• لسنا الثورة بل نحمل مطالبها
• لا أدّعي امتلاك تاريخ نضالي معارِض
بسمة قُضماني. اسم قفز سريعاً من الأوساط الأكاديمية والاعلامية ودوائر صنع القرار و«مؤسسة فورد»، لتصبح إحدى أولى الشخصيات في المجلس الوطني السوري، رغم انها لم تكن سابقاً في صفوف معارضي النظام السوري
لا تشعر المتحدثة الحالية باسم المجلس الوطني السوري، بسمة قُضماني، بأنها محرَجة عندما تفاتحها بأن تبوّأها منصباً رفيع المستوى بهذا النحو السريع، يثير جدلاً واسعاً بين أطياف المعارضة السورية في باريس خصوصاً، على قاعدة أنه لم يعرف عن قضماني تاريخ نضالي معارِض. لا ترى الدكتورة في هذا الكلام تهمةً، إذ تجيب بلا تردُّد: «صحيح أن لا تاريخ نضالياً لي، وأنا لا أدعي أنني مناضلة أصلاً، فأنا ابنة سجين سياسي معارض، وأعمل في الاطار السياسي والأبحاث والتوصيات والتحليل والتأثير على القرار السياسي، ولم أشارك في حياتي في اجتماعات للمعارضة، وقلما شاركت في تظاهرات إلا في ما يتعلق بالقضايا الكبيرة». أكثر من ذلك، يقول البعض إن قُضماني «أُسقطَت» بالمظلة (الفرنسية ربما) على قيادة «مجلس اسطنبول». هنا تنتفض لترفض «التهمة» لأنها، بحسب تعبيرها، دخلت في مجموعة عمل لمحاولة وضع تصور لقاعدة مشتركة لكل أطياف المعارضة السورية، «ومن التقيتُ بهم بدايةً في المجلس الوطني هم أيضاً غير مناضلين، بل مجموعة من التكنوقراط، ومنهم ناشطون في الجاليات في الخارج». هنا تكشف المتحدثة باسم المجلس عن جزء من تفاصيل تعيينها في منصبها الحالي، فـ«عندما كنا نعمل مع مجموعة المستقلين، حصلت مشاكل بين أطراف منهم، فتدخلتُ وحلّيتُ المشكلة، فطلبوا مني البقاء (في المجلس الوطني)، وأعتقد أنه لأننا عملنا بطريقة غير حزبية، نجحنا في تأسيس المجلس الوطني». وعن الدور السياسي المنوط بقُضماني حالياً، تؤكد أنها دخلت المجلس «لأنها ترى أنها «قادرة على التواصل مع الاعلام والوزارات والجهات الرسمية العربية أولاً والغربية والدولية بعدها، وأملك شبكة علاقات نحركها لدعم الثورة. هذا كل ما في الأمر».
وبمجرد ذكر اسم قُضماني، ينهال عليها وابل من الاتهامات الأخرى من خصومها من المعارضين الباريسيين، أبرزها أنها، وهي المقربة من شخصيات مرموقة في الادارة الفرنسية، توسّطت لدى السلطات الفرنسية لعرقلة انعقاد المؤتمر الصحافي لميشال كيلو وفايز سارة في باريس الأسبوع الماضي. هنا أيضاً، لا تتردد في الاعتراف بأن السلطات الفرنسية «سألتني إن كان هؤلاء يضايقوننا ويخرّبون عملنا في المجلس الوطني، فتشاورتُ مع الدكتور برهان (غليون)، وأجبتُ وزارة الخارجية الفرنسية بأنهم بالفعل يزعجوننا ويشوشون علينا، لكن لا تمنعوهم، واتفقنا مع الفرنسيين على أن هذا المؤتمر الصحافي يجب أن يعقد بكل حرية». سؤال يفتح على آخر حول إلى أي مدى قام المجلس الوطني بإقصاء أطراف معارضة سورية كـ«هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديموقراطي» (الذي يُعرَف بمعارضة الداخل). هنا، تشعر قُضماني بالإهانة، لأن هذا «ظلم، وهو إما كذب أو سوء تفاهم من قبلهم، لأننا أرسلنا دعوات مكتوبة لهيئة التنسيق ورسائل إلكترونية وأجرينا معهم (مع حسن عبد العظيم تحديداً) العديد من الاتصالات من اسطنبول، لكننا لم نرغب في إحراجهم لأننا شعرنا بأنهم في موقف صعب، ونقدّر بأنهم لا يمكنهم تحمُّل سقف المواقف التي نتبناها، وأنهم يراعون وضعهم الأمني في الداخل، وربما بعضهم يراعون النظام لتكون لهم مناصب مستقبلاً وهذا أمر طبيعي، وأن بعضهم يخافون الموقف المتشدد من إسقاط رأس النظام». أكثر من ذلك، تشير قضماني إلى أنّ أعضاء من هيئة التنسيق «يفكرون مثلنا تماماً، ويقولون لنا إنهم لو كانوا أحراراً لكانوا طالبوا بأكثر مما نطالب به». أما في ما يتعلق بالمعارض هيثم المالح، فتؤكد قُضماني أنه من ضمن «الشخصيات الكبيرة التي سنعينها في مجلس الحكماء الاستشاري للمجلس الوطني الذي سنضع إطاره بعد أن نستكمل عملنا التنظيمي». ورداً على سؤال حول الملابسات الداخلية والخارجية لولادة المجلس الوطني السوري، فتجزم بأنه كان «حاجة داخلية حصراً، فالمسألة السورية مدوَّلة أصلاً، فبلا الضغط الدولي والتصريحات والعقوبات، لا وجود لثورة سورية أصلاً»، من دون أن تنفي أن الخارج كان يريد جهة معارضة ليتصل بها، «لكن هذا لا يعني أن المجلس كان اختراعاً أجنبياً». وهنا تسخر قُضماني من هذه «النظرية» لأن «الفرنسيين يموتون خوفاً من الاخوان المسلمين، والأميركيين يخافون منهم أيضاً، ففكرة المجلس الوطني أصحابها سوريون، ومنهم أنا، أما الأتراك، فلم يكن ممكناً أن ينجحوا في تأليف المجلس». وفيما تعترف بأن المؤتمرات التي حصلت في تركيا وخارجها ساهمت طبعاً في إنضاج المجلس، «لكن هذا لا يعني أن هذه الأطراف هي من أسّس المجلس».
وتتابع: «صحيح أن تحرك الشباب المتظاهر أسطوري ولولاهم لما أتى شيء من الخارج، لكنهم وحدهم أمام جبروت النظام، لا يمكنهم فعل شيء، فالأمل الوحيد المتاح هو أن يضغط العالم ويعزل النظام ويرفع الغطاء الشرعي والحماية عنه ليسقط». وبالانتقال إلى «تدويل القضية السورية»، ترى أن النظام «هو من جلب الخارج ووضع ايران في قلب سوريا، من هنا فإن الشعب السوري لا يمكنه مقاومة النظام وحده بلا تغطية اعلامية وضغط دولي، فبلا هذا الضغط الدولي والتصريحات والعقوبات، لا وجود لثورة سورية أصلاً».
كلام ينقلنا إلى محاولة معرفة ما إذا كانت قُضماني وزملاؤها في المجلس الوطني يملكون تعريفاً موحداً للحماية الدولية التي يطالبون بها، فتجيب بأنه عندما يرفع الشارع المنتفض شعار الحماية الدولية، «فعلينا حينها أن نترجم هذا المطلب، وعلينا أن ندرس أشكال هذه الحماية الدولية، من مراقبين دوليين ومنظمات إغاثة وصولاً إلى التدخل العسكري الذي لا يزال المجلس الوطني لا يطرحه، وهذا دورنا في تحريك المجتمع الدولي واستخدام جميع الوسائل القانونية والسياسية والاقتصادية». تستطرد لتسألها عما إذا كان طلب التدخل العسكري سيلي هذه المرحلة إذا فشلت الضغوط الخارجية السلمية. عندها، تجدد قُضماني التأكيد أن رهان المجلس يقوم على «عزل النظام وخنقه اقتصادياً وسياسياً ومالياً، وهو ما سيؤدي إلى انفجار من داخل النظام وتفكك قوى أساسية في الجيش والأمن ورجال الأعمال وفي قاعدته الرئيسية». وفي السياق، تبدو قضماني واثقة من أن «الكتلة التي تؤلف النواة الصلبة للنظام تقلّصت منذ بدء الثورة، وهناك خلافات قائمة بين أركان النظام، ونعرف هذا الأمر جيداً، وإن لم يجري التحدث بعد عن الموضوع».
وتصل واقعية قُضماني إلى ذروتها حين تجيب عن سؤال حول اتهام البعض للمجلس الوطني باحتكار تمثيل الشعب السوري، فتقول «نحن لا نمثل، أنا ماذا أمثل؟ لا أمثّلُ شيئاً ولا أحد بيننا يمثّل، نحن نقول إننا أشخاص قادرون على دعم الثورة، وليكن كل شيء واضحاً، نحن لسنا الثورة ولا قيادتها، بل مجلس ثوري يدعم الثورة ويحمل مطالبها ويجسد تطلعاتها».
قبل أن تصبح المتحدثة باسم المجلس الوطني السوري، عُرفت أستاذة العلاقات الدولية في جامعات باريس، بسمة قُضماني، بأنها مديرة «مبادرة الاصلاح العربية»، ومستشارة المجلس الفرنسي للأبحاث، ورئيسة لبرنامج التعاون والحاكمية في «مؤسسة فورد»، حيث ساهمت في دعم مشاريع إسرائيلية ــ فلسطينية مشتركة