بعد تسع سنوات من الاحتلال، ومقتل أكثر من 4500 جندي أميركي وجرح 32 ألفاً آخرين، وكلفة فاقت 800 مليار دولار، أعلن الأميركيون رسمياً، أمس، نهاية الحرب في العراق، زاعمين أنّهم رغم الكلفة الباهظة التي تكبّدوها في الأرواح والأموال، فقد وضعوا العراق على طريق الديموقراطية وتخلصوا من الديكتاتورية. لكن الواقع أنهم يخرجون من بلاد الرافدين تاركين وراءهم جروحاً مفتوحة من حرب قتل فيها أكثر من 100 ألف عراقي، وخلفت عشرات الآلاف من الأيتام والأرامل والمعوقين، وخلقت بلداً مضطرباً أمنياً وسياسياً وطائفياً.
وأُقيم في المناسبة احتفال رسمي في قاعدة عسكرية أميركية بالقرب من مطار بغداد الدولي، شارك فيه وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا وقائد القوات الأميركية في العراق الجنرال لويد أوستن، والسفير الاميركي لدى بغداد جيمس جيفري، ورئيس هيئة الاركان المشتركة الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي، وقائد المنطقة الوسطى الجنرال جيمس ماتيس، اضافة الى نحو 160 من الجنود الأميركيين. وعن الجانب العراقي حضر رئيس هيئة الاركان العراقية المشتركة الفريق بابكير زيباري والمتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية اللواء محمد العسكري.
وأنزل الأميركيون علم الاحتلال ووضبوه للعودة الى الديار، ورفعوا مكانه علم العراق، في إشارة الى أنّ العلم الأميركي قد تقاعد. وقال بانيتا إنه «بعد الدماء التي بذلها الأميركيون والعراقيون، مهمة خلق عراق قادر على حكم نفسه وتأمين أمنه أصبحت حقيقة. الأرواح التي أُزهقت لم تذهب عبثاً». وأضاف متوجهاً الى جنود الاحتلال «ستتركون بفخر عظيم وأبدي. آمنون لأنكم تعرفون أن تضحياتكم ساعدت الشعب العراق على بدء فصل جديد من تاريخه». وأعاد بانيتا تأكيد وعود باراك أوباما، بأنّ الولايات المتحدة تخطط لإبقاء وجود دبلوماسي متين في العراق، وتعزيز علاقاتها به بنحو عميق ومستديم والمحافظة على قوة عسكرية قوية في المنطقة.
ورغم هذا الاحتفال الرسمي، لا تزال هناك بقايا قوات ستخرج مع نهاية العام الجاري بموجب الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ومع أن أوباما بدوره وعد بأن تعود قواته قبل الميلاد الى ديارها، لكن سيبقى نحو 4000 جندي في الكويت لعدة أشهر، كي تكون على شكل قوة تدخل سريع في إذا كانت هناك حاجة لذلك. ويفترض أن يبقى نحو 150 جندياً أميركياً فقط في العراق بعد 31 كانون الأول ملحقين بالسفارة الأميركية الواقعة قرب نهر دجلة، على أن يتولى متعاقدون مدنيون مهمة تدريب القوات العراقية على المعدات العسكرية الأميركية.
وأقرّ بانيتا، قبل وصوله الى العراق وخلال محطته الأفغانية، بالصعوبات التي يمكن أن تواجه العراق خلال السنوات المقبلة، قائلاً «سيواجهون صعوبات في المستقبل. سيواجهون تحديات من الإرهاب، سيواجهون تحديات من هؤلاء الذين يريدون تقسيم بلادهم. سيواجهون تحديات من اختبار الديموقراطية، ديموقراطية جديدة سيعملون على إنجاحها».
وخلال الاحتفال، قال بانيتا إن «القوات الامنية العراقية قادرة على مواجهة أي تهديد ارهابي»، وإنه «في الفترة المقبلة سيكون العراق مسؤولا عن أمنه ومستقبله». أما أوستن فقال إن الولايات المتحدة «زرعت بذور الديموقراطية فيما كان العراق يكتب دستوره ويجد العراقيون أصداء لأصواتهم».
بدا قادة الاحتلال وكأنهم يتكلمون عن عراق آخر يدرك أهله جيّداً أنّه دُمر على مدى تسع سنوات، تقول مريم كاظم من مدينة الصدر إن «الأميركيين يتركون وراءهم بلداً مدمراً. الأميركيون لم يتركوا مدارس حديثة أو مرافق كبيرة، بل تركوا آلاف الأرامل والأيتام». أما العضو في التحالف السياسي الموالي للزعيم مقتدى الصدر النائب أمير الكيناني، فرأى أن هذا الاحتفال الأميركي «يمثل فشلاً للولايات المتحدة في احتلال العراق، بسبب المقاومة الهائلة التي أبداها الشعب العراقي».
وترك الاحتلال لفريد خضير عكازين يسير بهما، بعدما فقد ساقه قبل أكثر من 8 سنوات بسبب طلقة بندقية من جندي أميركي، ولآخرين ترك آثار جرائم ارتكبت بأيدي جنود أميركيين ومتعاقدين خاصين مع الاحتلال، أفلتوا من العقاب. وفي مدينة الفلوجة لا تزال آثار الحرب بادية على شوارع المدينة من مبنى مدمر قرب الجسر نفسه وسوق يحمل ندبات القصف والمعارك. ويقول أحد السكان «الأميركيون دمروا الفلوجة، ووجودهم كان بمثابة لعنة. نحن ما زلنا على قيد الحياة، الا ان وضعنا أصبح تعيساً بسببهم».
والواقع أن الاحتلال يخرج تاركاً وراءه عشرات التحديات من التمرد المستمر والسياسة الهشة إلى اقتصاد يعتمد أساساً على النفط ويعاني من انقطاع الكهرباء والفساد. وتدور تساؤلات كثيرة بعد الانسحاب حول ما إذا كان سينشب صراع طائفي أم ستهيمن طائفة على أخرى؟ وإذا كان سيعود تنظيم «القاعدة» الى الانبعاث من جديد؟ وهل ستمتد النزاعات الحالية بين الأكراد في كردستان العراق التي تتمتع بحكم شبه مستقل إلى صراع مع الحكومة العراقية المركزية في بغداد بسبب الأرض المتنازع عليها؟
وفيما كان الاحتلال يسدل الستار عن فصل أليم من تاريخ بلاد الرافدين، كان المئات من محافظة ديالى يتظاهرون رافضين قرار مجلس المحافظة تشكيل الإقليم. وهو قرار رفضه التيار الصدري أيضاً، معتبراً إياه تحدياً لرغبة أبناء المحافظة بطريقة استفزازية. واتهم الحكومة المحلية في المحافظة بالتصرف «إما من مصلحة حزبية أو شخصية أو وفقاً لأجندات خارجية».
(الأخبار، أ ب،
أ ف ب، يو بي آي، رويترز)



المالكي: الأقاليم المستقلة مشاريع تقسيم


عاد رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي (الصورة)، الى بلاده أمس بعد زيارته واشنطن. وقال على متن الطائرة الذي أقلته الى بغداد إنه التقى خلال الزيارة ممثلين عن شركة «أكسون موبيل» الاميركية لمناقشة عقود نفطية وقّعتها الشركة مع اقليم كردستان. وأضاف «عقدنا معهم لقاءً وأطلعناهم على وضع هذه العقود». وأشار الى أنهم «هم وعدوا بأن يراجعوا قرارهم».
من جهة ثانية، قال المالكي إن الدعوات إلى انشاء اقاليم مستقلة «ممارسات مدعاة لتقسيم العراق»، في اشارة الى اعلان أعضاء في مجالس محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار التي تسكنها كلها غالبيات سنية، عن بدء اجراءات التحول الى اقاليم. وعلق على الاحتفالات التي يقيمها سكان مدينة الفلوجة لمناسبة الانسحاب الاميركي من البلاد، قائلاً إن «المقاومة أوقعت نفسها في ما لا حق لها فيه، وهي انزلقت من عملية المقاومة الى قتل واقتتال طائفي».
(أ ف ب)