تتخبّط المعارضة الليبية في اتخاذ قرارات يتبيّن لاحقاً أنها ليست محل إجماع بين القوى المناهضة لنظام العقيد معمر القذافي. تناقض في المواقف والتباس حول مسؤوليات وتجاوز صلاحيات لا تصبّ جميعها في خدمة الثورة

المعارضة الليبيّة: اضطراب يهدّد وحدتها



يظهر التخبّط واضحاً من خلال التضارب في المواقف بين المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي وشخصيات معارضة لا تزال تقيم في الشتات، أو حتى داخل المجلس الوطني نفسه. لعل آخر هذا التضارب قد تجلّى في موضوع التفاوض بين المجلس الوطني وسلطة الزعيم الليبي معمر القذافي. لقد تبين أن هناك امتعاضاً واضحاً وسط شريحة واسعة من شخصيات المعارضة وأطيافها إزاء هذه المفاوضات «غير المقبولة» مع نظام لا يمكن التعامل معه إلا من منطلق «محاكمته ومحاسبته على جرائمه وسرقاته لأموال الشعب الليبي وثرواته»، حسبما يؤكد مصدر معارض لـ«الأخبار».
ففي الوقت الذي كشفت فيه صحيفة «ديلي تليغراف» أن محادثات سرية غير رسمية بين مسؤولين ليبيين وشخصيات معارضة جرت في عدد من الدول الأجنبية، حاولت أطراف في المعارضة نفي هذا الخبر. الخبر أكدته مصادر رسمية في طرابلس، بعد أيام قليلة من حديث لعائشة القذافي اعترفت فيه بإجراء مفاوضات مع الثوار، وقالت إن والدها مستعد لعقد اتفاق مع المعارضة رغم أنه لن يغادر البلاد.
تصريح يتناغم مع ما أعلنه رئيس المجلس الوطني الانتقالي، مصطفى عبد الجليل، حول أحد الاقتراحات التي تتيح للزعيم الليبي البقاء داخل ليبيا بإشراف دولي على كل تحركاته، على أن يتخلى عن جميع سلطاته ويأمر جنوده بالانسحاب من ثكنهم ومواقعهم.
بيد أن هذا الاقتراح لقي رد فعل انفعالياً في بنغازي، حيث اندلع احتجاج صغير هو الأول من نوعه في عاصمة الثوار، على إجراء أي محادثات مع القذافي.
هذا الأمر دفع نائب رئيس المجلس، عبد الحفيظ غوقة، الى التوضيح بأن أمر الاعتقال الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية بحق القذافي جعل الآن أي اقتراح من هذا القبيل لاغياً. واللافت أن اقتراح عبد الجليل (وهو وزير سابق للعدل في حكومة القذافي)، كان قد تقدم به قبل نحو شهر عبر الأمم المتحدة إلا أنه لم يتلقّ أي رد من طرابلس. ولتسليط الضوء أكثر على هوية المشاركين في هذه المحادثات السرية، تحدثت الأنباء عن زعماء قبائل وأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، في محاولة لإعادة هيكلة المعارضة وفق تقسيمات جهوية جديدة.
على الجانب الرسمي، أكد المتحدث باسم الحكومة الليبيّة، موسى إبراهيم، أن مسؤولين من حكومة القذافي اجتمعوا في عواصم أجنبية مع شخصيات من المعارضة للتوصل إلى حل سلمي للأزمة. لكن متحدثاً دبلوماسياً إيطالياً نفى حدوث اجتماع كهذا في بلاده، فيما وصف وزير الخارجية، فرانكو فراتيني، ما يدور حول مفاوضات بين السلطة والمعارضة الليبيتين بأنها تصريحات «متناقضة». من ناحية ثانية، يذهب نائب وزير الخارجية الليبي، خالد الكعيم، أبعد بالحديث عن «إحراز تقدم في بعض المجالات، لكن العراقيل التي تضعها منظمة حلف شمالي الأطلسي بددت الآمال في تحقيق انفراج».
ويبدو أن الحق دوماً على الطليان؛ إيطاليا الاستعمارية (تاريخياً) أرادت إعادة ترسيخ أقدامها في الهضبة الأفريقية من خلال ورقة القبائل الليبية، فنسّقت مع مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، عبدالرحمن شلقم، الذي انشقّ عن نظام القذافي، من أجل إقامة مؤتمر للقبائل في روما. لكن أحلام الامبراطورية السابقة تحطمت عند صخرة التناقضات بين قيادات المعارضة الليبية. لقد تبين أن المجلس الوطني الانتقالي فوجئ بهذه المبادرة التي لم تتم حسب الأصول بالتنسيق معه بوصفه صاحب الشأن.
وفي سياق التضارب يتبين أيضاً أن شلقم وإن كان يمثل المعارضة في المنظمة الدولية، ليس عضواً في المجلس الانتقالي. هنا يتحدث أحد قادة المعارضة في الخارج لـ«الأخبار» عن صفقات بين أفراد محسوبين على المعارضة وبين دول من شأنها تحقيق مصالح لهذين الطرفين على حساب القضية الليبية.
تضارب قد يهدد وحدة الصف الواحد في المعارضة الليبية، خصوصاً عندما تظهر له تبعات يستغربها حتى كبار المسؤولين في قيادة المعارضة. وما خفي أعظم، فثمة خلاف بين القوى الوطنية الليبية، وهي القوى التي تتجاوز صورة المجلس الوطني، لتعبّر عن شرائح واسعة من الشعب الليبي المناهض للقذافي. خلاف حول من يتحدث باسم المعارضة: الناطق الإعلامي الرسمي باسم المجلس الوطني، عبد الحفيظ غوقة، أم المسؤول عن قناة «ليبيا الحرة» المقيم الآن في العاصمة القطرية الدوحة، الصحافي محمود شمام؟ ثمة التباس أيضاً حول هذه النقطة. يتحدث ناشط ليبي عن اضطراب في حركة المجلس الوطني، ينعكس على حركة المعارضة كلها، لافتاً إلى أن هذا الكم الهائل من المندوبين والموظفين يزيد اللغط حول طبيعة المهام والمسؤوليات المُناطة بسلطة مهمتها نقل الوضع السياسي والأمني في البلاد من مرحلة الى مرحلة أفضل.
ثمة موضوع إشكالي آخر، أظهر حجم الاضطرابات التي تعيشها المعارضة الليبية، وهو متعلق برسالة قيل إن المجلس في بنغازي أرسلها عبر الفيلسوف الفرنسي برنار هنري ـــــ ليفي، إلى رئيس وزراء اسرائيل، بنيامين نتنياهو، تعطي إشارات «ايجابية» حول العلاقات المستقبلية بين المعارضة واسرائيل، ما يعني الاعتراف بالدولة العبرية. خبر تناقلته وسائل الإعلام الشهر الماضي ونفاه فوراً رئيس المجلس الوطني، فيما تناقلت وسائل الإعلام تصريحات من أوساط المعارضة تستنكر تشويه صورة المجلس الذي يمثل الشعب الليبي، وتؤكد أن المعارضة الليبية جزء من الشعب العربي وأن القضية الفلسطينية قضية مركزية بالنسبة إليهم، مثل باقي الشعوب العربية، وأن المجلس الوطني لا يعترف بإسرائيل ولا يسعى إلى إقامة علاقات دبلوماسية معها في المستقبل، حسبما يؤكد أحد ممثلي المجلس الوطني عن مدينة سرت.
ثمة أمور عديدة قد لا تكون محل إجماع بين كافة القوى الوطنية الليبية، وهذا أمر طبيعي من طبيعة الاختلاف بين البشر، لكن الاشكالية الأساسية قد تكون في الخلاف حول قضايا مصيرية قد تساهم في تقوية النظام على حساب وحدة الشعب الذي يريد اسقاطه.

المقاتلون يبدأون الهجوم نحو الغرب



بدأت المعارضة الليبيّة أمس هجوماً على قوات الزعيم معمر القذافي في غرب البلاد، باستهداف مواقع تبعد نحو 50 كيلومتراً جنوبي العاصمة طرابلس، فيما تصاعد الخلاف الفرنسي ــ الروسي في مجلس الأمن بشأن تسليح الثوار
غطّت التطورات الميدانية أمس على المشهد العام للأزمة الليبية، مع بدء المعارضة المُسلّحة هجومها على مواقع العقيد معمر القذافي في غرب البلاد، بينما أعلنت السلطة أن 21 عضواً في المجلس الوطني الانتقالي الذي يمثل الثوار سيُحاكمون «في الأسابيع المقبلة» أمام محكمة خاصة.
وأعلن قاضي التحقيق خليفة عيسى خليفة، أمام الصحافيين الأجانب في طرابلس، أن «ملف الاتهام بحق أعضاء ما يسمّى المجلس الوطني الانتقالي بات جاهزاً، وأصدرنا 18 تهمة رسمية بحق 21 منهم».
ومن بين المتهمين رئيس المجلس الوطني، مصطفى عبد الجليل، و20 عضواً آخر في المجلس الذي اعترف به نحو 20 بلداً، ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الليبي.
وسيلاحق المتهمون بتهم «التعدّي على الثورة (ثورة 1 أيلول 1969) وقائدها معمر القذافي بهدف زعزعة النظام»، وكذلك «التجسس لمصلحة دول أجنبية (فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة) بهدف مساعدتها في الاعتداء على ليبيا واجتياحها» و«التحريض على التمرد والشقاق وتشجيع السكان على التقاتل».
لائحة الاتهام هذه صدرت في وقت يخوض فيه مقاتلو المعارضة الليبية المُسلحّة قتالاً شرساً على أكثر من جبهة، حيث أفادت وكالة «فرانس برس» بأن تبادلاً كثيفاً للقصف المدفعي سُجّل بين الثوار وكتائب القذافي في منطقة غوالش على بعد نحو خمسين كيلومتراً من العاصمة، أدى إلى استيلاء الثوار عليها وأسر عدد من المرتزقة.
وقال أحد أعضاء اللجنة الثورية في الزنتان، على بعد 120 كيلومتراً من طرابلس، «كنا ننتظر من قبل شنّ هذا الهجوم. لقد حصلنا أخيراً على الضوء الأخضر من الحلف الأطلسي هذا الصباح (أمس)، وقد بدأ الهجوم».
ويسعى الثوار خصوصاً إلى السيطرة على بئر الغنم، وهي معبر استراتيجي يقع على بعد 50 كيلومتراً جنوبي طرابلس، لكي يتمكنوا من الوصول إلى مشارف العاصمة الليبية. أما الهدف الثاني لهذا الهجوم فهو مدينة غريان، حيث تقع حاميات الجيش الليبي، والتي يعتبرها الثوار ممراً استراتيجياً نحو طرابلس. وفي مصراتة قتل عدد من الثوار برصاص كتائب القذافي.
وفي أنقرة، دعا مسؤول العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الانتقالي، محمود جبريل، المجتمع الدولي إلى وضع الأموال المجمدة لنظام طرابلس في تصرّف المعارضة.
وأضاف بعد محادثات مع وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو ووزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان، في العاصمة التركية، أن «المجتمع الدولي لا يستطيع فقط دعم معركتنا ضد النظام.. إن الشعب الليبي يعاني أيضاً من مشاكل الجوع والفقر ونقص الأدوية والمساكن».
وكان داوود أوغلو الذي وقّعت حكومة بلاده مع المجلس الانتقالي قرضاً بقيمة 200 مليون دولار قد أكد أن حل المشاكل المالية للثوار الليبيين سيكون في صلب الاجتماع المقبل لمجموعة الاتصال حول ليبيا الذي سيعقد في 15 تموز في إسطنبول. من ناحية ثانية، أعلن الأمين العام للحلف الأطلسي»، أندرس فوغ راسموسن، أن ممثلي دول الحلف سيستقبلون في 13 تموز وفداً للمعارضة الليبية في مقر المنظمة في بروكسل. كذلك سيلتقي عضو في المجلس الانتقالي، الأسبوع المقبل، رئيس الاتحاد الأوروبي، هيرمان فون رومبوي.
في غضون ذلك، نقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية، عن مصدر رفض الكشف عن هويته، أنه خلال جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي، أول من أمس، انتقدت روسيا فرنسا لتزويدها ثوار ليبيا بأسلحة، باعتبار أن هذا الأمر يعتبر تجاوزاً لقرار المجلس 1973 الذي فوّض تنفيذ عملية جوية تبغي حماية المدنيين من قمع العقيد القذافي.
بدوره، انتقد وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، الخطوة الفرنسية، قائلاً «إن بعض الدول الغربية ترسل أسلحة إلى داخل ليبيا خلافاً لقرار مجلس الأمن الدولي، وهي بذلك تؤجّج الاضطرابات فيها».
وأشار صالحي إلى أن إيران تتدارس اقتراحاً حول الشأن الليبي مع عدد من «الدول الصديقة، وإذا جرى التوصل في المستقبل إلى النتائج المطلوبة فسنعلنه».
من جهة أخرى، رضخ زعيم الغالبية لمجلس الشيوخ الأميركي، هاري رايد، لضغط الحزب الجمهوري، وسحب مشروع قرار يرعاه السناتور الأميركي جون كيري، ويحظى بدعم من السناتور جون ماكين. ويتيح المشروع للرئيس الأميركي باراك أوباما فرصة استخدام قوة عسكرية محدودة لمدة تصل إلى سنة واحدة، في إطار عمليات حلف شمالي الأطلسي في ليبيا.
وأصرّ الشيوخ الجمهوريون على ضرورة التركيز على المسألة الاقتصادية الأميركية، ووافقهم رايد الرأي قائلاً «بغض النظر عن الدعم القوي للقرار المتعلق بليبيا، فإن الأهم هو التركيز هذا الأسبوع على الموازنة».
وينص «قانون صلاحيات الحرب» الذي سنّ في فترة الحرب على فيتنام، على أنه يجدر بالرئيس الأميركي وقف أي مهمة عسكرية لم يجزها الكونغرس بعد ستين يوماً من مباشرتها، وهو ما دفع بعض المستشارين القانونيين في البيت الأبيض والكونغرس إلى اعتبار أن على أوباما وقف المشاركة في العمليات في ليبيا في 20 أيار الماضي، أو طلب الحصول على تفويض من الكونغرس للدخول في حرب هناك.
غير أن المستشار القانوني لوزارة الخارجية، هارولد كوه، قال إن هذا القانون لا ينطبق على ليبيا، لأن ما تقوم به القوات الأميركية هناك ليس حرباً، وهو موقف ردّدته الإدارة كثيراً.
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز)