دمشق | بالنسبة إلى فئة من السوريين، لا التعددية السياسية ولا المادة الثامنة من الدستور ولا حتى إسقاط النظام هي المشكلة في بلادهم، فالهمّ الأول لهذه الشريحة هو قانون واحد اسمه قانون الاستملاك، الذي يمثّل تعديله هدفاً أسمى من تعديل وإصدار قانون الأحزاب أو الإعلام بالنسبة إلى البعض. يدخل هذا القانون كمحرك ودافع أساسي لمطالب جزء كبير من الشعب السوري، لكونه يحمل في مواده ظلماً للكثير من مالكي الأراضي الذين شملهم الاستملاك. ومن يقرأ العرائض التي قدّمها أهالي العديد من المناطق في المحافظات السورية، يجد هذا القانون في سلّم الأولويات التي يمسّها على نحو مباشر. ينصّ قانون الاستملاك على حق الدولة في استملاك أرض تجد أنّ من الضروري وضع اليد عليها من أجل تحقيق المصلحة العامة. ويتحقّق هذا «النفع العام» من خلال بناء مستشفيات وحدائق وتوسيع طرقات وغيرها من المشاريع الحكومية «التي تعود على المجتمع بالنفع والفائدة». هذا التعريف العام لقانون الاستملاك موجود في معظم دول العالم. وحين تُعلم الحكومة مالك الأرض بأنها تريد استملاك أرضه، فهذا بالنسبة إليه «يوم حظه»، لكونه سيحصل على مبلغ من المال، ربما لم يكن يحلم به، لكنّ حال المواطن السوري تختلف حين يسمع بقرار كابوس استملاك أرضه.
وموضوع العلاقة بين الاستملاك والمواطن طويل ومعقد، إذ إن بنود هذا القانون تختلف بين المناطق الزراعية والمناطق المروية وغيرها، كما يختلف الأمر بين عائلة وأخرى بحسب مكان السكن والوثائق ونوعية الأرض التي تملكها، لكن يمكن تلخيص المشكل في ثلاث نقاط رئيسة:
1 ــ حين تعلن الجهة المختصة قرار الاستملاك، يجري التعويض المادي لمالك الأرض بحسب أحكام المادة (14ــ 1) من الفصل الثالث من المرسوم التشريعي للاستملاك الرقم 20 لعام 1983، التي نصت على أنه يجري تقدير قيمة الأرض المستملكة وفق الأسس الواردة في القانون الرقم /3/ لعام 1976 وتعديلاته. وبلغة الأرقام، يكون التعويض على النحو الآتي: يجري تقدير قيمة الأرض المستملكة بحسب قانون عمره أكثر من 25 عاماً، أي إنّ سعر المتر المربع يقدر بحسب قيمة سعر الأرض قبل 25 عاماً. مثلاً، قدّم سكان أهل برزة في ريف دمشق طلب إعادة تخمين للأراضي التي جرى استملاكها، حيث عُوّضوا باستملاك أراضيهم بمبلغ 850 ليرة سورية للدونم الواحد، فزارهم أحد المسؤولين في القصر الجمهوري. ومن خلال تقديره لقيمة الأرض، تبين أنه لو جرى حساب المتر المربع على سعر الأرض الجاري العمل بموجبه في الوقت الحالي، لأصبح سعر الدونم نحو 85 مليون ليرة سورية.
تجدر الإشارة إلى أن القانون أعطى مدة خمس سنوات للجهة المستملكة في إيداع المبلغ المتفق عليه في أحد المصارف، أو تسديده لمالك الأرض. وحين يُدفع المبلغ، تقوم الجهة المستملكة بإبلاغ رئيس المكتب العقاري المعاون المختص ليسجّل العقار.
2 ــ يحق للمواطنين تقديم اعتراض على القيمة المقدرة لأرضهم أمام اللجنة التحكيمية التي تنظر في هذه الدعوى، لكن الاعتراض هو في هيكلية هذه اللجنة، فهي مؤلفة من قاضٍ يسميه وزير العدل يكون رئيساً للجنة ـــــ ثلاثة أعضاء يمثلون الدولة ـــــ وعضو واحد يمثل المالكين. وتتخذ اللجنة قراراتها بالإجماع أو بالأكثرية، وقراراتها مبرمة غير قابلة للطعن بأي طريق من طرق الطعن أو المراجعة، بالتالي فإنّ كفّة الميزان ترجّح أن يأتي قرار اللجنة التحكيمية على الأغلب لمصلحة الدولة. هنا أيضاً، يجب التذكير بأن القانون السابق كان ينص على أن لجنة التحكيم تضم قاضياً (رئيساً) وعضوين يمثلان الجهة المستملكة، وعضوين يمثلان أصحاب الحقوق.
وفي القانون السابق بتاريخ 20 \4\1974، كان يحق لمالك الأرض التقدم بطلب إعادة التخمين بعد مضي خمس سنوات على تحديد قيمة التعويض، طالما لم يكن قد جرى إيداع المبلغ أو تسليمه. أما في القانون الحالي، فيُعتمَد على مبدأ الفائدة السنوية، فتنص المادة 25 \3 على الآتي: «إذا تأخر الدفع أو الإيداع في المصرف عن المدة المحددة في الفقرة الأولى من هذه المادة، لا يعاد تقدير القيمة وإنما تدفع لصاحب الاستحقاق فائدة قانونية بسيطة بمعدل 6 في المئة من القيمة سنوياً عن مدة التأخير، وتسري هذه الفائدة من تاريخ انقضاء خمس سنوات على صدور مرسوم الاستملاك، أو من تاريخ وضع اليد على العقار أيهما أسبق، وتزداد هذه الفائدة إلى 8 في المئة سنوياً بالنسبة إلى العقارات التي وضعت عليها اليد بعد خمس سنوات من تاريخ وضع اليد». الملاحظ في هذه المادة هو عدم تحديد المدة الزمنية التي يجب أن يُدفع المبلغ بحسب نظام الفائدة، كما أنها لم تراعِ التغيير في أسعار العقارات الذي يتطور على نحو دائم.
3 ــ في عام 1946، نصت المادة 21 من قانون الاستملاك على قيام الدائرة المستملكة، في حال العدول عن القيام بتنفيذ أعمالها التي استملكت لأجلها العقارات أو الأراضي، يحق للمالكين استرداد عقاراتهم لقاء إعادة بدل الاستملاك، لكنّ تعديل القانون الذي جرى في عام 1983، جاء على النحو الآتي: وفقاً لأحكام قانون الاستملاك لعام 1974 والمرسوم التشريعي لعام 1983، فإن الجهات العامة في الدولة، إذا استملكت مجموعة عقارات للنفع العام بهدف إنشاء مدرسة أو حديقة عامة أو طريق أو مستوصف أو غيره، ثم عدلت الدائرة المستملكة عن القيام بالأعمال التي من أجلها جرى الاستملاك، فإن المواطن مالك العقار لا يحق له استرداد عقاره حتى بعد زوال صفة النفع العام عنه، لأن هذه العقارات المستملكة أصبحت وفقاً لأحكام القانون من الأملاك الخاصة للدولة، ويجري تسجيلها في قيود السجل العقاري باسم الجهة العامة المستملكة، ويحق لهذه الجهة التصرف بهذه العقارات بكل وجوه التصرف.
يُدرس الآن تعديل قانون الاستملاك وإصدار قانون الاستملاك الموحد الذي يراعي الكثير من الأخطاء التي كانت موجودة في القانون الحالي، والتي ظلمت جميع المدن السورية التي مرّ عليها الاستملاك، تاركاً وراءه أُسراً وأراضي ومطالب برسم انتظار الحلول في تعديل المواد القانونية. ومن بين مطالب السوريين أن يعيد هذا القانون الثقة بين الجهة الحكومية ومالكي الأرض، ومحاسبة من استغلّ هذا القانون لتمرير مشاريع كان الهدف منها إعادة بيع هذه الأراضي بأسعار مرتفعة، تختلف جذرياً عن قيمة التعويض المدفوع.