دمشق | استفاقت المدن السورية، أمس، والحديث واحد على لسان الجميع: شهر الصيام بدأ بلون الدم هذا العام ليحل مكان طقوس الفرح المعتادة في شهر رمضان. الأوصاف التي أطلقها عدد كبير من المواطنين عن مقتل العشرات في حماه ودير الزور كانت غير مسبوقة من ناحية الإدانة لعنف السلطة في مدينتي العاصي والفرات، وخصوصاً أنّ تناقص أعداد قتلى تظاهرات الأسبوعين الأخيرين أوحى للبعض أن السلطة تهيّئ لشهر رمضان هادئ نسبياً، علّها تفتح كوّة للحوار في الجدار الأمني الفولاذي.في المقابل، سارع إعلام النظام إلى التشكيك برواية الأهالي، والعودة الى قصّة العصابات المسلحة. ومع ذلك، واصلت قناة «الدنيا» الخاصة، المملوكة للنائب السوري محمد حمشو ومجموعة من المتمولين السوريين المستفيدين من النظام، سياسة الدفاع عن السلطة. وعلى المنوال ذاته، جاءت تصريحات المصدر العسكري المسؤول وبيان وزارة الداخلية لتؤكد جميعها رواية «الإرهابيين المعتدين على القوات الأمنية والمواطنين». أما المعارضة، فقد كان لها وجهات نظر متباينة حول التصعيد الأمني.
الكاتب المعارض ميشال كيلو لم يستغرب ممارسات السلطات وأجهزتها الأمنية والعسكرية لأنه «بغض النظر عن الخطوات الإصلاحية التي قدمها النظام في الأيام الأخيرة، من إصدار قوانين الإعلام والانتخابات والأحزاب، فإنّ الهجوم الذي شنّه النظام على اللقاء التشاوري أوضح الصورة من ناحية أنّ الأسلوب القمعي هو الخيار الوحيد الذي تتبناه الأجهزة الأمنية في تعاملها مع التظاهرات».
وأكد كيلو لـ«الأخبار» أن خيار القوة لن يستطيع إيقاف حركة الشارع، مذكّراً بأن «النظام بدأ بخيار الحل الأمني حتى قبل انطلاق الأحداث، ولا يزال حتى اللحظة يعتمده رغم إثبات فشله»، مشيراً إلى أن تعرُّض مناطق ومحافظات مختلفة للعنف مثل درعا واللاذقية وريف دمشق وحماه وحمص «لم يمنع تجدُّد خروج التظاهرات». وعن التغيّرات التي طرأت على بعض المواقف الدولية، وخصوصاً على كلام المسؤولين الروس (الذين دعوا الطرفين إلى ضبط النفس)، علّق كيلو مستغرباً «مجمل هذه التغيرات، إذ كان من المفترض مع بداية الأحداث قراءة السياسة الدولية للأزمة السورية بشكل صحيح، فلكل بداية نهاية، والبداية التي اختارها النظام السوري كانت معروفة سلفاً». وأضاف إن «ما يقدّمه المسؤولون الأجانب حالياً هو محاولة للتغطية على أنفسهم، بعدما انكشفت الحقيقة أمام العالم». وعن قراءته للأحداث المتوقعة في الأيام المقبلة، رأى أن «القرار صدر بالفعل من النظام السوري بالتصعيد العنيف جداً في التعامل مع الشارع المنتفض، في محاولة فاشلة سلفاً لإنهاء حركة الاحتجاج أينما وجدت». وجزم بأنّ المتابع للواقع السوري الاجتماعي والديني «سيجد أن مفاهيم قومية ووطنية وُلدت خلال الأعوام الماضية، وستترجم تصعيداً شعبياً غير مسبوق خلال شهر رمضان لما يحويه هذا الشهر من دلالات دينية تشجع على الخروج الى الشارع بداعي الجهاد ونصرة المظلوم».
أمّا السياسي المعارض فاتح جاموس فقد وجد في التصعيد القمعي وحملات الاعتقالات ومحاصرة بعض المدن والمناطق السورية «حلاً واهياً»، لأنه «يستحيل على النظام السوري الاكتفاء بالوسائل القديمة لردع الحراك الشعبي والتظاهرات، أي بالوسائل العنفية، كما يستحيل أن تعود سوريا إلى ما كانت عليه قبل بداية الحراك الشعبي». وعن ضبابية المشهد السوري وعلاقة المعارضة بالنظام، لفت إلى أن «النظام على استعداد في هذه اللحظة للاستماع إلى المعارضة بأطيافها المختلفة والدخول معها في مساومات، لأنه منذ سقط كنظام أحادي الفكر، يحاول الدفاع عن نفسه ومصالحه بكل الوسائل الممكنة كونه ينطلق من اندماجه المطلق في الدولة، ويريد تهدئة الأوضاع، لكن بأساليب مشابهة تماماً لما كان يتبعه في الماضي».
وعن توقّعاته لما يمكن أن تشهده الساحة قريباً، أعرب جاموس لـ«الأخبار» عن اعتقاده بأن النظام «سيحاول تهدئة الأوضاع في رمضان بالحد الأدنى من وسائل العنف، إلى جانب الوسائل والحلول السياسية الممكنة». ولا يجد تعارضاً أو تناقضاً بين مشاهد العنف في حماه، والحلول الأخرى التي يمكن أن يتبعها النظام وأجهزته الأمنية المختلفة في السيطرة على الأزمة، كالحوار المفترض، لأنه «في جميع مراحل التاريخ وحركات الصراعات، العديد من الحوارات جرت تحت القصف والعنف وانتهت بكسر العظم، ويمكن أن تكون مدافع الدبابات موجهة إلى الشارع المنتفض والحراك الشعبي، وفي الوقت نفسه يحصل الحوار».
واستبعد جاموس أن تشهد المدن الكبرى مثل دمشق وحلب تصعيداً كبيراً مقارنةً بما هو الوضع حالياً في الأرياف والمناطق المحيطة بهذه المدن «التي أتوقع أن تشهد تصعيداً استثنائياً كبيراً خلال الأيام المقبلة».
وفيما رأى الكاتب المعارض فايز سارة أن ما تشهده المدن والمحافظات السورية من تصعيد أمني هو أمر طبيعي، استدرك بأن «ما يحصل الآن هو تحوُّل في الخطة التي رسمها النظام ونفذتها أجهزته الأمنية المختلفة من أجل السيطرة على الشارع، لكنه كان تصعيداً متوقعاً مع بداية شهر رمضان». هكذا، لا يستغرب سارة شراسة الأجهزة الأمنية، لافتاً إلى أن «النظام السوري حسم خياراته في اعتماد الأسلوب القمعي»، متسائلاً «هل إبادة مدن ومناطق سورية بكاملها هي ما يريده النظام؟». تساؤل يجيب عنه بالتشديد على ضرورة «الذهاب إلى حل سياسي مبني على حوار حقيقي للخروج من الأزمة بعد إيقاف القمع الذي أثبت فشله تماماً». أما عن المنتظر من ردود الفعل الدولية، فيوضح سارة أن التصعيد «سيكون كفيلاً بتغيير كبير سيطرأ قريباً على السياسة الدولية، ما سيسمح بتدخل عسكري سياسي خارجي، أو حتى عقوبات اقتصادية، وهذا ما نخشاه ونعارضه جميعاً».
بدوره، قرأ الكاتب والصحافي المعارض لؤي حسين التصعيد العنفي في حماه ودير الزور كـ«دلالة على ارتباك السلطة وعجزها عن فعل أي شيء سوى إطلاق النار، وليس لديها أي مبادرة سلمية ديموقراطية حقيقية للخروج من الأزمة». وشدد على أوضاع المعتقلين الذين أكد أنهم «يملأون جميع السجون والمعتقلات ويعيشون أوضاعاً لاإنسانية»، قائلاً إن العديد من الأماكن العامة والدوائر الحكومية «تُستخدم كمعتقلات وخصوصاً في الأيام العشرة الأخيرة».