يستعد الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، إضافةً إلى زوجته ليلى طرابلسي ومقربين منهما، لجولة أولى من المحاكمة غيابياً، اليوم، أمام الغرفة الجنائية في المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، إذ يواجه الرئيس السابق عدداً قليلاً من التهم الـ93، ومن بينها قضايا تتعلق باكتشاف مبالغ هائلة من المال والمجوهرات في قصره بسيدي بوسعيد في الضاحية الشمالية للعاصمة، والعثور على مخدرات وأسلحة في القصر الرئاسي بقرطاج. وعلى خلفية هذه التهم، يتوقع أن يحكم على بن علي بالسجن فترة تراوح بين خمس وعشرين سنة، وبالإعدام في حال إدانته بتهم القتل العمد والتعذيب التي سينظر فيها لاحقاً القضاء العسكري. بيد أن هذه الأحكام ستبقى معلقة ونظرية لأن السعودية، حيث يسكن بن علي وزوجته منذ 14 كانون الثاني الماضي، لم تبد حتى الآن أدنى نية في تسليمه للسلطات التونسية. وقد نفى محامي بن علي، اللبناني أكرم عازوري، في بيان له، أمس، كل التهم الموجهة الى موكله. وقال عازوري إن الرئيس التونسي المخلوع «ينفي بشدة التهم التي يريدون إلصاقها به»، مؤكداً أنه «لم يمتلك يوماً مبالغ مالية كبيرة كالتي زعموا العثور عليها في مكتبه» في أحد قصوره، كما نفى الاتهامات بحيازة أسلحة نارية ومخدرات بما أن «الأسلحة المزعومة التي عُثر عليها ليست سوى أسلحة صيد وغالبيتها مجرد هدايا من رؤساء دول خلال زيارتهم لتونس».
وأضاف «أما المخدرات التي زعم أنها كانت بحوزته، فليست سوى كذب وافتراء وعار».
وعشية بدء محاكمة بن علي وزوجته، استمرّت موجة صدور الكتب التي توثّق فساد عائلة بن علي، وخصوصاً تلك التي تتخصص بفضائح وسيرة ليلى طرابلسي. وبعدما أصدر الصحافيان الفرنسيان نيكولا بو وكاترين غراسييه كتاباً عام 2009 بعنوان «حاكمة قصر قرطاج... يد مبسوطة على تونس»، يُشغل الإعلام الغربي حالياً بكتاب جديد أصدره لطفي بن شرودة، وهو الخادم السابق لـ«سيدة القصر» طرابلسي، بعنوان «في ظل الملكة»، يتناول فيه جانباً شخصياً من حياة المرأة الخمسينية، وأسراراً تتعلق بطريقة تصرفها مع عائلتها والعاملين لديها داخل جدران «مملكتها في قرطاج».
وفي حوارين تلفزيونيين أجرتهما معه الأسبوع الماضي قناتا «فرانس 24» الفرنسية و«نسمة» التونسية، وصف بن شرودة ليلى بن علي بـ«المتسلطة» التي تعامل الخدم كـ«العبيد»، وتحرص على ضمان ولائهم لها من خلال حرمانهم مستحقاتهم المالية و«استعبادهم» إلى درجة تفقدهم حياتهم الشخصية وخصوصيّاتهم، وكل ذلك من أجل أن يظلّوا «كالكلاب المسعورة والجائعة موجودين حولها دئماً، وتابعين لها». وفي كتابه الصادر عن دار نشر «ميشال لافون» الفرنسية، ينتقل بن شرودة من حكاية إلى أخرى مفصّلاً «جنون حبيبة بن علي» والدونية التي تتعاطى بها مع مرؤوسيها، إضافةً إلى توصيف طبيعة العلاقة القوية والسعيدة التي جمعتها ببن علي، وحبها الشديد لإخوتها وأولادها. يوميات ليلى طرابلسي، بحسب الكتاب الحديث، كانت تنقسم بين المطبخ، الذي كانت تحب أن تكون فيه دائماً، وخصوصاً في الصباح، والمدرسة في أوقات ما بعد الظهر، وصولاً إلى النادي عند حلول المساء. «لا يأكلون إلا السمك»، يقول لطفي بن شرودة عن آل بن علي، وتحديداً ليلى، على قاعدة أنهم نادراً ما يدخلون اللحوم أو الدجاج في طعامهم، بل يحرصون على أكل أجود وأغلى أنواع الأسماك كالقاروص مثلاً. أما الكميات الهائلة من الطعام التي تبقى بعد كل وجبة، فكانت «سيدة القصر» تأمر بنقلها إلى مستشاريها ومعاونيها العزيزين عليها، فيما يتضوّر الخدم داخل القصر جوعاً. وهنا شهادة من الكاتب نفسه الذي كان ينال من زوجة الرئيس كيساً مملوءاً بالأموال ليوزعها على أحبائها، في الوقت الذي تتأخر في دفع رواتب خدمها. وعن علاقة الزوجين، يقول بن شرودة إن بن علي أحب ليلى إلى درجة الجنون، الأمر الذي أحسنت السيدة الأولى استغلاله لجعل «كل طلباتها أوامر» من دون نقاش. ولتحقيق هذه الغاية، وبعيداً عن السحر والشعوذة، استخدمت ليلى سلاحاً قويّاً جداً في سبيل التأثير على زوجها، وهو المولود الذكر الذي منحته إياه بعد طول انتظار، إذ كان ولدهما محمد ورقة الضغط التي لا تخيب مطلقاً.
في المقابل، لم توفّر طرابلسي كلمة بذيئة إلّا تلفظت بها في إهانتها لخدمها، وقد تخطى عنفها وجبروتها حدود الكلام وصولاً إلى تعنيفهم جسدياً بحجة معاقبتهم على أخطاء يقول بن شرودة إنها «عابرة ولا تستأهل التوقف عندها». على سبيل المثال، حاول أحد الخدم مرة تسجيل اعتراض ما، فما كان منها إلا أن غطّست يديه في الزيت المغلي لتعود وتنخر خاصرته بالسكين «لأنه تخطى حدوده».
من جهة أخرى، يحكي لطفي بن شرودة عن الذعر الذي أصيبت به طرابلسي حينما توفي محمد البوعزيزي، مشعل الثورة التونسية، بسبب استشعارها قرب نهاية «العز والجاه اللذين تنعم بهما»، كما أنه كشف أن إصابة زين العابدين بن علي بالسرطان دفعته إلى تعاطي المخدرات، لكي يبقى قوياً ومتماسكاً قدر الإمكان.