شهد الوضع السوري تسارعاً مفاجئاً في الحركة الدبلوماسية، تمثل على نحو خاص بالدعوة الخليجية الى اجتماع عاجل لوزراء الخارجية العربية تحت عنوان تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، والتلويح بإحالة الملف السوري على مجلس الأمن بهدف إصدار قرار لتأمين الحماية للشعب السوري، في ظل ضغوط أميركية واوروبية وخليجية على روسيا والصين.
وتقاطعت وجهات نظر ومعلومات عربية وغربية في اعتبار خطوة الجامعة العربية، ليل أول من امس، إيذاناً بمرحلة جديدة من الضغط ليس هدفها تأمين حوار ينتج تسوية في سوريا، بل دفع النظام الى خطوات سلبية تمهد لاعتراف من عواصم عربية عدة، ولا سيما دول الخليج العربي بالمجلس الوطني السوري ممثلاً للشعب السوري. وهي الخطوة التي لا بد منها قبل أن يباشر الغرب، وبينه اميركا وأوروبا، الاعتراف بالمجلس وبدء مرحلة جديدة من الضغوط على سوريا، تتمثل فيها كل الخطوات الشيطانية، في طريقة تحاكي النموذج الليبي ولو ببطء أو بأسلوب آخر.
وقد سجل مراقبون للتطورات الأخيرة سلسلة ملاحظات تعد في سياق الإعداد لخطوات جديدة ضد النظام السوري انطلاقاً من الخارج، ومنها:
جعل الإعلام العربي والغربي مستنفراً بنفس الطريقة للحديث عن غليان في سوريا، ولو كانت الصورة على الأرض قد تغيرت إلى حد كبير، بما في ذلك إيراد يومي لعدد غير واضح من القتلى دون اي تفصيل. بمعنى عدم الإشارة الى هوياتهم السياسية، وخصوصاً أن أكثر من ثلثي من قتلوا في الأيام العشرة الاخيرة في سوريا هم من العسكريين او من رجال الأمن. ثم لم يعد هناك من وسيلة للتثبت من كل رقم او خبر عن قتلى يصدر عن جهات اخرى. حتى جهات في التنسيقيات وفي المرصد السوري العامل من الخارج، تقول إنها لا تملك آلية تثبت كاملة، وهذا ما يمنعها من نشر اسماء القتلى او أعمارهم او تفاصيل دقيقة عنهم.
العمل على تعزيز تمثيل المجلس الوطني، من خلال تنظيم الخلافات داخله، وإعادة الاعتبار الى الدور الرئيسي للجهات المدنية والليبرالية، وحسم الامر مع تيار الإخوان المسلمين على وجه الخصوص، لجهة إقناعه بأن فريق الليبراليين، الذي يتزعمه الدكتور برهان غليون، هو من سيكون المسؤول عن اعلان موقف المجلس وإجراء الاتصالات والتواصل مع العالم.
العمل على استرضاء قيادات من هيئة التنسيق الوطنية السورية بغية تفتيتها وإلحاقها بالمجلس الوطني. وفي هذا السياق جرت اتصالات لتأمين استقالة مجموعة من الوجوه البارزة، وضمها الى المجلس، بينما تجرى اتصالات هدفها استرضاء هيثم المالح، وكل ذلك بغية إحالة هيئة التنسيق على المعاش لأنها لم تلحق بمركبهم. وترافق ذلك تسريبات إعلامية واسعة مفادها أن المجلس الوطني هو القريب من تمثيل الشارع السوري، وهو الأمر الذي لا ينسحب على هيئة التنسيق.
مسارعة دول الخليج إلى المبادرة في الجامعة العربية جاءت بطلب اميركي وضغط فرنسي لقطع الطريق على مبادرة روسية ـــــ ايرانية ناشطة لإطلاق مؤتمر وطني للمصالحة السورية. وبالتالي فإن القصد الفعلي من مبادرة أول من امس هو نصب فخ لدمشق، حتى اذا رفضت كان ذلك سبباً للاعتراف بالمجلس ممثلاً لسوريا من قبل الخليجيين، ثم ليتبعهم الاتحاد الأوربي بالجملة أو بالمفرق. على أن يُستتبع ذلك بحملة مكثفة اضافية ضد الدور الإيراني، لمنع طهران من القيام بأي رد فعل على خطوة تركية مرتقبة تتركز على وضع مساحة صغيرة داخل الأراضي السورية تحت حمايتها وبإشراف دولي، بعد أن تتحول الى مقر اقامة للمجلس الوطني، ما يساعد أكثر على حصد الاعتراف الخارجي.
على أن ذلك لا يخفي الصراعات الخفية القائمة بين محور الدول الساعية الى اقتلاع نظام الأسد، ففي الأجواء مظاهر تباين تركي ـــــ فرنسي، ثم جفاء قطري ـــــ فرنسي، فتوتر قطري ـــــ تركي، وهو ما فسر تراجعاً لبعض الخطوات القطرية، وخصوصاً أن قيادتها لمست فشل الحملات الإعلامية واقتنعت بأن إسقاط النظام من الشارع لم يعد أمراً متاحاً. كذلك بدأت التقارير تتحدث عن مشاكل تواجهها الدول الخليجية نفسها، وخصوصاً السعودية، حيث الأمر يتصل بوضع العائلة الحاكمة في ظل الابتعاد الكبير للملك عبد الله عن الإدارة اليومية، وبدء معركة خلافته بين أفراد العائلة، إضافة الى بروز حركة احتجاجات من جانب تيارات سلفية تدعو الى تعديل في آليات الحكم داخل كل دول الخليج، معطوفاً على التخوف من حراك شيعي واسع.
(الأخبار)