تطوّرت المعركة الكلامية ـــــ الدبلوماسية بين كل من دمشق من جهة، والجبهة الغربية التي أعرب بعض أقطابها عن عدم ممانعتها على الأقل لسقوط النظام السوري، تتقدّمهم الولايات المتحدة وفرنسا بمعيّة بريطانيا، إلى مرحلة جديدة، أمس، مع تدخل مجلس الأمن الدولي في محاولة اقتحام السفارتين الأميركية والفرنسية لدى سوريا من متظاهرين سوريين، تحت شعار رفض تدخل سفارتي هاتين الدولتين في الشؤون السورية الداخلية. فقد أدان أعضاء مجلس الأمن الدولي «الهجمات التي تعرضت لها السفارات الأجنبية في دمشق، وأدت إلى خسائر في الممتلكات»، وطالبوا سوريا، في بيان صحافي اتفق عليه بعد اجتماع تشاوري مغلق، بـ«احترام اتفاقية فيينا لعام 1961» الخاصة بأمن السفارات و«حماية أملاك السلك الدبلوماسي».

في المقابل اتهم السفير السوري لدى الأمم المتحدة، بشار جعفري، الولايات المتحدة وفرنسا «بتشويه الحقائق وتضخيمها» بشأن هجوم المتظاهرين أول من أمس على سفارتيهما في دمشق.
وقال جعفري للصحافيين إن سوريا سعت إلى حماية السفارتين، واعتُقل بعض المتظاهرين المشاركين في هذه الأحداث وسيحالون على المحاكمة.
وانتقد صمت فرنسا، وخصوصاً عن التعدي على السفارة السورية في باريس بالطلاء الأبيض على مرأى من الشرطة التي لم تحرك ساكناً.
ورداً على تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أول من أمس، التي عبرت فيها عن أوضح موقف أميركي غير متحمس لبقاء نظام الرئيس بشار الأسد في الحكم، قال نائب الرئيس السوري فاروق الشرع إن «أي رئيس يكتسب شرعيته من شعبه وليس من الآخرين». وانتقد الشرع، أثناء مغادرته اللقاء التشاوري في دمشق، كلينتون على قاعدة أن الموقف الأميركي «لا يعنينا بشيء، الرئيس بشار الأسد يستمد شرعيته من شعبه وليس من الآخرين».
وقالت المستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة السورية، بثينة شعبان، إنه لا أحد يستطيع أن ينزع الشرعية عن الرئيس بشار الأسد، وهو منتخب من الشعب السوري. ورأت في تصريح للصحافيين أن تصريحات كلينتون عن الأسد هي «نتاج للموقف الأميركي الإمبريالي تجاه العرب، وهذا من غير اللائق وغير الممكن أن تتحدث وزيرة الخارجية الأميركية بهذه اللغة، وإذا كانوا لا يريدون الحوار، فهذا يعني أنهم يريدون الخراب لسوريا والحرب الأهلية».
وفي السياق، استنكر مصدر سوري رفيع المستوى تصريحات كلينتون، مشيراً إلى أنها «تشكل دليلاً إضافياً على تدخل الولايات المتحدة السافر بالشؤون الداخلية السورية»، في إشارة إلى اعتبار وزيرة خارجية الرئيس باراك أوباما أن الأسد «فقد شرعيته» وأنه «ليس شخصاً لا يمكن الاستغناء عنه». وأوضح المصدر نفسه أن «التصريحات هي فعل تحريضي يهدف إلى استمرار التأزم الداخلي، ولا تخدم مصلحة الشعب السورى ولا طموحاته المشروعة». كذلك جزم بأن سوريا «تؤكد أن شرعية قيادتها السياسية لا تستند إلى الولايات المتحدة أو غيرها، وهي تنطلق حصراً من إرادة الشعب السوري الذي يعبّر يومياً عن دعمه وتأييده لقيادته السياسية وللإصلاحات الجذرية التي طرحتها للدرس والحوار».
وجاء الدور يوم أمس للفرنسيّين لكي يتسلّموا زمام الهجوم الدبلوماسي على النظام السوري، عندما طالبت باريس بعقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي ليدين «الهجوم» على السفارة الفرنسية في دمشق. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية برنار فاليرو إن واشنطن «تضغط أيضاً من أجل عقد الاجتماع، وهو ما يجب أن يحدث في وقت متأخر من ليل اليوم» (أمس). وأعرب فاليرو عن أمل بلاده بأن «يدين مجلس الأمن الهجوم على السفارة لأننا نريد أن يتحدث مجلس الأمن علناً عما حدث». موقف يمكن عدّه ترجمة لما سبق أن عبّر عنه رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيّون من أنّ «إخفاق مجلس الأمن في التحدُّث ضد القمع العنيف للاحتجاجات المطالبة بالاصلاح في سوريا أصبح أمراً غير محتمل». ولفت فيّون، في مقابلة مع محطة «إذاعة أوروبا 1»، إلى أن «الأسد تجاوز الحد، وصمت مجلس الأمن الدولي على سوريا أصبح أمراً غير محتمل»، لأن «الاعتداءات العنيفة جداً التي استهدفت سفارتي فرنسا والولايات المتحدة تدل على أن النظام يمارس (سياسة) الهروب إلى الأمام». وتابع: «ما حدث في سوريا يثبت أن الأمور تخرج عن سيطرة النظام ويبدو أن بقاء الرئيس الأسد في السلطة أمر يقل الدفاع عنه مع كل يوم يمر».
ولم تتأخر بريطانيا عن مساندة فرنسا في التضامن معها ضد سوريا، إذ لفت وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية أليستير بيرت إلى أن «حادثة يوم الاثنين هي مثار قلق مباشر للندن ولكل الدول التي لها بعثات دبلوماسية في سوريا. كل دول الاتحاد الاوروبي طلبت بوجه عاجل الحصول على ضمانات من وزارة الخارجية السورية». وفي مقابل التهديد والوعيد، اعترف وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه بأن أي عمل جوي ضد سوريا «لن يحل شيئاً على الاطلاق»، وذلك في مقابلة مع صحيفة «لوفيغارو».
في غضون ذلك، ظلّت الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو لدمشق من دون موعد محدد، بما أنه سيجول على بيروت والقاهرة ودمشق والمنامة، بعدما أنهى جولتيه في طهران والرياض، من دون معرفة أولويات جولاته على هذه العواصم. واختتم داود أوغلو مساء أمس زيارته الايرانية، التي كان الملف السوري على رأس أولوياتها، بالاتفاق مع الرئيس محمود أحمدي نجاد على أنه «لا يمكن أي حكومة ان تحرم شعبها من الحرية والعدالة وألا تستجيب لمطالب شعبها».
ونقلت وكالات الأنباء الايرانية عن نجاد قوله إن طهران «ترى أنه يمكن جميع حكومات المنطقة إدارة بلادها بإجراء اصلاحات وتحقيق المطالب الشعبية»، من دون ذكر سوريا صراحةً. من جهته، طمأن رئيس الدبلوماسية التركية، بعد لقائه نظيره الايراني علي أكبر صالحي، بتصريحات صدرت في وقت متأخر من ليل الأحد ـــــ الاثنين، إلى أن «ايران وسوريا وتركيا تنتمي إلى العائلة نفسها، وإن واجه أحد افراد العائلة مشكلات، فعلى العائلة بكاملها أن تحاول تسويتها». ودعا داود أوغلو القيادة السورية إلى «المضي في اتجاه يأخذ بمطالب الشعب المشروعة وتفادي العواقب السلبية للتدخلات الأجنبية».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي، سانا)