خيمة كبيرة في قلب ميدان التحرير. إنها العودة إلى «الثورة»، أو الإصرار على سقوط النظام بالكامل، بعدما بدا أن نظام حسني مبارك المخلوع مثّل تمساحاً جمّد نفسه وقفز من تحت البحيرة الاصطناعية. جمعة جديدة، وجولة من أجل «الثورة أولاً» كما استقرت شعارات تبحث عن إعادة التوافق بعد الاستقطاب بين «الدستور أولاً» و«الانتخابات أولاً». الخيمة كبيرة، ومن المنتظر أن تستوعب السلفيين والإخوان المسلمين بعد طول انقطاع عن «الميدان» في ملاحقة لغنائم الاقتراب من السلطة.
ماذا غير الموقف؟ هل هي المحاكمات المبتورة للنظام؟ أم الخوف من عودة نظام مبارك بقناع جديد؟ وهل ستعود لحظة الميدان الصوفية، أم ستنفجر الساحة بخطط سرية، بعضها تسرب على عهدة المجلس العسكري أو جهاز الشرطة؟ لم يجد المجلس العسكري أو الحكومة حزمة قرارات مناسبة ليوم أمس، في إطار الضربة الاستباقية، سوى الإعلان عن أكبر حركة تنقلات في الشرطة، والثانية عن تغييرات في أجهزة الإدارة المحلية. كما أن هناك قرار إحالة لمتهمين بالمسؤولية عن «موقعة الجمل» لم تستثنِ أحداً، من فتحي سرور إلى مرتضى منصور.
الحزمة ليست فعالة بالطبع، والجمعة تنذر بمفاجآت، أكبر من فكرة إنقاذ للثورة. الثورة في مصر لم يصنعها تنظيم سياسي لديه خطة وقيادة وجناح مسلح... ولا تنظيم عسكري له قوة وقيادة أيضاً. الثورة المصرية صنعتها قوى جديدة من الشعب، وجدت نفسها في الميدان، ونحتت جسدها الكبير فيه، وأسقطت الرئيس من الميدان، وهو ما يعني أن الميدان هو الأداة السياسية لصناعة التغيير.
إنها المرة الأولى في تاريخ مصر التي يصنع فيها الشعب جمهوريته. كل الأنظمة السابقة في مصر سقطت من أعلى، مثل الأقدار. تلتقي الملكية والجمهورية في هذه النقطة. جميعها أنظمة صنعها الاستعمار وأنظمة حاربته.
الدولة في مصر صنعها آلهة أو أنصاف آلهة من الفراعنة. وحتى اليوم، هذا ما جعل المجلس العسكري يتصور أن من الطبيعي أن يحتكر صناعة الجمهورية الجديدة، وأن يشكر الشعب ويطالبه بالعودة إلى المنزل. ومن الطبيعي أيضاً أن يستجيب قطاع كبير من الشعب لرغبة الجيش، وأن يطالب بعودة الثورة إلى البيت، والنوم على الكنبة في انتظار تنفيذ المجلس للمطالب.
هذا ميراث ثقيل في مصر. إنها ثقافة لها جذور عميقة تجعل من عبادة السلطة مجرد وجهة نظر. الثورة ستكتمل فقط عندما تنسف هذه الثقافة التي تعتمد عليها قوى كثيرة في حصار الثورة وضربها. المجلس العسكري لم يغادر عقل النظام القديم، وتصوّر أنه انفرد بالمرحلة الانتقالية. لقد تعامل مع إرادة الثورة على أنها مطالب، مجرد مطالب سينفّذها بحسب إيقاع يضمن له السيطرة على إدارة البلاد، والعمل بهدوء لتجهيز مرحلة انتقال للسلطة، تحافظ على موقع للمؤسسة العسكرية في صلب الدولة، وتحجز الثورة عند حدود بعيدة عن المساس بالمصالح الكبرى للمؤسسة.
في الفكرة تلك، بُعد أخلاقي: الجيش يريد أن يدخل التاريخ، وينقل مصر إلى العصر الديموقراطي. إرادة من أعلى، وجمهورية أبوية تريد صك الشرعية من الثورة... وتريد أن تصنع شعبها في مواجهة شعب الثورة. يتصور أصحاب المصلحة في الانسحاب من الميدان أنه يمكن اختصار الثورة في صراع بين وجهتي نظر. والحقيقة أنّ الثورة ليست وجهة نظر، لكنها إرادة انتصرت، ولم تُهزم بعد.
الثورة لن تدخل بيت الطاعة، وسينمو الوعي فيها رغم كل محاولات وضعها في أقفاص حديدية من جديد. اليوم جولة جديدة للثورة، سيُضاف إلى أهدافها هدف جديد، وهو إعادة الوعي بضرورة بناء دولة حديثة. وهذا يعني أنّ كل البكتيريا التي تكوّنت على جسد الثورة لا بد من مكافحتها بنفس القوة التي أسقط بها النظام. الثورة ثورة حريات، وليست مطالب ينفذها المجلس الحاكم. ومَن حقق الديموقراطية بالوقوف في مواجهة الآلة العسكرية لمبارك لا ينتظر من أحد تنفيذ إرادته.
هذا وعي لا بد أن ينمو في مواجهة وعي آخر تصور البعض فيه أن الثورة فرصة لاقتناص المساحة كلها أو سرقتها بمعنى أوضح. الهدف مهم: جمهورية حديثة تتحقق فيها الحريات العامة وتقدس حرية الفرد، وتخلق مناخاً للتعايش لا للسيطرة من طرف واحد.
هذه هي الثورة التي لن تقف على إشارات مرور تصنعها مؤسسات وصاية من أي نوع. الثورة تعيد هندسة الشوارع، وستتحقق في الجولة الجديدة من الثورة خطوات هامة. خطوة في عودة الوعي بالقوى الجديدة التي صنعت ٢٥ كانون الثاني، من رغبة أكبر من الانتماء الضيق، قوى ترى مصر مشروع نهضة، لا أرض فراغ تقام عليها مشاريع دول من خارج اللحظة التاريخية. إنها جمهورية جديدة سيصنعها الميدان ولن تسقط من أعلى، ويبدو أن اليوم سيثبت أن الثورة لن تدخل بيت الطاعة.
الوعي جديد بأن الثورة لا بد أن تبقى في الميدان، والاعتصام غالباً سيستمر، وخاصة أن الأسماء التي صعدت بعد الثورة استعارت أدواراً من النظام القديم، وتصريحات رجال العهد الجديد في الكواليس لا تعني سوى أنها «ثورة عيال»، و«الثوار لا يفهمون سوى بالفايسبوك».
الكواليس متخمة بتوصيفات من هذا النوع، وأخرى ترى في ما حدث «لعبة» يروّج لها البعض على أنها صنيعة عملاء، أو مأجورين، تدفع لهم مؤسسات أميركية ثمن الثورة. أسلحة الاغتيال المعنوي تنطلق من منصات عديدة، لتحوّل صوت الثورة من الهجوم إلى الدفاع، وتكون معياراً لتقويم بين ثوار شرفاء وعملاء، وهي تقسيمة هدفها امتصاص الثورة واللعب بها في المكاتب ووراء الكواليس.
الثورة أعطت شرعيّة، لكنها لا تزال تنحت وعيها من جولات مع السلطة، يبدو أن أكبرها لم يقع بعد.



فتحي سرور وصفوت الشريف إلى المحكمة

قرر رئيس هيئة التحقيق المنتدبة من وزارة العدل المصرية للتحقيق بوقائع الاعتداء على المتظاهرين خلال أحداث الثورة المصرية، المستشار محمود السبروت، أمس، إحالة 25 متهماً بالقضية إلى محكمة الجنايات. وقال الموقع الإلكتروني للتلفزيون المصري إن السبروت طلب، في قرار الإحالة من محكمة استئناف القاهرة، تحديد جلسة عاجلة أمام محكمة جنايات القاهرة لمحاكمة المتهمين بالقضية المعروفة إعلامياً باسم «موقعة الجمل». وتضم لائحة المتهمين أبرز أعضاء النظام المصري المخلوع، وفي مقدمهم رئيس مجلس الشعب السابق، فتحي سرور (الصورة)، ورئيس مجلس الشورى السابق، صفوت الشريف، ووزيرة القوى العاملة والهجرة السابقة، عائشة عبد الهادي، بالإضافة إلى عدد من أركان الحزب الوطني المنحل وأعضاء في البرلمان السابق. وسبق أن وُجِّهَت للمتهمين، خلال التحقيقات، تهم القتل العمد والشروع بقتل المتظاهرين. من جهة ثانية، قال مسؤول أمني إن عناصر الشرطة والجيش سيراقبون ميدان التحرير المقرر التظاهر فيه اليوم، «عن بعد»، تفادياً لأي احتكاك مع المتظاهرين قد يؤدي الى وقوع اشتباكات. وقال المصدر «لن يكون أي وجود أمني داخل ميدان التحرير، لكن عناصر الشرطة سيتمركزون في الشوارع الجانبية».
(يو بي آي، أ ف ب)