجاذب يبيّن حدود التأثير الأميركي على الرياض في هذه الفترة، ولكن واشنطن لن تستطيع البقاء مكتوفة الأيدي إذا وصلت رياح التغيير إلى المملكة.