تفاقمت الخلافات والصراعات بين أهل الحكم في العراق على الزعامات والمناصب القيادية والامتيازات، حتى أصبحت في الفترة الأخيرة علنية وبالجملة. فمن إقليم كردستان، تواترت الأنباء عن صراع حادّ بين رئيس جهاز الاستخبارات الكردي، مسرور البرزاني، نجل رئيس الإقليم مسعود البرزاني، وابن عمه، زوج شقيقته، نيجيرفان البرزاني، على رئاسة حكومة الإقليم. صراع أدى إلى نتيجة لم يرغب فيها الطرفان، وهي السماح ببقاء برهم صالح ممثل حزب جلال الطالباني «الاتحاد الوطني الكردستاني» في المنصب، بعدما فشلت جميع الجهود في التوصل إلى حلّ يرضي البرزاني الابن وابن عمه. مصادر مقربة من العائلة الحاكمة قالت إنّ البرزاني الأب هو صاحب قرار إبقاء صالح في منصبه، وأكدت أنّ مسرور احتجّ لكون ابن عمه «تولى هذا المنصب مرتين دون أن يقدم إلى الأكراد شيئاً». وتضيف تلك المصادر إن مسرور تمكن من تحجيم نفوذ نيجيرفان كثيراً، ونجح في سحب العديد من الملفات المهمة منه، وفي مقدمتها ملف النفط. لا نبتعد كثيراً عن عاصمة الإقليم الكردي أربيل، متوجهين غرباً، نحو عاصمة الشمال العراقي العربي، أي الموصل، حتى تنتشر أنباء كثيرة عما سمته مصادر صحافية معركة «كسر عظم» تدور رحاها هذه الأيام بين آل النجيفي من جهة، وآل الياور من جهة أخرى، وهم زعماء قبيلة شُمَّر العربية العراقية الكبيرة. من بين آل النجيفي، يحتل المهندس أثيل منصب محافظ نينوى، ثاني أكبر محافظة من حيث السكان بعد بغداد، وشقيقه أسامة رئيس مجلس النواب العراقي. أما قبيلة شُمَّر، فهي إحدى أكبر القبائل العربية العراقية، ولها امتدادات مهمة في الجزيرة العربية، وهم أخوال الملك السعودي عبد الله، وينتشرون في عدد من دول الخليج وبلاد الشام. هذه القبيلة هي من بين القبائل العراقية المنقسمة على نفسها طائفياً، فهي تتكون من فرعين، الأول يدعى «شُمر جربة» وهو سُنّي، وإليه ينتسب الشيخ غازي عجيل الياور الذي عين رئيساً انتقالياً للعراق عقب الغزو سنة 2003، والثاني «شُمّر طوقة» وهو شيعي. أسباب الخلاف، كما تقول مصادر مطلعة، ذات طابع سياسي شكلاً، وهي ليست طارئة أو حديثة، بل تمتد إلى بدايات إنشاء حكم المحاصصة الطائفية في العراق. فآل النجيفي، وهم من عشيرة الخوالد (نسبةً إلى بني خالد) وجدهم الأعلى هو خالد بن الوليد، تحفظوا شأنهم شأن أسر وقبائل سنية كثيرة على الحكم الجديد الذي أصبح للعرب الشيعة فيه حصة الأسد، ورفضوا في السنوات الأولى التعاطي معه، وقاطعوا العملية السياسية الأميركية التي تمخضت عنه، قبل أن يعودوا عن هذه المقاطعة، ويتحولوا اليوم إلى جزء فعال فيها. أما آل الياور، فكان موقفهم معاكساً لأشقائهم، إذْ التحقوا مبكراً بالحكم الجديد.
وبعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، نجح آل النجيفي وحلفاؤهم في بسط نفوذهم السياسي على المحافظة، واحتلوا أرفع المناصب فيها وفي الدولة ككل، لتبدأ بعدها عملية تصفية حسابات ذات صبغة سياسية، لكنها في العمق ذات استهدافات تجارية وإدارية وسياسية. إنّ الصراع على النفوذ يدور الآن بين آل النجيفي وحلفائهم من تجار ومقاولين ورجال أعمال من ناحية، والشيخ عبد الله حميدي الياور وقبيلة شمر وبعض الأحزاب والحركات والتجمعات السياسية المتحالفة مع حركته «الإصلاح والعدل» من ناحية أخرى، بشأن عناوين واستحقاقات ومصالح محدَّدة ومعروفة لكلا الطرفين. المحامي عبد السلام العبيدي، وهو من حلفاء آل الياور، اتّهم آل النجيفي باستغلال سلطاتهم في المحافظة، ورأى أنّ رئاسة أسامة النجيفي لمجلس النواب العراقي «انعكست سلباً على واقع المحافظة السياسي والخدماتي والأمني». مصدر آخر في المحافظة، هو السيد حسن العلي، قال إنّ موظفين من أنصار آل النجيفي «يرمون هذه الأيام نسخاً من كتاب اسمه عملاء الاحتلال في الموصل، يتحدث عن 20 شخصاً من خصوم آل النجيفي في الموصل ويصفهم بأشنع أوصاف الخيانة والتبعية لإيران وأميركا»، كما يكشف عن توزيع منشورات ليلاً، تسخر من الشيخ عبد الله حميدي الياور وقبيلته، وتصفهم بأقذع الصفات، وتدعو إلى مقاطعتهم وعدم التعامل تجارياً معهم. وكان آخر وأبرز نشاط لآل الياور، تأليفهم وفداً من وجهاء الموصل وشيوخها، زار بغداد وأعرب عن رفضه لمشاريع إقامة الأقاليم الطائفية، وهدد بتحريك دعوى قضائية ضد آل النجيفي، متهماً إياهم باستغلال المناصب الحكومية لتهديد وحدة العراق. غير أنّ مراقبين ومحللين عراقيين قللوا من شأن الطابع السياسي الذي يحاول آل النجيفي إضفاءه على خلافاتهم مع آل الياور، وخصوصاً بعدما زال الفارق بين الطرفين، وأصبحا شركاء ومساهمين في العملية السياسية الأميركية، وحكم المحاصصة الطائفية، ما يضعف من اتهامات هذا الطرف لذاك بالعمالة والخيانة، بما أنّ الجميع في «هوى الحكم سواء».
ما إنْ نترك الشمال العراقي ونتجه جنوباً، حتى تطالعنا آخر أنباء الخلافات والصراعات على الزعامة في حزب «الدعوة الإسلامية»، الذي يقوده رئيس الوزراء نوري المالكي. جديد هذا الملف هو مصالحة غير متوقعة حدثت بين الزعيم السابق للحزب إبراهيم الجعفري، والرجل الثاني فيه، الوزير علي الأديب. ويبدو مما تسرب حتى الآن من أخبار هذه المصالحة، أنها تستهدف على نحو مباشر زعامة المالكي للحزب والحكومة. وفي التفاصيل، فإنّ الأديب أقام مأدبة عشاء قبل سفره لأداء فريضة الحج كان ضيفها الأساسي الجعفري. تكتيك المآدب السياسية ليس جديداً على الوزير الأديب، لكنه هذه المرة أثار غضب المالكي، بحسب مصادر مقربة من هذا الأخير، إذ يبدو أنه شعر بأن زعامته هي المستهدفة، وأن من شأن أي تعاون بين الجعفري والأديب «أن يهدد مكانته في رئاسة الحزب والحكومة، وخصوصاً أنّ الاثنين لهما ملاحظات على أداء رئيس الحكومة، ومتفقان على أنه غير جدير برئاستها».



المالكي والجعفري وعبد المهدي

في ملف الخلافات داخل «التحالف الوطني»، كشفت مصادر مطلعة من داخل التحالف، أن هناك كلاماً يدور في الحلقات القيادية الضيقة عن احتمال استبدال رئيس الوزراء نوري المالكي بزعيم آخر من التحالف في رئاسة الحكومة، انطلاقاً من فشله في إدارة ملف الخدمات والأمن. وتختم تلك المصادر روايتها بأن اقتراحاً بهذا المعنى قد طُرح على الرئيس السابق للحكومة ولحزب حزب «الدعوة الإسلامية» إبراهيم الجعفري بالفعل، مشيرة إلى أنه أعرب عن استعداده لتحمل مسؤولية هذا المشروع، وأن كتلاً أخرى، في مقدّمتها التحالف الكردستاني و«القائمة العراقية»، قد أعطت موافقتها المبدئية على ذلك. نقاط الضعف في هذه الروايات عديدة، لكن أهمها هي أنها تتجاهل زعيماً آخر في «التحالف الوطني» الحاكم، يطمح إلى نيل كرسي رئاسة الوزارة منذ فترة طويلة، وقد ضحّى قبل فترة بمنصب نائب رئيس الجمهورية لهذه الغاية، وزار طهران أكثر من مرة لتحقيق هذا الهدف، إنه القيادي في المجلس الإسلامي العراقي الأعلى عادل عبد المهدي، فهل يجوز القفز عليه وعلى طموحات آل الحكيم الذين ينشط ضمن قيادة حزبهم؟