يعاني الغرب اليوم «إحباطاً مزدوجاً»، يقول البعض: إحباط خسارة أنظمة كانت حليفة على مدى ٣٠ سنة وإحباط مواجهة الإسلاميين كنظراء في الحكم على رأس بلدان استراتيجية في منطقة حساسة. لكن لعل السبب الاساسي وراء هذا «الإحباط» هو الخوف من المجهول: من هم «إخوان» القرن الواحد والعشرين؟ هل سيتحالفون مع السلفيين؟ كيف ستبدو مصر الاسلامية؟ هل ستبقى نساء تونس حرّات في اختيار أسلوب عيشهن؟ بعد تطبيق الشريعة الاسلامية، ليبيا الى أين؟ هل إسرائيل في خطر؟

أسئلة كثيرة حرّكت الاعلام الأميركي والفرنسي والبريطاني، وارتباك واضح بدا في التحليلات، وكأننا في عام ١٩٧٩ عندما تعرّف الغرب مصدوماً إلى الاسلام الثوري والاسلام السياسي مع الثورة الايرانية. بعض المحللين هوّلوا من وصول الأحزاب الاسلامية الى السلطة ورسموا سيناريو قاتماً للحريات ووضع النساء والعلاقات الخارجية وأمن إسرائيل، فيما حاول البعض الآخر إبراز الوجه الوسطي لإسلاميي اليوم والتعويل على اقتدائهم بالنموذج التركي الحاكم. كل ذلك وسط محاولة إبراز الفروقات بين حركة الإخوان المسلمين «المعتدلة والمنفتحة» والحركة السلفية «الظلامية المنغلقة».
«انتصار الإسلاميين في تونس ومصر ليس أمراً مفاجئاً لكنه يصدم بكبر حجمه»، يقول جيل باريس في «لو موند» الفرنسية. باريس يضيف «حتى لو لم يكن الإسلاميون هم أول من نزلوا الى الشارع لإسقاط الأنظمة القمعية، الا أنهم استطاعوا تصريف سنوات من الكفاح العنيد ضد تلك الانظمة بنسب أصوات عالية وعدد كبير من المقاعد». لكن «المؤرق»، حسب باريس، يبقى صعود السلفيين «البعيدين كل البعد عن الاسلام الوسطي». الكاتب الفرنسي يشرح أن «عدداً كبيراً من المواطنين صوّتوا للسلفيين في مصر لأنهم يخشون تحالفاً بين الاخوان المسلمين والمجلس العسكري، لذا جذبتهم عذرية تجربة السلفيين السياسية». لكن الحركة السلفية اليوم، يشير باريس، «تتأرجح بين مبدأها الاساسي الرافض للانخراط في السياسة ونسختها الاصلاحية التي تدعو الى دخول المعترك السياسي وشقها الأقلّوي الجهادي المتطرف». لذا، يستنتج الكاتب أن الحركة السلفية تواجه تحديات كبيرة بدءاً باختيار رموزها والاعتياد على مشاركة قوى غير إسلامية في السلطة. والإخوان المسلمون أيضاً يقفون أمام تحدّ كبير هو تحدّي الحكم، يسأل باريس: هل سيبقون أسرى المواجهة القاتلة مع السلفيين أم يتوصلون الى صيغة يتحالفون فيها مع قوى غير دينية؟
وفي تونس، يشير تحقيق لصحيفة «لو فيغارو» الى نشاط السلفيين الملحوظ على الشبكة الالكترونية، وينقل عن المواطنين اعتقادهم بأن السلفيين «يُعدّون الارضية لتطبيق تعاليمهم الدينية الصارمة على التونسيين في المستقبل». زكي العايدي في «لوموند» أكّد، من جهته، أن الإسلاميين «محكومون بالمشاركة في الحكم». الباحث السياسي يقول إن «الحركات الاسلامية ستواجه أولاً مجتمعاً قوياً لم يسألها رأيها قبل أن يسقط النظام السابق. وهي ستضطر إلى التعامل مع قوى سياسية اخرى في السلطة». أما عن شكل الحكم؟ فيشير العايدي الى أنه سيشبه النظام التركي الاسلامي المعتدل. لكن هل الحالة هي نفسها عند إسلاميي كل أنظمة ما بعد الثورات؟
يشرح خبير الأزمات والجيوبوليتيك، جيرار شاليان، في صحيفة «ليبيراسيون»، تصوّره لمستقبل تلك البلدان في ظل حكم إسلامي. شاليان، الذي يقول إن الرابح الأكبر من «انتصار إسلاميين سنّة في المنطقة هو المملكة السعودية»، يرى أن حزب النهضة الاسلامي «قد ينجح في حكم تونس باعتدال، لأن البلد شهد في السنوات الاخيرة نمواً اقتصادياً ملحوظاً ولأن حجم الطبقة الوسطى فيه كبير، وأيضاً لأن الكثافة السكانية متدنية نسبياً».
أما في مصر، فيرى شاليان أن الوضع الاقتصادي «متردّ جداً وأن توازن القوى بين المجلس العسكري والشارع سيكون لصالح الإسلاميين». لذا، يخلص المحلل إلى القول إن «الذين تظاهروا باسم الحرية والعدالة الاجتماعية سيخيب أملهم». وفي ليبيا، يشير شاليان الى أن الأمر حسم حتى قبل إجراء أي انتخابات، إذ إن الشريعة ستكون أساس الحكم والدستور. ما يعني تطبيق «مبدأ الدار والدولة وفرض التعاليم الدينية على كل مظاهر الحياة المدنية». وعن سوريا، أشار الخبير الاستراتيجي الى أن «الصراع بين النظام العلوي والقوى الإسلامية السنية سيطول». واستنتج أن «سقوط العلويين في سوريا مع ما سينتجه في لبنان وغزة، سيوازن هيمنة الشيعة على العراق». المحلل الفرنسي يضع المشهد كله ضمن صراع ثنائي بين تركيا وإيران على المنطقة، بدعم سعودي وموافقة أميركية. كيف يجب أن تتصرّف القوى الغربية إذاً تجاه صعود الاسلاميين؟
يدعو زكي العايدي، في مقاله في «لو موند»، الدول الغربية الى «عدم التصرف كمن يخشى ديموقراطية الغير»، مذكراً أن الحركات الاسلامية انتصرت من خلال الانتخابات، كما ينصحها «بالتركيز على دعم المشاريع الانمائية في تلك البلدان». والتوصية الاخيرة «رعاية عملية سلام متوازنة بين الاسرائيليين والفلسطينيين».
جان دانييل، في «لو نوفيل أوبسيرفاتور»، عاين من جهته «التناقض» بين ما يسوّق له الإسلاميون في تونس ومصر وليبيا والمغرب في عناوين عريضة وضبابية، وبين ما يمارسونه على أرض الواقع من مكافحة الكفر وفرض القيود على حياة النساء والحياة الثقافية وغيرها... ويستنتج «أنه لا يسعنا الحديث الآن عن أي تراجع للاسلام المتطرف في تلك البلدان».
أميركياً، انقسمت الآراء بين تهويلية تحذر من حكم الاسلاميين «الذي يشكل خطراً على أمن إسرائيل»، وتميزيية بين «حركة الاخوان المعتدلة والسلفيين المتطرفين». تحت عنوان «اذا كنت تعتقد أن الإخوان سيّئون فعليك أن تتعرف إلى الحركة الاسلامية الاخرى»، رسم إيريك تراغر، في «ذي نيو ريبابليك»، صورة قاتمة عن الشباب السلفيين المصريين. إذ صوّر التناقض في الآراء والمعتقدات والجهل السياسي عند هؤلاء، إضافة الى تمسكهم الاعمى بتطبيق الاسس الدينية وادعائهم الانفتاح على الغير. كذلك استفسر تراغر عما يقال حول «الدعم المادي السعودي الذي يتلقونه». وفيما تصف نينا شيا، في معهد «هادسون» الاميركي، صعود الإسلاميين بـالـ«تسونامي»، يحاول تقريرا «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» أن يبشرا بتباعد عقائدي وسياسي بين الإخوان والسلفيين، فيما يلفتان الى وحدة الموقف من الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني الداعي إلى الجهاد ضد إسرائيل. أما دانيال بايبس في «ذي ناشيونال ريفيو» فيقول إن «المجلس العسكري المصري يكرر لعبة أنور السادات وحسني مبارك مع الإسلاميين، إذ كانوا يدعمونهم في الخفاء ويهولون بهم أمام الدول الغربية كي يحصلوا على المال والسلاح». ويشرح بايبس أن «صفقة ستعقد بين الاسلاميين والعسكر بغية التشارك في الحكم». وعن دور الولايات المتحدة والدول الغربية، يدعو بايبس الى وقف كل المساعدات لمصر مؤقتاً ويقول: «يجب علينا أن نواجه الإخوان والسلفيين في أي مكان لأن الاسلاميين بكل أشكالهم هم ألدّ أعدائنا».



في منزل «إخوانيّة»

معظم المقالات الأميركية لفتت الى القدرة التنظيمية الهائلة التي يتمتّع بها الاخوان المسلمون في الشارع المصري وحزب النهضة في تونس. وكمن يريد أن يعرّف قرّاءه إلى مخلوقات غريبة يخشاها الجميع، روى كاتب «نيويورك تايمز» نيكولاس كريستوف تجربة دخوله الى منزل إحدى الناشطات المصريات في حركة «الإخوان المسلمين» وتناول الغداء معها. كريستوف يروي بعض تفاصيل حديثه مع سندس عاصم (٢٤ عاماً)، طالبة في الجامعة الأميركية في القاهرة وناشطة على موقع «الإخوان» الالكتروني، قائلاً «هي النقيض للصورة النمطية عن الناشطين الإسلاميين الملتحين».
«مصر لن تكون مثل السعودية أو إيران أو أفغانستان. ٥٠٪ من الإخوان هم نساء. نحن ضد الختان ومع مكافحة الجهل والأمية»، هكذا نقل الكاتب عن الناشطة المصرية. «ماذا عن الحجاب والكحول وإسرائيل؟» سأل كريستوف، فأجابت سندس «الإخوان لن يغيّروا شيئاً في تلك المجالات. وأولوية الحكومة المقبلة ستكون حل المشاكل الاقتصادية فقط».