اقترب الوقت من منتصف الليل. بدأت الأنباء تتوالى عن انتشار الثوار في طرابلس، وأخذت تتسارع معها مشاهد سقوط نظام القذافي، إلا أن النظام الليبي واصل الحفاظ على مسافة شاسعة بينه وبين إرادة شعبه، وهو ما انعكس من خلال التلفزيون الليبي.
المشهد الأول: التلفزين الليبي يذيع أغنية «أمرك عينا سيدي»، التي تظهر قوات نظامية ليبية تستعرض عتادها المتطور وتؤكد ولاءها المطلق للعقيد. أما الفضائيات العربية، فكانت تنقل صور الاحتفالات التي تعم طرابلس، معقل القذافي الأخير، إيذاناً باقتراب نهاية النظام، فيما كانت الأنباء عن اعتقالات في صفوف أبناء القذافي وتحديداً سيف الاسلام. أما محمد، الابن الآخر للقذافي، فاختار كما تبين اجراء مفاوضات مبكرة مع قادة الانتفاضة الليبية والاستسلام لهم بمجرد دخولهم
طرابلس.
المشهد الثاني: المذيع على التلفزيون الليبي مشغول الى جانب ضيفه المرتبك في التأكيد على أهمية «الجهاد ضمن ملحمة الصمود». الصمت يعم قبل أن يُسمع صوت القذافي فجأة في خطاب متقطع يدعو فيه إلى حماية طرابلس والزحف عليها كأنما فقد الارتباط بزمان الحدث ومكانه.
على المقلب الآخر، الرجل الثاني السابق في نظام القذافي، عبد السلام جلود، يطل بعدما اختار التوقيت المناسب للقفز من سفينة النظام للحديث عن مدى سذاجة القذافي ونجله سيف الإسلام، هازئاً بكل ما يشاع عن الصفة الإصلاحية المقرونة بالأخير، وراوياً بعض من تجاربه مع أسرة القذافي.
المشهد الثالث: ضيف جديد على تلفزيون الجماهيرية الليبية، يؤكد أن صرخة الجهاد قد آن أوانها. أما الفضائيات العربية، فبدأت تتحدث عن طائرتين من جنوب أفريقيا في مطار طرابلس، فيما خرج المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي احمد باني، متحدثاً عن خبر سار بعد دقائق عشر، رافعاً الآمال باقتراب فرار القذافي على غرار حليفه التونسي، زين العابدين بن علي، أو اعتقاله.
المشهد الرابع: نسوة على شاشة التلفزيون الليبي يمدحن القذافي في لهجة أقرب إلى النحيب وصورة القذاقي تحتل الجانب الأيمن من الشاشة. على المقلب الآخر تصدح أصوات المذيعين على الفضائيات العربية بأنباء ترجح اعتقال القذافي أو عضو مجلس قيادة الثورة الخويلدي الحميدي، فيما الصور من الساحة الخضراء تتوالى إيذاناً بسيطرة الثوار على مختلف أحياء طرابلس، باستثناء باب العزيزية.
المشهد الخامس: التلفزيون الليبي لم يعد يكتفي بالدعوات إلى الجهاد، بل بدأ عرض صور القصف الذي طاول طرابلس وسرت، مؤكداً أن عدد القتلى في هذا اليوم وصل إلى ١٣٠٠، فضلاً عن ٥ آلاف جريح، لعله يرفع من معنويات من بقي إلى جانبه، ولا سيما بعد إعلان انضمام رئيس الاستخبارات الليبية إلى الثوار.
الوقت يمضي، علامات انهيار النظام باتت أكثر من أن تحصى، فيما رواية التلفزيون الليبي ثابتة لا تتبدل.
رواية توقفت مع ساعات الصباح، حين استقر العرض على برامج مسجّلة، قبل أن ينقطع بث «الجماهيرية»، ويعلن متحدث باسم المعارضة أن قواتها سيطرت على مقر التلفزيون الرسمي في طرابلس.
وقال «اقتحم الثوار مبنى التلفزيون بعد قتل الجنود الذين يطوقونه. وهو الآن تحت سيطرتهم».
(الأخبار)