بغداد | يكاد نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في العراق يتناسون سير العمليات العسكرية الجارية في محافظتي الأنبار وصلاح الدين، والحديث عن الاستعدادات الجارية للبدء بعملية تحرير مدينة الموصل من سيطرة «داعش»، وذلك لانشغالهم بأزمة التيار الكهربائي التي تأخذ بالتفاقم يوماً بعد آخر، تزامناً مع الأزمة المالية وسياسة التقشف التي بدأت تظهر نتائجها وآثارها تدريجاً على المواطن مع انقضاء النصف الأول من العام الحالي، وخصوصاً بعد قرار شركات الهاتف المحمول رفع تكلفة بطاقات الشحن وأسعارها.
وظهرت النواة لحالة السخط الشعبي والجماهيري في تظاهرات حاشدة نظمها ناشطون وإعلاميون في ساحة التحرير، وسط العاصمة بغداد. وتجمع قرابة 5000 شخص في الميدان الأشهر في العراق في تظاهرة، هي الأكبر في تاريخ البلاد منذ سنوات، احتجاجاً على قضايا جديدة قديمة، ومطالب هي نفسها منذ 12 عاماً (سوء الخدمات وتراجع واقع الطاقة الكهربائية والفساد).
أحد منظمي الاحتجاجات، مصطفى سعدون أوضح لـ«الأخبار» أن المتظاهرين طالبوا بأبسط الحقوق، التي لم تتمكن الحكومات السابقة من توفيرها برغم إنفاق المليارات.
ويكشف سعدون أن «الأموال التي صرفت على ملف الطاقة تقدر بأكثر من ٣٥ مليار دولار، لكنها لم تتناسب مع حجم الطاقة المنتجة، ولم يحاسب أي مسؤول عن الفساد في مشاريع الكهرباء وغيرها من الملفات الحيوية».

طلب العبادي من وزير
الكهرباء تقديم استقالته نتيجة الضغوط التي يتعرض لها


من ناحيته، أشار الناشط غضنفر لعيبي إلى أنه بالرغم من «التزام المتظاهرين بقواعد الاحتجاج السلمي، تحت مظلة الدستور الذي يكفل حق التظاهر السلمي، إلا أن بعض المتظاهرين تعرضوا لمضايقات».
وكشف لعيبي لـ«الأخبار» عن تعرض بعض المتظاهرين لاعتقال لعدة ساعات والتحقيق معهم، مطالباً الحكومة بمعرفة مسوغات اعتقال مواطنين عزل، مارسوا حقهم الدستوري بالتظاهر والاحتجاج، وفتح تحقيق عاجل بالحادث، وتقديم اعتذار رسمي للمتظاهرين الذين انتهكت حرياتهم بلا وجه حق.
وبشأن المخاوف من سرقة التظاهرات وتسييسها، وخصوصاً أن هناك حديثاً عن دفع سياسيين مبالغ مالية كبيرة لبعض الناشطين والإعلاميين بهدف تحشيد الشارع للخروج، أكد الناشط بهاء كامل أنه ليس هناك أي متحدث رسمي، أو جهة معينة تنظم التظاهرات، سواء التظاهرة التي شهدتها ساحة التحرير أو بقية المحافظات.
وشدد كامل في حديث إلى «الأخبار» على أن «من غير المقبول أن تتبنى جهة أو حزب أو منظمة غير حكومية مطالب المتظاهرين لصالح فئة معينة ولا يحق لجهة سياسية أن تنصب نفسها وصياً على العراقيين، وكل من خرج في ساحة التحرير وبقية التظاهرات هو متحدث باسم العراقيين».
وبشأن إمكان تشكيل وفد مفاوض أو متحدث باسم المتظاهرين، أوضح كامل أن «التظاهرات هي صوت الفقراء والمعوزين، والمظلومين، وإذا أردنا تنصيب متحدث باسم المتظاهرين فسيكون هو أبسط وأفقر شخص وجد في التظاهرة، ولن ننصب أحد راكبي الأمواج، أو الذين حاولوا تجيير التظاهرة لصالح جهات سياسية معينة».
سياسياً، واجهت الحكومة العراقية التظاهرات بسياسة «احتواء» وأكثر مرونة من الحكومة السابقة التي كانت دائماً ما تتهم بقايا حزب البعث المنحل وفصائل المعارضة في الخارج بالوقوف وراء التظاهرات وتأجيج الشارع لضرب العملية السياسية وإسقاط الحكومة.
رئيس الحكومة، حيدر العبادي، رأى خلال اجتماع ضم عدداً كبيراً من المحافظين ورؤساء مجالس المحافظات والحكومات المحلية أن التظاهرات هي بمثابة جرس إنذار مبكر للحكومة والمسؤولين والحكومات المحلية في المحافظات.
وأضاف العبادي إن «التظاهرات تشير إلى وجود مشكلة، وخلل يجب أن نعمل من أجل معالجته». وفي رده على المخاوف من تسييس التظاهرات، أوضح العبادي أن «المسؤول يجب أن يكون لجميع العراقيين ودوره ليس في تحريض الجماهير، وإنما الاستجابة لمطالبهم».
وبعد ساعات من عقد العبادي اجتماعاً مع وزير الكهرباء قاسم الفهداوي، وكادر الوزارة، كشف مصدر في «تحالف القوى الوطنية» الممثل «للقوى السنية» عن طلب العبادي من الفهداوي تقديم استقالته نتيجة الضغوط التي يتعرض لها. المصدر أكد لـ«الأخبار» أن «التحالف» شكل لجنة رفيعة لتقويم عمل وزرائه وإقالتهم.
وتوقع المصدر أن تشهد الفترة المقبلة إطاحة وزراء التجارة والكهرباء والدولة، عازياً ذلك إلى الضغوط التي تتعرض لها القيادات «السنية» من قبل الشارع وجمهورها.
مرجعية النجف ممثلة بالمرجع علي السيستاني أعلنت دعمها الكامل للتظاهرات ومطالبها المشروعة، محذرة عبر ممثلها الشيخ عبد المهدي الكربلائي من الاستخفاف والاستهانة بالتظاهرات ومطالبها «لأن ذلك سيكون له تداعيات خطيرة».
فيما طالب زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر بالعمل على وضع خطة سريعة وفاعلة لتحسين الوضع المتردي للكهرباء في عموم العراق، ومحاسبة المقصرين في الحكومة الحالية والسابقة. كذلك دعا الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، إلى المحافظة على شعبية هذه التظاهرات واستقلاليتها وعدم تسيسها من قبل الأحزاب.
إلى ذلك، علمت «الأخبار» أن عدداً من المحافظات والمدن الجنوبية والوسطى تستعد لموجة جديدة من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي سيبدأ تنظيمها عصراً تتركز على المطالبة بإقالة وزير الكهرباء، فيما نشرت القوات الأمنية أعداداً مضاعفة من عناصر الأمن لتأمين التظاهرات وتحسباً لوقوع أي خروقات.