تسلط المعلومات الجديدة والسرّية المستقاة من الوثائق، التي عثُر عليها داخل مكتب رئيس الاستخبارات الليبي السابق موسى كوسا، الضوء على العلاقات الوثيقة التي جمعت بين جهازي الاستخبارات الأميركية والليبية، وتحديداً تلك المتعلقة بإرسال المعتقلين المتهمين بالإرهاب الى ليبيا من أجل تعذيبهم والتحقيق معهم، إضافة الى ملاحقة معارضي النظام الليبي واعتقالهم وتسليمهم.
ويتحدث تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» عن هذه الوثائق فيقول «رغم أنه كان معلوماً أن الاستخبارات الغربية بدأت بالتعاون مع نظيرتها الليبية بعد تخلي ليبيا عن برنامجها النووي في 2004، لكن الوثائق التي عثر عليها الثوار الليبيون تدل على أن التعاون كان أشدّ بكثير مما هو معروف مع «سي آي إيه» والاستخبارات البريطانية «أم آي 6».
وتشير بعض الوثائق الى أن وكالة الاستخبارات البريطانية كانت مستعدة لتعقب أرقام هواتف من أجل الليبيين. وحصلت على هذه الوثائق مجموعة من الصحافيين ومنظمة «هيومن رايتس ووتش». وهي موجودة ضمن 3 مجلدات باللغة الإنكليزية، أحدها يتعلق بالـ «سي آي ايه» والاثنان الآخران متعلقان بـ «أم آي 6»، إضافة الى رزمة وثائق أخرى باللغة العربية. ولفتت الصحيفة الى أنه يستحيل التأكد من صحة هذه الوثائق في هذا الوقت، وخصوصاً أن أياً منها لم تكن مكتوبة بخط اليد، لكن بعض المجلدات أشارت بوضوح الى الـ«سي آي ايه»، كما أنّ محتواها يبدو متوافقاً مع ما هو معروف لجهة نقل المتهمين بالإرهاب الى الخارج من أجل التحقيق معهم.
ورغم أن مسألة نقل المعتقلين الى ليبيا للتحقيق معهم كانت تجري على نحو سرّي، سمّت التقارير الإعلامية في كثير من المرّات ليبيا كإحدى الدول الأساسية (فضلاً عن الأردن ومصر وسوريا والسعودية وباكستان وغيرها) التي تتعامل معها الولايات المتحدة ضمن برنامج «التسليم» rendition المعروف، الذي وُجهت اليه انتقادات كثيرة. ومعظم حالات التسليم التي تذكرها الوثائق هي عمليات خاصة بالـ «سي آي ايه»، لكن هناك عملية واحدة على الأقل قامت بها «أم آي 6». وتنقل الصحيفة عن مدير الطوارئ في منظمة «هيومن رايتس ووتش»، بيتر بوكارت، الذي اطلع على الوثائق، من مقرّه في طرابلس، قوله إن «برنامج التسليم يتعلق بتسليم المسؤولين النافذين في تنظيم «القاعدة» من أجل تعذيبهم وسحب الاعترافات المطلوبة منهم». وتتناول هذه الوثائق الفترة الممتدة ما بين 2002 و 2007، والعديد منها جرى في أواخر 2003 و 2004، عندما كان موسى كوسا (وزير الخارجية الأخير) على رأس منظمة الأمن الداخلي في ليبيا. كذلك وُجد بين الوثائق الخاصة بـ «سي آي ايه» خطاب موجه إلى العقيد معمر القذافي يبدو أنه أرسل قبل عيد الميلاد عام 2007. ويصور هذا الخطاب العقيد بصورة إيجابية، بحسب الصحيفة، بحيث يستعمل الاسم الثوري للحكومة الليبية، ويخلص الى أنه «في وقت يحتفل فيه العالم بميلاد المسيح، وكعلامة على التزامنا بعالم مليء بالسلام، الاستقرار والرحمة، الجماهيرية العظمى تقدّم أشرف صوت من أجل شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل».
وفي العديد من الحالات، تشير الوثائق الى اعتقال دولة صديقة مشتبهاً فيه، ثم تقترح إرسال طائرة لجلب المشتبه فيه وتسليمه الى الليبيين من أجل إجراء التحقيق اللازم معه. وتعرض إحدى الوثائق لائحة بـ89 مشتبهاً فيهم سُلّموا الى ليبيا من أجل التحقيق معهم.
إحدى الوثائق الموجودة في مجلدات «سي آي ايه» تتحدث عن عمليات لتسليم «الشيخ موسى الى حصانتكم المادية، شأنه بذلك شأن ما قمنا به مع عنصر رفيع في «أل آي أف جي» خلال السنوات الماضية»، في اشارة الى الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية، المتهمة بالتخطيط للانقلاب على القذافي، ويعتقد الأميركيون أنها على صلة بتنظيم «القاعدة».
وحين طلب الليبيون تسليم المسؤول الرفيع في الجماعة أبو عبد الله الصديق، يشرح ضابط في وثيقة مؤرخة في آذار 2004 «نحن ملتزمون بتطوير العلاقة من أجل مصلحة الطرفين»، ويعد ببذل كل الجهود لتحديد مكان الصديق. وبعد يومين، يرسل الضابط فاكساً الى الليبيين ليقول لهم إن الصديق وامرأته الحامل يخططان للسفر الى ماليزيا، وإن السلطات وافقت على وضعهما على متن طائرة بريطانية لنقلهما الى لندن وسيتوقفان في لندن. ويضيف «نخطط كي نتولى أمر الزوجين في بانكوك، لنضعهما على متن طائرة وننقلهما الى بلادكم».
ووفقاً لبوكارت، الذي اطلع على الوثائق، فإن الصديق هو الاسم الحركي لعبد الحكيم بلحاج، وهو القائد العسكري للجماعة. وقد أعطى بلحاج قبل أيام تفاصيل تتوافق مع ما ورد في الوثائق، بحيث أكّد أنّه اعتقل في بانكوك وعذّبه عميلان لوكالة «سي آي ايه».
وفي إحدى الحالات التي تسردها الوثائق، يحاول الليبيون إرسال طائرتهم الخاصة لنقل عنصر من الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية، هو أبو منذر، وزوجته وطفله، المحتجزين في هونغ كونغ بسبب مشاكل في جوازات السفر، لكن الطائرة الليبية عادت أدراجها، بسبب تردد السلطات في هونغ كونغ بمنح الطائرة الليبية الإذن بالهبوط. وتنقل الصحيفة عن وثيقة مصنفة سرية أنه جرى نصح الليبيين بإرسال طائرة من دولة ثالثة. وتضيف «وإذا كان هناك مشكلة في الدفع، فإن وكالتنا مستعدة للمساعدة مالياً».
ورفضت المتحدثة باسم «سي آي ايه»، جنيفر يونغ بلود، التعليق على مضمون الوثائق. لكنها قالت «لا يجوز أن يكون مفاجئاً معرفة أن وكالة الاستخبارات المركزية تعاملت مع الحكومات الأجنبية لتحمي بلادنا من الإرهاب والتهديدات المميتة».
(الأخبار)



«أم آي 6» تبعث بتحياتها!

تحدثت صحيفة «ذا اندبندنت» البريطانية عن هذه الوثائق السرية التي عُثر عليها في مكتب موسى كوسا (الصورة)، وتحديداً عن الدور البريطاني في مساعدة العقيد معمر القاذفي على ملاحقة معارضيه في الخارج واعتقال. وقالت الصحيفة إن الوثائق التي عُثر عليها تشمل رسائل وفاكسات الى كوسا معنونة بالقول «أم آي 6 تبعث بتحياتها»، فضلاً عن بطاقة معايدة شخصية بعيد الميلاد وقّعها جاسوس بريطاني بارز، مقدماً نفسه بصفة «صديقك». ولفتت الصحيفة الى أن تلك الوثائق ستثير أسئلة بشأن صلات بريطانيا، وخصوصاً مع كوسا، ونظام معمرالقذافي، الذي كانت القوى الغربية تعمل على إخراجه من عزلته في الماضي القريب. ورفض وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ التعليق على هذه المسألة على اعتبار أنها تتعلق بالحكومة السابقة. وقال لتلفزيون «سكاي نيوز» البريطاني «تلك الوثائق تتعلق بالحكومة السابقة، ومن ثم لا أعرف ما كان يدور وراء الكواليس وقتها».