بين فرح الجنوبيين بتحقيق إرادتهم من خلال إعلان انفصالهم، وحزن الشماليين على فقدان ثلث السودان، اختلفت المشاعر بين السودان وجنوبه. ففي جوبا، لم يعرف الجنوبيون النوم لليوم الثاني على التوالي؛ إذ إن الاحتفالات لم تنقطع منذ لحظة قراءة رئيس البرلمان السوداني الجنوبي، جيمس واني ايغا، بيان الاستقلال. وازدحمت الشوارع بالسكان، ولوّح الكثير منهم بأعلام بلدهم الجديدة ورفعوا لافتات تحمل رسائل للنيات الحسنة لبدء عهد جديد. وقال ماريال كوير، وهو من سكان جوبا: «ما زلنا نحتفل منذ الليلة الماضية. كنا وما زلنا نرقص. سنحتفل طوال هذا الشهر».
أما في الشمال، فغلب الهدوء على العاصمة السودانية الخرطوم، حيث انكفأ الجنوبيون في منازلهم يشاهدون مراسم استقلال دولتهم في منازلهم بعدما منعوا من تنظيم احتفالات للمناسبة، فيما اختار أبناء الشمال الاكتفاء بمراقبة الحدث بعدما أيقنوا أن الانفصال لا مفر منه. وحده منبر السلام العادل احتفل بالانفصال، مشيراً إلى أن «الورم السرطاني قد استئصل».
وقال رئيس المنبر، الطيب مصطفى، خلال حفل أقيم للمناسبة: «نذبح اليوم عجلاً تقرباً إلى الله ورمزاً لنسف الوحدة مع الجزء الذي كان يمثل سرطاناً للشمال». وأضاف: «أزلنا الأشواك من طريق السودان الشمالي»، فيما شهدت العاصمة توزيعاً كثيفاً للعلم السوداني تحت شعار «نصرة العلم».
وتوعد خال الرئيس السوداني الحركة الشعبية بفرعها الشمالي، قائلاً: «لقد قضينا على الرأس وسنقضي على الذنب»، مضيفاً: «الأذناب في النيل الأزرق وجنوب كردفان سنزيلها تماماً مثلما أزلنا الحركة الشعبية الأم». كذلك طالب بخروج الذين يتحدثون عن مشروع «السودان الجديد».
في المقابل، كسا السواد منزلي رئيس الوزراء الأسبق لحكومة الاستقلال الأميرلاي عبد الله خليل، والرئيس السوداني السابق إسماعيل الأزهري حداداً على انفصال الجنوب. وكانت مراسم إعلان استقلال جنوب السودان قد انطلقت في جوبا بقراءة رئيس البرلمان السوداني الجنوبي، جيمس واني ايغا، بيان الاستقلال بحضور عشرات الشخصيات الدولية.
ووسط ابتهاج آلاف الجنوبيين الذين حضروا المراسم، قال واني ايغا: «نحن ممثلي الشعب المنتخبين ديموقراطياً، وبناءً على إرادة شعب جنوب السودان، واستناداً إلى نتيجة استفتاء تقرير المصير، نعلن جنوب السودان أمة مستقلة ذات سيادة». ومع انتهاء كلمته، رفع العلم الوطني لجنوب السودان على وقع التصفيق وهتافات الحشود: «لن نستسلم أبداً! أبداً!»، فيما وقّع الزعيم الجنوبي سالفا كير ميارديت الدستور الانتقالي وأدى يمين توليه الرئاسة بوصفه أول رئيس للدولة الجديدة، متعهداً بـ«دعم التنمية ورفاهية شعب جنوب السودان».
وغلب التسامح على معظم خطاب ميارديت بدعوته مواطنيه إلى الصفح عن أعوام الحرب الأهلية مع الشمال، وتوفير «أسس صلبة» لدولتهم الجديدة. وفي تأكيد لإدراك مسؤولي الجنوب لحجم التحديات التي تنتظرهم، قال ميارديت، إن «معارضينا يرون أننا ضائعون. إنهم يقولون إننا سنغرق في الحرب الأهلية بالسرعة نفسها التي سيرتفع فيها علمنا»، قبل أن يعلن إصدار عفو جديد عن المتمردين الذين قاتلوا الجيش الجنوبي، شرط تسليم أسلحتهم، أملاً في استمالتهم وتطويق خطرهم الذي يعد من أهم مهددات الاستقرار للدولة الجديدة.
كذلك، حرص ميارديت على تأكيد التزام الدولة الوليدة بمن وقف إلى جانبها من أبناء السودان طوال سنوات الحرب الأهلية، قائلاً: «يمكنني أن أؤكد لسكان أبيي ودارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان أننا لن ننساهم. حين تبكون نبكي وحين تتصببون عرقاً نتصبب عرقاً». وأضاف: «ألتزم أمامكم اليوم بأن نتوصل إلى سلام عادل ودائم من أجل الجميع».
في المقابل، أكد الرئيس السوداني عمر البشير، خلال مشاركته في حفل إعلان الاستقلال أن نجاح الدولة الوليدة هو نجاح لبلاده، لكنه ربط استدامة السلام بين الجارتين بضرورة مراعاة المصالح المشتركة. وقال البشير، الذي كانت بلاده أول المعترفين بدولة جنوب السودان: «نتطلع لاستدامة السلام بين الشمال والجنوب، وهذا يكون عبر علاقة جوار إيجابية ومراعاة المصالح المشتركة وتأكيد مسؤوليتنا المشتركة في تعزيز الثقة لإكمال الاتفاق على المسائل العالقة»، وعلى رأسها النزاع بشأن منطقة أبيي والخلاف في القضايا الاقتصادية في قسمة عائدات النفط ومياه النيل والديون الخارجية السودانية، إضافة إلى خلافات على الحدود.
أما الرسالة الثانية، فوجهها البشير إلى المجتمع الدولي، مطالباً إياهم برفع العقوبات عن بلاده. وأضاف: «ندعو الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى أن يفي بالتزامه الذي أعلنه، برفع العقوبات الأحادية عن السودان، بما يفتح المجال لتطبيع علاقة بلاده بالسودان، وإثبات الصدقية والشفافية في التعامل الدولي». في المقابل، سارع المجتمع الدولي للاعتراف بجمهورية جنوب السودان، معرباً عن التطلع لإقامة علاقة حسنة مع الدولة الجديدة، وفي مقدمة الدول إسرائيل، الولايات المتحدة، روسيا، تركيا، الصين، مصر، العراق، الأردن تركيا، كندا إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، والعديد من الدول الأفريقية.
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)