عـــــن الحـــــال
شاهد عيان *
من قال إن ابن القذافي يشبهني؟!
لا ،لا يشبهني ببشرته السمراء التي لن تصمد طويلاً أمام بذخه على باب الفقر. فأنا أحب الراب ولكني لن أدعو يوماً الملقب «فيفتي سنت» إلى المخيم، وأدفع له ملايين الدولارات كما فعل.
أيضا أبي لا يشبه معمّر القذّافي، ولم يقترح إقامة دولة «إسراطين»! ولم يرسل الفلسطينيين إلى الصحراء لينهي معاناتهم، أو ليجهز على قضيتهم في نفسه! وأبي ليس ملك ملوك أفريقيا وليس ملك ملوك أي شيء! ولولا أنه لم يسدد لصاحب الدكان المجاورة، أبو يحيى، الدين القديم، لكانت قبضة يد المدعو أبو يحيى أبلغته بالمستحق عليه بالحسابات الفلسطينية، وما كنت أنا بفاعل شيئاً! فهل أدافع عن أبي مثل طفل؟ لا. إنه رجل آخر. يضرب ويُضرب! هذه سنّة المخيم وشريعته! وهو ليس سنّياً ولا شيعياً، بل وليس مسلماً ولا مسيحياً، وأضيف أنه ليس بوذّياً ولا زرادشتياً أو شيوعياً! وصراحة، إني أعلن هذا السر بدون علمه، يناقشني بالماركسية يوماً ويلمّح إلى أنه موفّق(!) لأن التوفيق من عند الله. أرصده يوماً وهو يشاهد صفقة تبادل الأسرى كما لو كان والد أسير، وأرصده كثيراً يشاهد أخبار تهاوي نظام ما ضاحكاً! «يتوّهني» أحياناً، لينقذني هاتف من صديق في مخيم آخر، تائه هو الآخر ويطرح أفكاراً أشدّ جنوناً وعتهاً، لا بل إنها أشدّ عتهاً من جارنا محمد الذي يلزمه قرابة أنبوب من الحبوب المهلوسة لتهدئته كل يوم!
وجارنا محمد لا يشبه الأسد بتاتاً. فالمخيم ليس غابة، وهو ليس ملكها! سندويشه المفضّل ليس اللحم بل الفلافل! وهو ليس كالأسود، فالأسود لا تتعاطى وتعترف بأنها تتعاطى! وكذلك أنا أعرف أنّ الأسود ممانعة مسالمة محايدة لا تكنّ حقداً للصديق القريب ولا للعدو البعيد! فالأسود لا تدري! والغابة رغم مشابهتها لبنان، إلا أنها ليست لبنان! من قال لكم إن الأسد يعيش في مخيم؟ هل رأيتم يوماً أسداً يبعث بأبنائه المرضى إلى وكالة الأونروا للعلاج؟ هل رأيتم أسداً يرفع ساعة الكهرباء عندما «تتك» من علبة الكهرباء المشتركة في المخيم؟!
هل رأيتم يوماً أسداً يسرق خط كهرباء من المنطقة المجاورة ليشاهد نشرة الأخبار و«يتفلسف» على جاره مكرراً جملة مثل «مؤامرة خارجية» أو «مساندة روسية صينية»؟

الأسود لا تفعل هذا!

شاليط لم يخرج من زنزانة الأسد، ولا بإذنه! لا بل لم يخرج من زنزانة المفاوضات، ولا بإذنها! وإذا أردنا التصعيد، فسنقول إن شاليط لم يخرج بعفو الصمود أو بعد إذنه! بل خرج بإرادة البو عزيزي!
هل شاليط مع الدولة أو ضدها؟ هل كان يفضّل أن يكون في زنزانة في غزة أم في رام الله؟ هل كان سيفهم ما الذي يمكن أن يحصل له إن كان في زنزانة في أحد مخيمات اللجوء؟ في مخيم نهر البارد مثلاً؟!
لا لا! أرجوكم! حافظوا على حياة رهائنكم، فقد تنفعكم أكثر!
نرجوهم وننصحهم، نراسلهم ونكتب إليهم صارخين ملء الروح، لنضيف إليهم معنى طالما افتقدوه لكنهم لا يسمعون.
صرخنا كثيراً. صرخنا في تونس ومصر وليبيا والأردن وسوريا والبحرين والسعودية وإيران وقطر. وسمعنا صرختنا مرافقة لأمواج أخرى من الصراخ آتية من كل مكان! لا بل رأينا تلك الأمواج ترتفع غاضبة، ثم تقتلها صخور الشاطئ التي تمثّل الحدّ، فتعود أقوى وأقوى إلى أن تجتاز الصخور وتجتاز الحدّ نفسه، وتبتلع الرمال والممالك والقصور التي شكّلها رئيس أو أمير أو مهما كان يسمّي نفسه. ولكننا لم نصرخ ملء حنجرتنا في فلسطين، داخلنا.
سقونا مياها طالما أردناها لتروي عطشنا، فكان الخطاب الجميل في الأمم المتحدة، وكان خروج الأسرى والأسيرات، وقبل ذلك كان إسقاط علم الكيان الغاصب في مصر، وبالتالي إسقاط سطوته وقرب إسقاط الاتفاقات السابقة معه. اهتز اهتزاز المباني قبل أن يبتلعها فالق من باطن الحق، من نفوس حرّة. والسطوة تهتز أيضاً في النفوس الخائفة من النفوس الحرّة.
ولكننا لن نرتوي وننسى شهداءنا العطاشى. فهم طريقنا. ومهما فعلنا، ندرك أنها كانت خطوة في الطريق الطويل المرّ. ولكننا في الخطوة الأخيرة اقتربنا وانتقلنا نوعيّاً. هل حققنا المستحيل؟ أو أن هذا هو الواقع ولكنّ الكثيرين كانوا يرونه صعب المنال؟ صراحة لا نهتم إن كان واقعاً أو كان جزءاً من معجزة لطالما التصقت بنا، وما زال نجمها يرافقنا.
هل سننتقل من خبر في جريدة إلى فدائيين على التراب؟ يبدو أنّ البوعزيزي هو فدائي قديم، قادم.

* عضو كتيبة خمسة ــ مخيم برج البراجنة