في ظل التوقعات بأن تشهد الدوحة اليوم اجتماعاً للجنة العربية المكلفة معالجة الأزمة السورية، جددت السلطات السورية أمس تأكيدها أنها تدرس الرد الذي تلقته من الجامعة العربية على طلبها رفع العقوبات، مقدمةً لاستقبال مراقبي الجامعة في سوريا. في وقت سجل فيه سقوط عدد من القتلى أمس في «جمعة إضراب الكرامة»، في مقابل خروج مزيد من مسيرات التأييد للنظام في عدد من المدن السورية.ونقلت وكالة «فرانس برس» عن المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية، جهاد مقدسي، قوله في بيان له «تسلمت وزارة الخارجية رد معالي الأمين العام (نبيل العربي) وما زال قيد الدراسة»، فيما عقد مقدسي في وقت لاحق مؤتمراً صحافياً لتفنيد السجال الذي دار حول مقابلة الرئيس السوري بشار الأسد. وأكد أن قناة «أي بي سي» شوّهت مضمون المقابلة من خلال عمليات مونتاج اقتطعت خلالها أجزاءً منها بما يمثّل حالة من التماهي بين ما بثته القناة وبين تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية قبل بث المقابلة، التي عملت الخارجية السورية على تصويبها سابقاًَ. وقال مقدسي، خلال مؤتمر صحافي عقده في مقر الوزارة، «اعتقدنا أن القناة ستبث المقابلة بالطريقة المثلى التي تعكس ما قاله الرئيس الأسد، لكن ما جرى من تشويه لم يكن مفاجئاً، فمن حق كل قناة أن تقوم بمونتاج، لكن بما لا يؤدي إلى تشويه المضمون، وخاصة مع رئيس دولة، وفي بلد مثل سوريا». وأجرى مقارنة بين الحديث الذي أجراه الأسد مع القناة والمقاطع المجتزأة.
وفي سياق السجال حول المقابلة، قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، رداً على انتقادات الرئيس السوري لحصيلة قتلى القمع في بلاده، التي نشرتها الأمم المتحدة، إن الحصيلة «ذات صدقية»، بينما قالت رئيسة مفوضية حقوق الإنسان، نافي بيلاي، إنه كان يمكن إنقاذ أرواح لو كان مجلس الأمن قد تحرك في وقت سابق لوقف القمع الذي يجري في سوريا.
في هذه الأثناء، حذر القيادي البارز في المجلس الوطني السوري برهان غليون في مقابلة مع وكالة «رويترز» من أن التدخل الأجنبي في سوريا قد يكون حتمياً اذا استمرت إراقة الدماء، لكنه أوضح أن الأسد سيتحمل المسؤولية اذا حدث ذلك، وذلك بالتزامن مع تحذير المجلس الوطني السوري من «نية النظام السوري ارتكاب مجزرة جماعية في حمص لإخماد جذور الثورة»، بعدما أشار إلى ورود «معلومات من أبناء حمص تفيد بأن حشوداً عسكرية كبيرة تطوّق المدينة»، وهو ما حذرت منه أيضاً الولايات المتحدة.
وقال غليون، في المقابلة، إن النظام السوري سيسقط، لكن من المستحيل التكهن بموعد حدوث ذلك. وقال «لا أحد يستطيع أن يقول متى. أعتقد أنه فقد شرعيته تماماً كرئيس». وأضاف «آمل أن يتخلى عن السلطة بنفسه»، قبل أن يؤكد أنه «تقع على النظام الحالي مسؤولية تجنب وقوع حرب أهلية (التي) تعني وقوف جيش ضد جيش، وتدخلاً عسكرياً يريد الجميع تجنبه». ومضى يقول «أعتقد أن مسألة (التدخل) ليست متروكة لنا لنطلبها، لكنها ستحدث تلقائياً على اية حال. إذا واصل النظام قتل المئات يومياً، فلن يستطيع المجتمع الدولي أن يقف ساكناً، ولا يفعل شيئاً»، في وقت أعلن فيه رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي في مقابلة مع صحيفة «فايننشال تايمز» أن السوريين «يملكون أيضاً الحق في التماس التدخل بدعم من الأمم المتحدة» إذا لم يتمكن العرب من حمايتهم.
وفيما أكد غليون ضرورة «تفادي نشوب حرب اهلية بأي ثمن»، أوضح أنه طلب من قائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد أن «يقصر أنشطته على حماية المتظاهرين، وألا يشن مطلقاً هجمات أو عمليات ضد قوات الجيش السوري». ولفت إلى أن الأسعد وافق على ذلك، لكنه أصر على أن ما يقوم به الجيش السوري الحر هو «عمليات دفاعية». وأضاف غليون «آمل أن يفي بوعده، وإن من الضروري لنجاح ثورتنا الحفاظ على طبيعتها السلمية، وهو ما يعني القيام بتظاهرات شعبية»، مشدداً على أنه «لا نريد التحول إلى ميليشيات تحارب ضد الجيش»، وذلك بالتزامن مع كشف صحيفة «نيويورك تايمز» أن التوترات تتصاعد بين الجيش السوري الحر والمجلس الوطني بسبب إصرار الأخير على أن يقصر الجيش السوري الحر نشاطه على الأعمال الدفاعية، فضلاً عن اشارتها إلى قيام الجيش السوري الحر بتنظيم شبكة تهريب إلى سوريا من داخل تركيا لإرسال جنود وأسلحة وإمدادات طبية.
أما وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو، فأشار إلى أن الرئيس السوري، بشار الأسد، اذا كان صادقاً «فسيعاقب فوراً قتلة» المعارضين، و«سيوافق على نشر مراقبي الجامعة العربية». وشدد على أن بلاده لا تريد التدخل في شؤون سوريا الداخلية، لكنها لا تستطيع أن تقف ساكنة اذا تعرض الأمن الإقليمي للخطر، مؤكداً أنه «حينها لن يكون بوسعنا أن نقف مكتوفي الأيدي».
وفي إطار مسعى العراق للوساطة بين النظام والمعارضة، اعلن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، في مقابلة مسجلة بثت مساء الجمعة، أن الحكومة العراقية تقيم اتصالات مع معارضين سوريين من غير المعارضة المسلحة في الداخل والخارج، وأن هذه الاتصالات ستكون «مفتوحة اكثر».
ميدانياً، أشارت بيانات المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى مقتل «24 مدنياً بينهم أربعة أطفال برصاص قوات الأمن السورية في أنحاء متفرقة من سوريا». كذلك تحدث المرصد عن «اشتباكات عنيفة في ريف دمشق بين مجموعة منشقة وقوات الأمن السورية في بلدة سقبا». من جهتها، أفادت وكالة الأنباء السورية «سانا» عن «استشهاد ضابط برتبة مقدم برصاص مجموعة إرهابية مسلحة في شنشار بريف حمص»، فضلاً عن اصابة عدد من عناصر حفظ النظام ومواطنين في إطلاق نار عليهم في مدينة الصنمين، وفي محافظة درعا وفي طفس في ريف درعا، التي شهدت أيضاً استشهاد فتاة.
وفيما نظم معارضو النظام تظاهرات متفرقة في عدد من المدن السورية، ولا سيما في درعا وإدلب وحمص وحماه ودير الزور، تحت شعار «جمعة اضراب الكرامة» تمهيداً للإضراب العام الذي دعت إليه لجان التنسيق السورية غداً، أفادت وكالة «سانا» أن «حشوداً كبيرة توافدت إلى الكورنيش البحري بمدينة طرطوس وساحة المجاهد الشيخ صالح العلي في مدينة الشيخ بدر، كما خرجت حشود جماهيرية في مدينة صلخد بالسويداء وفي منطقة الشدادة بالحسكة وقرية خربة الحمام بحمص والقرى المجاورة لها استنكاراً لقرارات جامعة الدول العربية بحق الشعب السوري، ورفضاً للتدخل الخارجي».
(أ ف ب، أ ب، يو بي آي، رويترز)