تبنّى قادة دول مجلس التعاون الخليجي، في قمتهم التي اختتمت في الرياض أمس، مبادرة الملك السعودي بالعمل على تكوين كيان خليجي موحّد، ووجهوا رسائل سياسية في معظم ملفات المنطقة، وطالبوا بصرامة ووضوح إيران بالكفّ عن التدخل في الشؤون الخليجية الداخلية ووقف حملات التحريض الطائفي وإثارة الفتنة. وأكّد إعلان الرياض «تبنّي مبادرة الملك السعودي لتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد لتشكّل دول المجلس كياناً واحداً يحقق الخير ويدفع الشر».
وجرى توجيه المجلس الوزاري إلى تأليف هيئة متخصصة يوكل إليها دراسة الاقتراحات بشأن الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد. وشدّد على «تسريع مسيرة التطوير والإصلاح الشامل» في الداخل «وتحسين الجبهة الداخلية وترسيخ الوحدة الوطنية استناداً إلى المساواة بين جميع المواطنين والمواطنات أمام القانون وفي الحقوق والواجبات والتصدي للمحاولات الخارجية من جهات مأزومة تحاول تصدير أزماتها الداخلية عبر إثارة الفتنة والانقسام والتحريض الطائفي والمذهبي»، وعلى «العمل الجاد لتحقيق أعلى درجات التكامل الاقتصادي».
وأعرب بيان القمة عن «بالغ القلق لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون، ومحاولة بثّ الفرقة وإثارة الفتنة الطائفية بين مواطنيها، في انتهاك لسيادتها واستقلالها». وطالب «إيران بالكفّ عن هذه السياسات والممارسات، والالتزام التام بمبادئ حسن الجوار، والاحترام المتبادل، والأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل الخلافات بالطرق السلمية والحوار المباشر، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، بما يكفل الحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها».
كذلك تطرق البيان إلى الملف النووي الإيراني، وقال إن المجلس الأعلى تابع «مستجدات الملف النووي الإيراني بقلق بالغ، مؤكداً على أهمية التزام إيران بالتعاون التام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومجدداً التأكيد على مواقفه الثابتة بشأن أهمية الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وجعل منطقة الشرق الأوسط، بما فيها منطقة الخليج العربي، منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية».
وأكّد البيان، في الوقت نفسه، «حق دول المنطقة في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وتطبيق هذه المعايير على جميع دول المنطقة»، مشدداً «على ضرورة انضمام إسرائيل إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وإخضاع كافة منشآتها النووية للتفتيش الدولي، من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
كذلك استنكر القادة «محاولة اغتيال سفير السعودية لدى واشنطن، وأيّدوا الإجراءات والخطوات التي ستتخذها السعودية بهذا الشأن»، ودعوا المجتمع الدولي إلى «تحمل مسؤولياته أمام هذه الأعمال الإرهابية».
وبخصوص البحرين، رأى المجلس الأعلى أن المملكة تعيش حالة من الاستقرار رغم الاحتجاجات والاشتباكات المتواصلة في القرى، فأثنى على نهج الملك حمد بن عيسى «لما تحقق من أمن واستقرار وطمأنينة في ربوع مملكة البحرين». وأكد «وقوفه وتأييده الكامل والتام والدائم للبحرين وقيادتها الرشيدة» لحفظ أمنها واستقرارها.
وبالنسبة إلى مناطق الربيع العربي الأخرى، اكتفى المجلس الأعلى بالإشادة بتوقيع «المبادرة الخليجية وتشكيل حكومة الوفاق الوطنية» في اليمن، وبتأليف «الحكومة الانتقالية في ليبيا». وهنّأ «الرئيس التونسي منصف المرزوقي على انتخاب المجلس التأسيسي له رئيساً للجمهورية»، ورحّب «بإنجاز المرحلتين الأولى والثانية من انتخابات مجلس الشعب في مصر». وأثنى على رعاية أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني «لاتفاق سلام دارفور».
وتطرق البيان إلى ملف التعاون مع الأردن والمغرب، وأعلن موافقته «على دراسة مجالات التعاون المشترك» معهما «وشكّل عدداً من لجان التعاون المتخصصة في هذا الشأن وصولاً إلى الشراكة المنشودة»، إضافة إلى «إنشاء صندوق خليجي للتنمية، يبدأ بتقديم الدعم لمشاريع التنمية في الأردن والمغرب، بمبلغ مليارين ونصف المليار دولار، لكل دولة». وكان لافتاً أنّ البيان لم يتطرق إلى موضوع مصر، رغم التسريبات الإعلامية السابقة التي قالت إن القمة ستبحث في مسألة ضمّ مصر إلى المجلس.
وعن عملية السلام، أكّد القادة أن «السلام الشامل والعادل والدائم لا يتحقق إلا بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. وطالب المجتمع الدولي باتخاذ موقف حاسم بإلزام إسرائيل بالانسحاب الكامل من كافة الأراضي العربية المحتلة، في فلسطين والجولان وجنوب لبنان». وأدان «قرار السلطات الإسرائيلية بناء وحدات استيطانية في القدس الشرقية والضفة الغربية وشق طريق لربط المستوطنات بالقدس المحتلة، بهدف عزل المدينة المقدسة عن محيطها الفلسطيني، وتغيير طابعها الديموغرافي»، مؤكداً أن «القدس الشرقية خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه». وأثنى على «جهود منظمة «الأونيسكو» التي أثمرت قرار قبول دولة فلسطين كاملة العضوية في المنظمة».
وقال البيان الختامي إن المجلس الأعلى «اطّلع على تقرير بشأن سير العمل في برنامج مجلس التعاون لإعادة إعمار غزة، ووجه بسرعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من مشاريع وبرامج لخدمة الشعب الفلسطيني الشقيق في غزة المحاصر من قبل إسرائيل».
وفي الشأن الاقتصادي الخليجي، أشاد البيان بما «تشهده اقتصادات دول المجلس من نمو ملحوظ وما تحقق من تنمية شاملة، رغم ما يمر به الاقتصاد العالمي من أزمات». وقرّر المجلس الأعلى «اعتماد الهوية الشخصية كإثبات هوية لمواطني دول المجلس في القطاعين العام والخاص في جميع الدول الأعضاء»، واعتماد «القواعد الموحّدة لإدراج الأوراق المالية في الأسواق المالية بدول المجلس، وقرر العمل بها بصفة استرشادية لمدة سنتين تمهيداً لمراجعتها والعمل بها بصفة إلزامية».
(الأخبار)



«الدعم الكامل» لأمن لبنان واستقراره


إضافة إلى الملفات السياسية والاقتصادية أعلاه، تطرّقت قمة مجلس التعاون الخليجي إلى الملفين اللبناني والعراقي، وجاء في إعلان الرياض أن المجلس الأعلى «جدّد دعمه الكامل لأمن واستقرار لبنان، ووحدته الوطنية، ورحّب بدفع لبنان حصته في تمويل المحكمة الدولية المعنية باغتيال الرئيس رفيق الحريري، بما يؤكد التزامه بتحقيق العدالة».
وفي الشأن العراقي، أكّد «دعمه لموقف الكويت بشأن إنشاء ميناء مبارك الكبير باعتباره يقام على أرض كويتية وضمن مياهها الإقليمية، وعلى حدود مرسومة وفق قرارات الأمم المتحدة، وعبّر عن ثقته بأن تنفيذ العراق لالتزاماته الدولية تجاه الكويت سيُعزز الثقة بين البلدين». وجدّد التأكيد على «احترام استقلال العراق ووحدة أراضيه، وسلامته الإقليمية، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية تجنّباً لتقسيم العراق، والحفاظ على هويته العربية والإسلامية». وأمل أن «يراعي العراق العلاقات الأخوية التي تربطه بدول المجلس، وذلك بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدوله ووقف الحملات الإعلامية التي لا تخدم تطور العلاقات وتقدمها بين الجانبين». ودعا «كافة الأطراف والمكوّنات السياسية في العراق إلى تحمّل مسؤولياتهم لبناء عراق آمن موحّد مستقر ومزدهر بعد الانسحاب الأميركي».