لا توحي التطورات في اليمن باقتراب إيجاد حل سياسي للأزمة؛ فالنظام اليمني لا يزال يتمسك بالسلطة، فيما المعارضة، منقسمةً على نفسها، لا تستطيع الاتفاق على تشكيل المجلس الانتقالي رغم أنها لجأت الأسبوع الماضي إلى تكثيف مشاوراتها حول الموضوع، ما استدعى تحركاً أميركياً ـــ سعودياً عاجلاً أفضى إلى إنهاء مسلسل الغموض بشأن صحة الرئيس اليمني.فبعد الرسائل التي عمد كل من رجل الدين اليمني عبد المجيد الزنداني، وقائد الفرقة أولى مدرع، علي محسن الأحمر إلى إيصالها تعبيراً عن رفض تشكيل المجلس الانتقالي، وترافقها مع تأكيدات وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل أن الرئيس اليمني، بخير، أطلّ صالح يوم الجمعة الماضي من على شاشة الفضائية اليمنية، داحضاً شائعات وفاته بعد غياب عن المشهد امتدّ قرابة شهر.
وفيما نجح صالح من خلال الظهور الأول بسحب ذريعة الفراغ الدستوري التي كان شباب الثورة يضغطون من خلالها على المعارضة بهدف دفعها للقبول بفكرة تشكيل مجلس انتقالي، إلا أن الهيئة التي ظهر بها الرئيس، متعباً ولا يملك القدرة على تحريك يديه، جعلت الحديث يدور حول أن الأخير أصبح عاجزاً صحياً، ما يتطلب استصدار تقرير طبي يؤكد سوء وضعه، وهو ما يبرر نقل السلطة إلى نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي.
آمال سرعان ما تبددت مع الظهور الثاني لصالح أول من أمس، نظراً إلى أن اللقاء مع مستشار الرئيس الأميركي لشؤون مكافحة الإرهاب لم يكن يحتمل الألاعيب التي يتقنها صالح، وهو ما اضطره إلى الظهور على هيئته الحقيقية، فبدت صحته جيدة وقادراً على تحريك يديه وقدميه، وخصوصاً بسبب إدراكه لأهمية الزيارة ودلالاتها.
وبعدما فشلت زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية، جيفري فيلتمان، على ما يبدو في إقناع الرئيس اليمني بتوقيع المبادرة الخليجية، لم تجد الإدارة الأميركية أمامها من مفرّ سوى إيفاد المبعوث الرئاسي لشؤون الأمن القومي للقاء صالح، وإيصال رسالة واضحة له مفادها بأن الولايات المتحدة ترغب في حل جذري للأزمة، ولا سيما أنها تتعاطى بجدية بالغة مع الأوضاع الأمنية في جنوب البلاد.
كذلك، فإن الأميركيين كانوا طوال الفترة الماضية واضحين بأن التوصل إلى معالجة الأوضاع في الجنوب يتطلب بالدرجة الأولى استقراراً سياسياً لن يتوفر إلا من خلال موافقة صالح على تأمين انتقال سياسي سلمي ودستوري في اليمن.
وهو موقف أعاد برينان تأكيده أمام صالح ونائبه بعدما انتقل من الرياض إلى صنعاء. وشدد برينان أمام هادي على أن «الحوار والتوافق يمثلان الأسلوب الأمثل لصنع السلام في اليمن والتعامل مع المبادرة الخليجية بصورة إيجابية»، مؤكداً في الوقت نفسه أنه لمس من صالح «تجاوباً كبيراً في إنجاح المبادرة الخليجية والتعاون ضد الإرهاب».
وفيما شدّد برينان على الشراكة مع اليمن «في الكثير من القضايا، وفي مقدّمها محاربة الإرهاب الذي يمثله تنظيم القاعدة»، حرص هادي على العزف على وتر خطر التنظيم بالقول «هناك تضحيات كبيرة للجيش والأمن بمواجهة تنظيم القاعدة الإرهابي بمحافظة أبين، وما ألحقه به من خسائر فادحة».
في المقابل، رأى أن «هناك شبه اتفاق على الحوار مع المعارضة بأسلوب جاد وبخطة جديدة، بما يؤدي إلى الوئام والسلام وتجنيب اليمن المآسي وويلات الحروب».
حروب ترى أوساط في المعارضة اليمنية أنه قد لا يكون من مفر منها، في ظل استمرار حالة الجمود السياسي في اليمن، وعجز الأطراف اليمنية عن الاتفاق على حل نهائي يضمن خروج البلاد من أزمتها.
وهي أزمة، يؤكد المعارض اليمني، حسن زيد، في حديث الى «الأخبار» أن أحزاب اللقاء المتشرك باتت تتحمل المسؤولية الرئيسية في إطالة أمدها.
وبعدما رأى أن ظهور صالح بمثابة «رسالة ضغط أميركية على المعارضة والشباب الرافضين لقبول المبادرة المطروحة من نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، والقاضية بتمديد الفترة الانتقالية المحددة بالمبادرة الخليجية من ستة أشهر»، أكد أن قيادات المشترك «هي من يتحمل مسؤولية كبح جماح شباب الثورة»، مضيفاً «نحن للأسف أكثر بطئاً من السلحفاة».
وتحدث صراحة عن وجود «ثلاث» شخصيات في المشترك تمثّل عائقاً أمام تشكيل المجلس الانتقالي، خوفاً من أن يؤدي الأمر إلى مواجهة مسلحة في الشارع.
إلا أن الأمين العام لحزب حق اليمني، حذر من أن خوف المعترضين على المجلس من أن تسيل الدماء بسببه، وتعطيلهم للأمر، قد يؤدي بدوره الى سفك المزيد من الدماء.
وأكد زيد أن المعارضة لا تملك الجرأة على إعلان قبولها المضيّ قدماً بالمبادرة الخليجية خوفاً من الشارع، في حين أنها لا تملك ما يكفي من الشجاعة لرفضها، مشبّها وضعاً بأنها «لا ترحم ولا تسمح لرحمة ربها بأن تنزل».
أما المخرج، فلا يبدو أنه ممكن إلا من خلال الجلوس على طاولة مستديرة تجمع جميع الأطراف اليمنية، لكن الحدث الذي سيجبر هذه الجميع على الاتفاق على حل يبقى رهناً بتطورات الأيام المقبلة.