سعت إلى احتواء ثورات تونس ومصر واليمن والبحرين... وهللت لليبيا وسوريامن تونس إلى سوريا، شهد العالم العربي طوال الأشهر الماضية عدداً من الانتفاضات، بدلت في الوضع الداخلي لهذه الدول، إلى جانب تأثيرها في المشهد الإقليمي والتحالفات فيه. ونظراً إلى أن السعودية تعد نفسها اللاعب العربي الأكثر نفوذاً، لم تستطع الوقوف مكتوفة الأيدي وهي ترى حلفاءها يتهاوون واحداً تلو الآخر من تونس إلى مصر واليمن والبحرين. سعت إلى مساعدة بعضهم وفشلت، فيما لا تزال جهودها في اليمن والبحرين متواصلة. أما في ليبيا وسوريا، فلا ضير بالنسبة إلى السعودية من الانصياع للمطالب الشعبية ما دام النظامان في البلدين على خلاف معها، لكن الأهم بالنسبة إليها هو القضاء على أي محاولة لانتقال الاحتجاجات اليها.
في البدء كانت تونس ومن ثم مصر، فاليمن، فالبحرين وليبيا وأخيراً سوريا. دول ست شهدت منذ كانون الأول الماضي انتفاضات، لم يكن خلالها موقف السعودية مما يجري في هذه البلدان موحداً، فتقلب بتقلب تحالفاتها ومصالحها في هذه الدول.
ففي تونس، اكتفت السعودية حتى ما قبل سقوط نظام زين العابدين بن علي بالصمت شبه المطبق ومراقبة تطور الأحداث، وعندما حانت لحظة هروب بن علي كانت تفتح له أحد قصورها لاستقباله، مؤكدةً أنها لن تسلّمه رغم طلب الحكومة التونسية استعادته. وذهبت إلى حد تصوير استقباله بأنه جزء من الحل، بعدما بررته بأنه جاء «حقناً لدماء الشعب التونسي ولنزع فتيل الأزمة».
لم يقف الأمر عند بن علي، بل سرعان ما وجدت السعودية أن حليفها العربي الأهم في محور دول الاعتدال، حسني مبارك، بحاجة هو الآخر إلى دعمها. ولم يتوان الملك السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، وهو يراقب إصرار المحتجين على اسقاط مبارك ونظامه، عن القول «مصر العروبة والإسلام لا يتحمل الإنسان العربي والمسلم أن يعبث بأمنها واستقرارها بعض المندسين باسم حرية التعبير بين جماهير مصر الشقيقة واستغلالهم لنفث أحقادهم تخريبا وترويعاً وحرقاً ونهباً ومحاولة إشعال الفتنة الخبيثة».
ولم تكتف السعودية بذلك، بل سعت إلى نجدة مبارك من خلال اقناع الأميركيين بأهمية دوره ومحوريته، من دون أن تنجح بعدما غلبتها ارادة الشعب المصري ليصبح الرئيس المخلوع، بعدما رفض الخروج من مصر أسير سرير المستشفى المتمسك به منذ لحظة خلعه.
فشلت السعودية في تقبل رؤية حليفها يساق إلى قفص المحاكمة، فمارست، إلى جانب دول خليجية أخرى، بينها الإمارات، ضغوطاً وقدمت اغراءات مالية ضخمة إلى المصريين لعل المحتجين يقتنعون بالاستغناء عن طلب محاكمته، إلا أن جهودها منيت بالفشل من جديد، بعدما أُجبر أعضاء المجلس العسكري الحاكم على الاختيار ضمناً بين ارضاء المملكة والغضب الشعبي العارم، فكان سوق مبارك إلى المحكمة أمراً لا مفر منه حين يبقى إمكان إثبات التهم الموجهة إليه مفتوحاً على احتمالات كثيرة.
وبين سقوط زين العابدين بن علي ومبارك، كان الحليف الثالث علي عبد الله صالح قد أصبح بدوره في دائرة الخطر. وإن كان مبارك يمثل حليفاً استراتيجياً للمملكة على صعيد السياسة العربية والإقليمية، فإن الممكلة لم يكن لديها من خيار سوى إبقاء «الراقص على رؤوس الثعابين» في صفها، نظراً إلى الحدود المشتركة بين السعودية واليمن، ومحاولة السعودية الدائمة أن تكون لها يد الطولى في الأحداث اليمنية. ومنذ تصاعد وتيرة الاحتجاجات اليمنية، سعت السعودية إلى احتوائها، مقدمة المبادرة الخليجية تحت ستار مجلس التعاون، التي تنص على اتفاق بين المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن والمعارضة، الممثلة بأحزاب اللقاء المشترك، على تنحي صالح عن السلطة وتفويض سلطاته إلى نائبه لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. أمر أبدى صالح موافقته عليه، لكنه ظل يراوغ أشهراً، ووصل به الأمر إلى حد محاصرة الأمين العام لمجلس دول التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني والسفراء العرب والأجانب، عندما حانت لحظة توقيع المبادرة من دون أن يثير ذلك غضب السعودية منه، ما دام بقاؤه يؤمن الحد الأدنى من مصالحها. وعندما تعرض صالح لمحاولة اغتيال، في شهر حزيران الماضي، كانت السعودية على أهبة الاستعداد لاستقبال صالح وكبار مسؤولي الدولة، بالتزامن مع حرصها على عدم ممارسة اي ضغط جدي عليه لإجباره على التنحي بعد تعافيه، بل على العكس عمدت إلى إعطائه الضوء الأخضر للعودة إلى اليمن لإكمال محاولة القضاء على الاحتجاجات.
أما في البحرين، فتلك حكاية أخرى، لم يقتصر فيها التدخل السعودي على بيانات الدعم والتأييد، بل لطخت المملكة أيدي جنودها بدماء البحرينيين، بعدما أرسلتهم إلى البحرين تحت ستار درع الجزيرة لوأد انتفاضة ١4 شباط. ومرة جديدة الفشل وحده كان من نصيب السعودية. فعلى الرغم من نجاحها الآني في إخماد الاحتجاجات فترة وجيزة وقيامها باستعراض للقوة، اضطرت في ما بعد إلى إعادة نشر القوات.
وفي مقابل الاحتجاجات التي سعت السعودية إلى احتوائها في تونس ومصر واليمن والبحرين، وجدت المملكة نفسها بعد فترة وجيزة أكثر ارتياحاً عندما انتقلت الاحتجاجات إلى النظامين العربيين الأكثر اختلافاً معها، الليبي والسوري. فمعمر القذافي بمزاجيته غير المقبولة، وأفكاره العشوائية التي طبعت تحركاته، فضلاً عن تحالفاته ومؤامراته نجح في كسب عداء المملكة، لذلك لم تكن السعودية ترى ضيراً في سقوطه، لكنها كانت تحاول أن يحصل الأمر بأقل الخسائر الممكنة على الأمن الإقليمي، ومن دون أن تسمح للأحداث الليبية بأن تمثل فرصة لدول عربية واقليمية أن تكتسب نفوذاً على حسابها في المنطقة، ولا سيما قطر وتركيا.
أما الاحتجاجات السورية، فكانت كافية لتبدل جميع المعايير التي اعتمدتها السعودية في الدول العربية الأخرى، ولا سيما أن أي تبديل في النظام السوري او ضعفه سيؤدي إلى اعادة التوازن الإقليمي في المنطقة. لذلك، أصبح الصمت شرعاً لا يجوز، وكان لا بد من أن يصدر الملك السعودي، بياناً يتحدث فيه عن الأزمة السورية، وينصّب نفسه على أنه الحريص الأكبر على الشعب السوري، مؤكداً أن ما يجري في سوريا لا تقبله المملكة، بالتزامن مع استدعاء سفيره من دمشق، في خطوة لم تلجأ إليها الرياض في أي بلد عربي.
موقف كان يمكن وضعه في خانة التماهي مع تطلعات الشعوب العربية لو أن السعودية اتخذت من بداية الحراك العربي موقفاً داعماً له في مختلف الدول، ولم تكن تنظر إلى الاحتجاجات بعين الريبة والشك، متحسسةً وضعها بعدما وجدت نفسها مضطرة إلى مواجهة تداعياته ومحاولة الحيلولة دون أن يصل الى أراضيها، وهي المدركة أن مواطنيها يعدون من أكثر الشعوب حرماناً في ممارسة حقوقهم السياسية، في الوقت الذي تحاضر فيه حول حق الشعوب الأخرى في ممارسة نفس الحقوق.



تعزيز أمن المنشآت

بالتزامن مع انشغال السعودية بمتابعة الحراك العربي، وحرصاً على احتواء إمكان انتقاله إليها، كانت المملكة توقع اتفاقات جديدة مع الولايات المتحدة الأميركية هدفها «تدريب قوة جديدة لدرء أي تمرد محتمل ضد السعودية»، وفقاً لما أكده جودي راي بنيت، من شبكة العلاقات الدولية والأمن «اي اس ان».
وأوضح بنيت، مع حلول شهر تموز، وفي خضم الربيع العربي، قدمت الرياض إلى واشنطن ما يمكن وصفه بالخيار الزائف؛ «تعزيز البنية التحتية الأمنية السعودية للمساعدة على إخماد النفوذ الايراني (الذي يمكن أن يحدث بصورة مباشرة أو بالوكالة)، أو عدم القيام بأي شيء والسماح للهيمنة الإيرانية بالتزايد، ووضع المصالح الأميركية في الجزيرة العربية في خطر». ويضيف «وعلى نحو غير مفاجئ، كان رد فعل واشنطن الالتزام للسعودية بصفقة أسلحة جديدة»، فضلاً عن الأهم، وهو تعزيز برنامج «لتدريب قوة أمن المنشآت المصممة لحماية المنشآت الحساسة للنفط السعودي، لتصل إلى 35000 عنصر»، بعدما بُدئ بالمشروع عام ٢٠٠٧.
ووفقاً للكاتب فإن قوة أمن المنشآت، تحقق هدفين، الأول «الدفاع ضد هجوم محتمل من ايران، والثاني الدفاع عن النخب السعودية من السكان، الذين يمكن أن يتأثروا بإيران أو غيرها».