لم ينكسر الجمود الحاصل على الساحة السورية في اليومين الماضيين؛ فمع استمرار ورود تقارير عن سقوط قتلى جدد للحركة المعارضة للنظام، دخلت العقوبات التركية والأوروبية الجديدة المفروضة على دمشق حيّز التنفيذ، بالتزامن مع خروج مؤشرات على مواجهة دبلوماسية جديدة بين سوريا وفرنسا غداة تعرّض السفير الفرنسي لدى دمشق لهجوم من مواطنين سوريين.
أما خطاب السلطة، فظلّ متمتّعاً بدعم روسيا التي تستقبل وفداً من المعارضة السورية، فيما تشهد دمشق انطلاقة جولة جديدة من الحوار الذي تقاطعه المعارضة، ويتمحور عنوانه حول «ما يريده الشباب السوري من دستور بلادهم». وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن عدد القتلى في سوريا بلغ يوم السبت 16 شخصاً قضوا على أيدي قوات الأمن في مدينة القصير المتاخمة للحدود اللبنانية، إضافة إلى حماة وحرستا ودوما بريف دمشق. وأكّد «المرصد» أن 40 مجنّداً فرّوا من معكسر النيرب في محافظة إدلب، فيما أعلنت «اللجنة السورية لحقوق الإنسان» اختطاف حفيد الشيخ صالح العلي، محمد الصالح، «السجين السياسي السابق لأكثر من 12 سنة وعضو هيئة التنسيق الوطني ولجنة التضامن الأهلي التي تألّفت في حمص لاحتواء الشحن الطائفي ومساعدة المتضررين من كل الطوائف». وكان محمد الصالح قد قابل الوفد النيابي الروسي الذي زار سوريا أخيراً، وأصرّ على أن ما يطالب به الشعب السوري هو «تغيير ديموقراطي وطني»، مشدداً على أن الشعب «لا يريد أيّ إصلاحات». وتعرض السفير الفرنسي لدى سوريا إريك شوفالييه لهجوم صباح أول من أمس، لدى خروجه من لقاء مع بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، أغناطيوس الرابع هزيم، في الحي المسيحي من البلدة القديمة في دمشق، على ما أفاد به شهود. ولدى خروجه من اللقاء وتوجهه إلى سيارته، كان شبان ونساء يردّدون هتافات مؤيّدة للرئيس السوري وقذفوا وفد السفير الفرنسي بالبيض والحجارة. وقال شوفالييه إن «عناصر من الشبيحة بعضهم يحمل قضباناً حديدية ونساءً ألقوا البيض ثم الحجارة عليّ وعلى فريقي، وكان سلوكهم عدوانياً، فيما كنا نعود الى سياراتنا».
من جهتها، ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» أن نائب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش السوري، العماد بسام نجم الدين انطاكيه لي، توفي على «أثر نوبة قلبية حادة».
في غضون ذلك، نشرت الجريدة الرسمية الخاصة بالاتحاد الأوروبي أسماء الوزيرين السوريين والهيئات الست الذين أضيفوا إلى الرزمة السابعة من العقوبات الأوروبية على دمشق. وشملت اللائحة الجديدة شركة الاتصالات السورية «سيرياتيل» ووزير العدل تيسير عوّاد ووزير الإعلام عدنان محمود اللذين باتا ممنوعين من السفر وجمّدت أصولهما «لارتباطهما بالنظام ودعمهما سياساته المتعلقة بالاعتقال التعسفي والاحتجاز ودعم سياسته الإعلامية». كذلك طالت العقوبات الجديدة 6 شركات هي قناة «دنيا» التلفزيونية، وشركة «شام هولدينغ» التي يديرها قريب الأسد، رامي مخلوف، وتعدّ أكبر شركة قابضة في سوريا، وشركة «ال تل ميدل إيست» لأجهزة الاتصالات، وشركة الإنشاءات «راماك كونستراكشن»، و«صروح» التي يملكها مخلوف. وبذلك باتت العقوبات الأوروبية على سوريا تستهدف بالإجمال 56 شخصاً و18 شركة.
وردّ وزير التجارة السوري محمد نضال الشعار على هذه العقوبات بوصفها بأنها «غير إنسانية وتستهدف المواطن العادي». وكشف أن بلاده ستعيد دراسة بعض البنود في اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، لأن «هناك إجحافاً بحقنا فيها، لكون الميزان التجاري مع تركيا بالنسبة إلينا خاسراً»، مشيراً إلى أنه «ستجري دراسة اتفاقية التبادل التجاري والمناطق الحرة حتى مع بعض الدول العربية لأجل تحقيق المصلحة السورية». في هذه الأثناء سارعت وزارة الخارجية الروسية إلى انتقاد العقوبات الأوروبية على سوريا، وحذرت من أنها قد تؤدي إلى زعزعة السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، داعيةً الحكومة السورية في الوقت عينه إلى تسريع وتيرة الإصلاحات في البلاد.
في هذا الوقت، كان رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان يكشف أن بلاده ضبطت سفينة ترفع العلم السوري في بحر مرمرة، من دون أن يذكر متى جرى اعتراض السفينة، أو ما إذا كان قد عُثر على أي أسلحة على متنها. من جهة أخرى، أوضح المعارض السوري طيب تيزيني أن وفداً من معارضة الداخل سيتوجه خلال اليومين المقبلين إلى روسيا للقاء مسؤولين روس، من بينهم وزير الخارجية سيرغي لافروف. وبحسب تيزيني الذي سيكون من عداد الوفد، فإنه سيبحث مع المسؤولين الروس «الرؤية للخروج من الأزمة، ومن ضمن ذلك نية موسكو الوساطة بين السلطة والمعارضة».
أما الأمين العام للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، قدري جميل، فقد كان مشغولاً برفض التدخل الخارجي في سوريا، وبمطالبة السلطة والمعارضة بالجلوس إلى طاولة الحوار، وذلك في مؤتمر صحافي عقده في دمشق الى جانب رئيس «الحزب السوري القومي الاجتماعي» في سوريا علي حيدر، غداة زيارة قاما بها إلى تركيا حيث التقيا في إسطنبول أحزاب اليسار التركي.
أما وزير الخارجية وليد المعلم، فقد التقى على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك كلاً من وزراء خارجية الأرجنتين وكازاخستان ولبنان، وعبّر عن تصميم قيادته على «متابعة الحوار الوطني والمضي قدماً في تنفيذ الإصلاحات»، من دون أن ينسى تكرار أن سوريا «ستخرج من هذه الأزمة أقوى». وجدد التحذير ممّا «تتعرض له سوريا من تدخلات خارجية وتحريض إعلامي يحاول المس باستقرار الوطن وأمنه ويهدف إلى الضغط على قرار سوريا السياسي المستقل الذي يحول دون تحقيق أجندات خارجية».
أخيراً، تبدأ اليوم، على مستوى المحافظات، جلسات حوار بشأن الدستور السوري ينظّمها «مجلس الشباب السوري» بهدف «معرفة ما يريده الشباب من دستور بلادهم». وتستمر الجلسات لغاية الـ27 من الشهر الجاري، وذلك في 22 مركزاً ثقافياً وفي مديريات الثقافة، بمعدل جلستين كل يوم، وتغطي الجلسات المحافظات والمدن السورية كافة.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)