الكويت | استبق رئيس الحكومة الكويتية، ناصر المحمد الصباح، أمس، اعتصام المعارضة التي تطالب برحيله، والاستجواب الذي كان مقرراً أن يقدّم إليه اليوم بشأن الفساد المالي، بتقديم استقالة حكومته السابعة إلى أمير البلاد صباح الأحمد الصباح، الذي قبلها بدوره، رغم أنه كان قد أكد في وقت سابق أنه لن يقبل أن تتحدّاه المعارضة، وأنه لن يقيل الحكومة، ولن يقبل استقالة رئيسها، ولو تقدّم بها. وجاء في كتاب الاستقالة أن «بعض الممارسات السلبية التي أصرّ البعض على الاستمرار بها على حساب المصلحة العامة، وعلى حساب التعاون المأمول بين السلطتين التشريعية والتنفيذية قد أدّت إلى تعثر مسيرة العمل الوطني وتعذر الإنجاز المنشود». وأشار المحمد في كتابه إلى أن «هذه السلبيات تمثلت في الممارسة النيابية التي أبرزتها الاستجوابات المقدمة والتفرغ للمساجلات والمشاحنات وتسجيل المواقف السياسية بأي ثمن». كذلك تحدث عمّا سماه «التشكيك في الذمم وكيل الاتهامات بالباطل والإدانة بغير محاكمة»، مضيفاً أنّه جرى «تهييج الشارع الكويتي وإثارته وزرع الفتن والبغضاء بين أبناء المجتمع، بما يقوّض أمن الوطن واستقراره، وهو أمر لا يمكن قبوله أو التهاون بشأنه بأي حال من الأحوال، وقد بات معه استمرار الحكومة في القيام بمسؤولياتها وواجباتها أمراً متعذراً ومستحيلاً».
وتأتي استقالة المحمد (71 عاماً) في أعقاب تقديم ثلاثة وزراء استقالاتهم، أول من أمس، على خلفية التوتر الكبير الذي تشهده البلاد، والذي أعقب اقتحام نواب المعارضة وأنصارها مجلس الأمة قبل نحو أسبوعين، احتجاجاً على عدم خضوع رئيس الحكومة للاستجواب الذي تقدّم به نواب معارضون. وهذه ليست المرّة الأولى التي تستقيل الحكومة في الكويت عند حشرها في استجوابات أو خلاف في البرلمان، بل عادة ما لجأ رئيس الحكومة الحالي إلى هذا الخيار في معظم حكوماته السبعة السابقة، لكن الأمير كان يعود في كل مرّة ويسميها لتأليف الحكومة.
لهذا تسود مخاوف لدى أوساط المعارضة من إعادة تكليف ناصر المحمد رئاسة الحكومة للمرة الثامنة منذ توليه المنصب في شباط 2006، وأكّد نوابها ضرورة تكليف شخص جديد رئاسة الوزراء، يكون بعيداً عن الفساد ويبدأ نهجاً جديداً في الحكم.
ورغم استقالة الحكومة، نفّذت المعارضة اعتصامها في «ساحة الإرادة» القريبة من مجلس الأمة مساءً، تحت عنوان «للكويت كلمة»، وحوّلته من المطالبة باستقالة رئيس الوزراء إلى الاحتفال باستقالة الحكومة، مع تأكيدها أنها ستُبقي تحركاتها لتظل بالمرصاد لما ستتجه إليه الأمور.
وأطلق المعتصمون، الذين قدروا بالآلاف، وكانوا من الرجال والنساء وجميع الفئات العمرية، هتافات تدعو إلى رحيل رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي. وأكدوا تضامنهم مع الموقوفين بتهمة المشاركة في اقتحام مجلس الأمة في 16 من الشهر الجاري، علماً بأن مواجهات عنيفة وقعت الأسبوع الماضي بين الشرطة وعدد من المحتجين على خلفية الاعتقالات.
وكانت النيابة العامة قد انتهت أول من أمس، من التحقيق مع 31 متهماً، وقرّرت حبس 24 منهم 21 يوماً، والإفراج عن 7 موقوفين بكفالة مالية بلغت ألف دينار (3600 دولار).
وكانت المعارضة تستعد اليوم لتقديم استجواب لناصر المحمد، في ما يعرف بـ«الإيداعات المليونية»، وهي القضية التي تتعلق بدفع رشى بلغت نحو 350 مليون دولار لنحو 15 نائباً، وكانت تستعد أيضاً للمبيت في ساحة «الإرادة» لمتابعة الأمور عن كثب، والضغط لمنع رئيس الحكومة من إسقاط الاستجواب، كما فعل في الاستجواب الأخير، الذي سقط بعدما عُرض للتصويت في مجلس الأمة، ما دفع 26 نائباً (من أصل 50) إلى الانسحاب من الجلسة رفضاً لـ«العبث بالدستور».
من جهة ثانية، أكّد بعض نواب المعارضة ضرورة حلّ مجلس الأمة التي تنتهي ولايته في عام 2013، وإجراء انتخابات مبكرة، علماً بأن الأمير الحالي (82 عاماً ) الذي تولى الحكم في 29 كانون الثاني 2006، كان قد حلّ المجلس مرتين، الأولى في آذار 2008 والثانية في آذار 2009. ودعا في كل مرة إلى إجراء انتخابات مبكرة في غضون شهرين.
إلا أنه مع استقالة الحكومة واعتبارها حكومة تصريف أعمال، لم يعد بإمكانها أن ترفع مرسوماً إلى الأمير وتطلب فيه حلّ المجلس. وبالتالي، فإن الطريقة الوحيدة لحلّ المجلس، هي إما تأليف حكومة انتقالية، أو لجوء الأمير إلى الحلّ غير الدستوري، ما يعني تعليق بعض مواد الدستور، وهي المواد الخاصة بدور مجلس الأمة وصلاحياته، وهو ما قد يضع البلاد في أزمة كبيرة.
ومن السيناريوات المطروحة أيضاً دمج منصب ولاية العهد بمنصب رئاسة مجلس الوزراء، ما قد يؤدي إلى عدم إخضاع رئيس الحكومة للاستجواب، على اعتبار أنّه سيكون أمير البلاد مستقبلاً.