• تعديل الدستور قبل القوانين • التدخل العسكري يعني عراقاً آخر
• لا أحد يشعر بوجود القيادة القطرية لـ«البعث»

وزير الإعلام السوري الأسبق، محمد سلمان، كان من أوائل القادة «البعثيّين» الذين رفعوا الصوت للمطالبة بالإصلاح لاحتواء الشارع المنتفض. وعلى هذا الأساس، كانت أهمية اللقاء معه، ولا سيما بعد تقديمه مبادرة للخروج من الأزمة

عملتم مع عدد من السياسيين والمثقفين السوريين والبعثيين القدماء على طرح مبادرة حملت اسم «المبادرة الوطنية الديموقراطية» قبل حوالى ستة أسابيع، ما تقويمكم لنتائج هذه المبادرة على الأرض، وكيف تعامل معها النظام السوري؟

- جاءت هذه المبادرة، في ذروة الأزمة الوطنية التي تعيشها سوريا، والأزمة التي أقصدها لها طرفان، الأول تعيشه السلطة مع نفسها، والطرف الآخر عند المجموعات المسلحة والحراك السلمي الذي يعيشه الشارع السوري. وانطلاقاً من محاولاتنا تقديم حلول للخروج من الأزمة، التي أعدها مسؤولية جميع الوطنيين في سوريا، حرصنا على أن تكون بنود المبادرة أو «خريطة الطريق للخروج من الأزمة السورية» ـــــ كما سمّتها بعض وسائل الإعلام ـــــ تلبي متطلبات الشارع السوري بأطيافه المختلفة، من أجل إقامة الدولة المدنية، التي تمنح الجميع فرصة حقيقية لبناء الوطن من دون تفرقة حسب الانتماء، لأن الانتماء هو للوطن وحده.
وضعنا أوراق مبادرتنا بين يدي الرئيس بشار الأسد، باعتباره يمتلك القرار في كل مؤسسات الدولة، من أجل عقد مؤتمر وطني، يضم السلطة والمعارضة، ووضع قراراته الناجعة والمنقذة من المؤامرة، وتأليف حكومة وحدة وطنية تضم أسماءً من المعارضة، ومن ثم إعادة هيكلة الدستور السوري، ووضع قانون الأحزاب وقانون الانتخاب بحيث تؤسس لدولة وطنية ديموقراطية، ووضعنا خطة زمنية لتنفيذ جميع هذه التغييرات لا تتعدى السنة الواحدة. وللأمانة، فالنظام السوري تعامل مع ما قدمناه بجدية وبمسؤولية عالية، ووجّه إلينا دعوة لحوار حقيقي، لكن في هذه الفترة، وجد البعض من الباحثين عن النجومية السياسية، تحت عنوان المعارضة، أن هذه المبادرة قد غطت على جميع نشاطاتهم، فما كان منهم إلا أن أعلنوا أن هذه المبادرة تحمل خلفيات، لكن ما أريد أن أقوله إن هذه المبادرة كانت حصيلة اجتماعات استمرت قرابة شهرين كاملين، وألّفت لجنة لوضع الصيغة الأساسية لها، ضمت ثلاثة أشخاص هم: الدكتور أحمد برقاوي، ميشال كيلو والدكتور يوسف سلمان، ووضعت أمام الجمعية العمومية لهذه المبادرة مناقشتها، وصولاً إلى صيغتها النهائية، ولا أحد يستطيع القول إن بعثيين وحدهم هم من صنعوا المبادرة، لأنها احتوت على ماركسيين وقوميين عرب سابقين، وناصريين ومستقلين وفنانين ومثقفين، وعلى قادة من الاتحاد الاشتراكي، جاءت المبادرة إذاً تحمل نسيجاً فكرياً يشمل كل أطياف المجتمع السوري.

هناك أسماء مختلفة من المعارضة السورية شككت في مدى صدقية المبادرة التي أسهمتم في إطلاقها، وعدّتها إحدى مساهمات النظام للخروج من الأزمة، ما ردكم على ذلك؟

- بعض رموز المعارضة السورية تعاملوا مع المبادرة بإيجابية كبيرة، والذين دافعوا عن المبادرة من رموز المعارضة أكثر بكثير من الذين شككوا فيها، ومن تعامل مع المبادرة بسلبية ربما كان دافعه الغيرة، عندما عدّنا مجموعة تبحث عن النجومية، أو مراكز سلطوية رفيعة. خلال 30 عاماً قضيتها في مراكز سلطوية مختلفة، لم أجد يوماً سوريا تعيش مثل هذه الأزمة، أو هذا الانقسام الشعبي، عندما وجدت، أن الإطار الحزبي في حزب «البعث» مقصر كثيراً في المساهمة من أجل الخروج من الأزمة، وتُركت الفرصة متاحة لقلة قليلة من الناس لأن يعالجوها، وبالتالي استبعدوا حزب البعث العربي الاشتراكي من المشاركة في حل الأزمة، على مستوى القيادة وعلى مستوى القواعد، وهم الذين لم يتدخلوا في الانحراف في العمل الاقتصادي في سوريا، الذي ولّد الفجوة الكبيرة بين النظام والشعب، أطلقنا المبادرة. لأول مرة في تاريخ سوريا، نرى الفلاحين يتظاهرون ضد حزب البعث والنظام السوري. لذلك نحن في مبادرتنا رفعنا شعار «لا للعنف... لا لحمل السلاح... لا للقتال»، لكن قلنا أيضاً إننا مع جميع التظاهرات السلمية التي تنادي بالحرية والكرامة للمواطن، ومع مطالبتها بالانتقال نحو نظام ديموقراطي جديد.

من وجهة نظرك لاستراتيجية المرحلة القريبة المقبلة، هل ترى أننا نتجه نحو تحقيق التهدئة عبر تطبيق بنود مبادرتكم، أم أن الأمور تتجه نحو تفاقم الأزمة؟

- حتى هذه اللحظة، وبعد سماع الشعب السوري بمختلف أطيافه والمعارضة السورية أيضاً، سواء كانت في الداخل أم في الخارج، بطروحات التدخل الخارجي، بدأوا يتلمسون ويشعرون بالمسؤولية بطريقة أكثر جدية، لأنهم جميعاً على علم مسبق بأن التدخل الخارجي سوف يذهب بالبلاد نحو أوضاع خطيرة جداً، سواء من حيث التقسيم الجغرافي لسوريا، أو التقسيم الطائفي، ما يحول سوريا إلى عراق أو أفغانستان أخرى، لذلك بدأنا نسمع مبادرات وبيانات تقول إن عدم التدخل الخارجي سيؤخر تحقق الإصلاحات سنة أو سنتين، فليكن ذلك، لكن يجب على الجميع حشد قواهم للانتقال إلى الحياة الديموقراطية، من دون أن نتيح فرصة للتدخل الخارجي.

ترى أطيافٌ كثيرة من المعارضة السورية أن الانتقال إلى الحياة الديموقراطية مرهون بإلغاء المادة الثامنة من الدستور. من وجهة نظرك، كبعثي قديم، في حال إلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري، كيف سيتعامل البعثيون مع هذا التغيير؟

- من وجهة نظري الشخصية، أركز على المادة الثامنة وأقول: يجب تعديل هذه المادة حتماً. لقد عشت طيلة حياتي السياسية في حزب البعث، وهذا الحزب هو من أسهم في أن أكون اليوم في مكاني هذا، سواء في السلطة أم في قيادة هذا الحزب. إذا أردنا أن نبني سوريا الجديدة بصيغتها المدنية الديموقراطية الجديدة، حتى تعيش حياة مستقبلية مستقرة ومتطورة، وأن نبني نظاماً متطوراً، فلا يجوز الاكتفاء بتعديل المادة الثامنة وحدها من الدستور، لأن هناك مواد أخرى كثيرة يتصل بعضها ببعض، يجب أن ينظر إلى تعديلها جميعاً، أما إذا أردنا أن تكون معالجتنا عاجلة ومجتزأة، فنكتفي بتعديل المادة الثامنة فقط، لأنها تقول: «إن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع»، أما بقية الأحزاب السياسية، فلا تشملها هذه المادة. من يرد أن يبني مستقبلاً مزدهراً لسوريا، فعليه أن يضع جميع الحلول التي تتيح فرصة الالتئام والعودة بالمجتمع السوري إلى ما كان عليه. وبما أنني أؤمن بالديموقراطية، وبمسألة العيش المشترك مع الجميع، وأرى أيضاً أن الحياة السياسية في سوريا هي وحدة متكاملة، فليكن إذاً حزب البعث حزباً من الأحزاب في الساحة السورية السياسية، وأن يتنافس مع بقية الأحزاب، مثله مثل غيره، والأفضل هو من يبقى في الساحة، أو هو من الذي يحكم.

هناك من يقوّم القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي بأنها لم تكن كما هو مأمول منها. كيف تقوّم أداء القيادة القطرية وطريقة تعاملها مع الأزمة السورية؟

- في الحقيقة، لا أحد يشعر بوجود مثل هذه القيادات في الوقت الحاضر، وبالأخص في ما يتعلق بالقواعد الحزبية على الأرض.

هناك من ينتقد خروج قوانين الأحزاب والانتخابات والإعلام من عباءة الحزب الحاكم، ويتساءل بتهكّم: كيف للحزب الحاكم أن يصدر قوانين لأحزاب، أو انتخابات لأحزاب أخرى ستنافسه على السلطة؟ كيف تقرأ هذه المسألة؟

- جميع القوانين التي ذكرتها يجب أن توضع وتقرّ في ظل دستور جديد. في البيان الذي أصدرته المبادرة، هناك بند يطالب بتجميد قانونَي الانتخاب والأحزاب، حتى يصدر الدستور الجديد. والسيد رئيس الجمهورية وعد بالعمل على إصدار دستور جديد، فليؤجل إذاً العمل أو إقرار جملة هذه القوانين إلى ما بعد إقرار الدستور الجديد. كان من الأفضل فعلاً لو أصدرنا دستوراً جديداً، ومن ثم أقرت هذه القوانين. في الحقيقة كان هناك استعجال وضغوط كبيرة من أجل الإسراع بإصدار هذه
القوانين.

تدور في الأجواء تصريحات صحافية وتقارير استراتيجية مختلفة، تتوقع وقوع حرب قريبة في المنطقة، ما هي قراءتك القريبة للمرحلة المقبلة؟

- بالقراءة السريعة للواقع السياسي، يمكن القول إن جميع الاحتمالات مفتوحة. على سبيل المثال وفي ما يتعلق بالمعارضة السورية، بعض أطيافها يطالب علانية بالتدخل العسكري على الأراضي السورية، ويحاول دائماً إيجاد مبررات مقنعة لهذا التدخل، أيضا هناك إيران التي لها مصالح أساسية في ما يدور في المنطقة، وهي قوة كبيرة لا يمكن إغفالها، والوضع الفلسطيني أيضاً بمنظماته المختلفة والتهديدات التي تطاول وجوده، لكنني أرى أن القاهرة، وما يحدث فيها من تغييرات وأحداث، هي البوصلة الحقيقية لجميع السيناريوات المحتملة.

أفرزت هذه المرحلة بعض الأسماء المعارضة التي كانت تهلّل سابقاً للنظام السوري، وباتت الآن تدلي بتصريحات على الفضائيات وتتصدر المؤتمرات بعدما نجحت في ركوب موجة الاحتجاجات، كيف تقرأ هذه الظاهرة؟

- هناك أسماء كثيرة من المعارضة يقدمون أنفسهم على أنهم ممثلون لتنسيقيات الثورة، ويتحدثون باسمها في بعض المؤتمرات، لكن جاء بيان من تنسيقيات الثورة السورية بأنه لا علاقة لهم بمجمل هذه الأسماء التي تتحدث باسمهم. في مبادرتنا لم نقل إننا نمثل المتظاهرين أو التنسيقيات، ما يمثلهم هو عملهم في الشارع فقط. يمكن القول إن هناك بعض الأسماء المعارضة التي تبحث عن نجومية على حساب الشارع المنتفض.



الإعلام السوري الآن لا يدار بسياسة واضحة، حتى خلال المرحلة التي كنت فيها وزيراً للإعلام، كان الإعلام السوري يتبع لسياسة النظام. إعلامنا الرسمي بحاجة ماسة إلى أشخاص قادرين على التماهي مع التطور الكبير الذي شهده المجال الإعلامي في العالم، لإدارة وسائلنا الإعلامية وتطويرها بطريقة صحيحة قادرة على تقديم الأفضل